النهار

ماذا تعني خسائر روسيا العسكرية في أوكرانيا؟
تتراوح التقديرات الغربية لخسائر الجيش الروسي بين 7 إلى 15 ألف قتيل.
ماذا تعني خسائر روسيا العسكرية في أوكرانيا؟
A+   A-

انشغل مراقبو الشأن الروسيّ يوم الاثنين بخبر صدر عن صحيفة "كومسومولسكايا برافدا" المقرّبة من الكرملين والذي نقلت فيه عن وزارة الدفاع الروسيّة قولها إنّ 9861 جندياً روسياً قُتلوا خلال "العملية العسكرية الخاصة" في أوكرانيا. لكن سرعان ما تمّ حذف الخبر وقالت الصحيفة إنّ موقعها تعرّض للقرصنة.

لفت هذا الخبر أنظار الغربيّين لأنّه يتماشى مع توقّعاتهم، أو حتى يفوقها بشأن حقيقة عدد القتلى الروس الذين سقطوا في الحرب على أوكرانيا. نقلت صحيفة "نيويورك تايمس" الأسبوع الماضي عن مسؤولين أميركيين تقديراً متحفّظاً بسقوط أكثر من 7 آلاف جنديّ روسيّ في أقلّ من ثلاثة أسابيع على انطلاق الغزو.

وتقول أوكرانيا إنّ أكثر من 15 ألف جنديّ روسيّ قُتلوا خلال المعارك، بينما اعترفت أوكرانيا بسقوط 1300 من جنودها حتى 12 آذار. من جهتهم، يقول الأميركيون إنّ كييف فقدت بين ألفي إلى أربعة آلاف جنديّ. التصريح الرسميّ الوحيد الذي قدّمه الروس هو فقدانهم 498 جندياً حتى 2 آذار. وقدّر حلف شمال الأطلسيّ (ناتو) الأربعاء أنّ روسيا خسرت ما بين 7 آلاف إلى 15 ألف قتيل في أوكرانيا.

 

عن القوّة "المساوية" لواشنطن

حتى التقدير المتحفّظ كبير بالنسبة إلى دولة مثل روسيا استهلكت الكثير من الجهد لتحديث قوّة جيشها وإثباتها. فالولايات المتحدة لم تفقد 7 آلاف جنديّ خلال حربين خاضتهما في العراق وأفغانستان طوال عشرين عاماً. علماً أنّ تلك الحربين أصعب على الولايات المتحدة من الحرب التي تخوضها روسيا في أوكرانيا. فالعراق وأفغانستان بعيدتان آلاف الكيلومترات عن الحدود الأميركيّة ولا تربطهما علاقات تاريخية وثقافية وسياسية مع الأميركيين كما هي الحال بالنسبة للعلاقات الأوكرانيّة-الروسيّة. وكان من المفترض أن يوفّر التقارب الحدوديّ والسياسيّ بين البلدين معلومات استخباريّة أفضل لموسكو عن مدى استعداد الأوكرانيّين لمقاومة الروس بدلاً من تكوين فكرة أنّ كييف ستنهار بمجرّد دخول القوّات الروسيّة أوكرانيا.

لم يعقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قمّة مع نظرائه الأميركيّين إلّا وكانت فكرة إظهار أنّ روسيا قوّة مساوية للولايات المتحدة حاضرة في الرسائل غير المباشرة التي أراد بوتين توجيهها. اليوم، ومع إخفاق الجيش الروسيّ في تحقيق هدفه بإخضاع كييف في أيام قليلة، ومع تلقّيه ضربات موجعة على مستوى الخسائر البشرية كما الخسائر في المعدّات، فقدت روسيا إلى حدّ بعيد القدرة على تصوير نفسها قوّة مساوية أو حتى قريبة من القوّة العسكريّة الأميركيّة. ربّما تشكّل الرؤوس النوويّة والأسلحة النوويّة التكتيكيّة الاستثناء الوحيد في هذا المجال، نظريّاً على الأقلّ.

لكنّ الاستناد إلى هذا النوع من الأسلحة غير كاف وحده لنشر القوّة الروسيّة حول العالم، ولا هو العنصر الأهمّ في تحقيق المكاسب الدوليّة، على عكس القوّة العسكريّة الكلاسيكيّة. في الوقت نفسه، تبيّن أنّ الدعاية التي بذلتها روسيا عن قوّة جيشها انهارت سريعاً في أوكرانيا. فبينما كانت روسيا تستعرض جزئيّاً صواريخها ومقاتلاتها في الحرب السوريّة، كانت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا تدرّب القوّات الأوكرنيّة بعيداً من الإعلام إلى حدّ كبير وتجعل مهارتها القتالية قريبة من المهارة القتالية للقوّات الأطلسيّة. لا يعني ذلك أنّ قسماً كبيراً من الغرب لم يصدّق الدعاية الروسيّة عن قوّة موسكو العسكريّة وإلّا لما كان قد توقّع سقوط كييف في أربعة أيام.

