في خبر لافت نقلته مجلة "بوليتيكو" أمس الثلاثاء، يبدو أنّ الرئيس الأميركي جو بايدن اتّخذ قراره "النهائيّ" بشأن مصير تصنيف "الحرس الثوري" على لائحة الإرهاب. في آذار الماضي، تعثّرت مفاوضات فيينا الهادفة إلى إعادة إحياء الاتّفاق النوويّ بعدما طالبت روسيا بمنحها حصانة من العقوبات الدولية المفروضة عليها بسبب غزو أوكرانيا، في حال التوصل إلى اتفاق نوويّ جديد مع إيران.
أرادت روسيا بالحدّ الأدنى حماية تعاملاتها المستقبلية في البنية التحتية النووية مع إيران من العقوبات الأميركية. بينما توقع كثر أن يكون هذا الطلب سبباً لانهيار المفاوضات، خصوصاً أنّ الإيرانيّين أنفسهم وجّهوا انتقادات للروس بسبب هذا الطلب، تعرقلت المحادثات بفعل مطالبة إيران برفع "الحرس الثوري" عن لائحة الإرهاب. وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إنّ بلاده حصلت على ضمانات مكتوبة من الأميركيين بشأن قدرتها على إبرام عقود مستقبلية مع الإيرانيين في ظلّ الاتّفاق المجدّد.
وجدت الإدارة الأميركية نفسها بين سندان انهيار الاتفاق النووي في حال رفض الطلب، ومطرقة الجمهوريين (وقسم وازن من الديموقراطيين) لو قرّرت شطب الحرس عن قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية. وسط هذه الحسابات المعقّدة، امتنعت الإدارة خلال الفترة الماضية عن اتّخاذ قرار حاسم بهذا الشأن، من دون أن توقف البحث عن حلول وسط.
النافذة أغلقت
لكنّ القرار النهائيّ قد تمّ اتّخاذه، أو على الأقلّ هذا هو المرجّح. نقلت "بوليتيكو" أمس عن مسؤول غربيّ وصفته بالبارز قوله إنّ بايدن جعل من قراره إبقاء الحرس الثوري على لائحة الإرهاب نهائياً. وذكرت أيضاً أنّ شخصاً آخر مطّلعاً على الموضوع قال إنّ الرئيس الأميركيّ نقل قراره إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت خلال اتصال هاتفي في 24 نيسان على أنّه نهائيّ وبشكل مطلق. وأضاف أنّ النافذة أمام التنازلات لصالح إيران قد أغلقت. بالمقابل، أعرب بينيت في تغريدة على "تويتر" يوم أمس عن شكره لقرار بايدن.
على الرغم من هذا التقرير، ومن تقرير آخر أعدّته المجلّة الشهر الماضي نقلت فيه عن مسؤول أميركي آخر الفكرة نفسها، أبدى مراقبون معارضون للاتفاق خشيتهم من إقدام بايدن على رفع الحرس الثوري عن لائحة الإرهاب مشيرين إلى "بالونات اختبار" أطلقتها الإدارة مثل التفكير بشطبه عن القائمة والإبقاء على تصنيف "قوة القدس" التابعة للحرس. علاوة على ذلك، لا تعني نهائية القرار الأميركي الرافض لهذا الطلب أنّ فكرة التنازلات الأميركية لصالح إيران قد استُبعدت تماماً.
فـ"بوليتيكو" نفسها ذكرت في 16 أيار