 

خسائر محتملة في أعلى القيادة

إنّ الضربة المعنويّة التي تلقّاها الجيش الروسيّ في أوكرانيا لم تقتصر فقط على تكبّده خسائر هائلة في الأرواح خلال شهر واحد بالمقارنة مع الخسائر الأميركية التي تكبّدها الأميركيّون خلال عشرين عاماً في العراق وأفغانستان. مقارنة سريعة مع معدّل خسائر الاتحاد السوفياتي في الحرب الأفغانية تظهر أنّ موسكو اليوم هي في وضع أسوأ بكثير. ففي حين خسر السوفيات ما معدّله خمسة جنود في اليوم الواحد على مدى عشرة أعوام، تخسر روسيا اليوم ما معدّله 230 جندياً يومياً، على أساس احتساب التقدير الأميركيّ المتحفّظ. وسيرتفع الرقم إلى قرابة 330 إذا تمّ احتساب الرقم الوسطيّ بين التقديرات الأميركيّة وتلك الأوكرانيّة، أي بمعنى آخر، الرقم الذي ظهر لفترة وجيزة على "كومسومولسكايا برافدا" والذي نقلته عن وزارة الدفاع الروسيّة قبل حذفه لاحقاً. حتى رقم وزارة الدفاع الروسية عن سقوط 498 قتيلاً في الأسبوع الأول على الغزو، يعني أنّ روسيا فقدت قرابة 70 قتيلاً يوميّاً.

علاوة على ذلك، خسرت روسيا عدداً كبيراً من جنرالاتها في المعارك. سقط ستة جنرالات روس في أوكرانيا بحسب تقارير كييف. في مقابلة إعلامية، رأى الجنرال الأميركي المتقاعد ومدير وكالة "سي آي أي" الأسبق ديفيد بترايوس أنّ سقوط هذا العدد من الجنرالات وفي غضون ثلاثة أسابيع هو أمر غير شائع إلى حدّ بعيد. نجمَ هذا الأمر بحسب رأيه عن انهيار تسلسل القيادة بين الروس وتعرّض اتصالاتهم للاختراق لأنّها أجريت أحياناً عبر خطوط أوكرانية غير آمنة. كذلك، كان الجنرالات يضطرون لمغادرة مركباتهم والتوجّه إلى مقدّمة الأرتال لمعالجة العراقيل فتعرّضوا للقنص. لقد اضطرّ هؤلاء للمخاطرة بسبب نقص المبادرة لدى الجنود وضباط الصف. وكان مراقبون آخرون رأوا أنّ تساوي نسبتي الآليّات العسكريّة المدمّرة وتلك المتروكة يبيّن غياب المعنويّات والرغبة القتاليّة لدى الروس.

في السياق نفسه، قال ديبلوماسي أجنبي بارز في موسكو لوكالة "رويترز" إنّ "المهمّ بالنسبة إليّ الخسائر التي تتحدث التقارير عنها على مستوى عقيد وما فوق، عصب الجيش الروسيّ، لا الجنرالات وحسب". وفي ما يشبه تقييم بتراوس، قال الديبلوماسيّ إنّ الجيش الروسيّ مركزيّ وهرميّ بشدّة وينقصه الضباط الصغار الممكّنين على الطريقة الغربيّة، بما يعرقل سرعة اتّخاذ القرارات.

 

الأرقام لا تنحصر في عدد القتلى

تثير هذه الأرقام أسئلة عن قدرة روسيا على استدامة حربها في حال تواصلت خسائرها البشريّة الجسيمة. فالخسائر لا تقدّر فقط بعدد القتلى في الميدان بل بعدد الجرحى أيضاً. والمعدّل الوسطيّ الذي يقدّره الخبراء العسكريّون هو وجود ثلاثة جرحى مقابل كلّ قتيل. وهذا يعني خسارة الجيش الروسيّ قرابة 30 ألف جنديّ من أرض المعركة من أصل 190 ألفاً، أي نحو 15% من عدد جنودها. ويضع الناتو التقدير عند 40 ألفاً بما يساوي 20% من حجم القوّة الإجماليّة. يعتقد أستاذ الدراسات الاستراتيجية في جامعة سانت أندروز فيليبس أوبراين أنّ خسارة الميدان نحو 25% من الجنود يصبح صعب التعويض بالنسبة إلى المهاجمين. وسيرتفع هذا الرقم أكثر مع إدخال عوامل الطقس القاسي والتي قد تسبّب الأمراض، وربّما معاناة الجيش الروسيّ من "قضمة الصقيع" بحسب البنتاغون.

قد تكون الأرقام الأوكرانية وحتى الأميركية المستندة إلى المصادر المفتوحة مبالغاً بها. لكنّ غياب الأرقام الرسميّة الصادرة عن روسيا سمح بانتشار هذه التقديرات على نطاق واسع. بذلك، أخلت روسيا الساحة أمام أوكرانيا كي تفوز في المعركة الإعلاميّة قبل المعركة العسكريّة.

 
*نُقل عن "النهار العربي"

 

اقرأ في النهار Premium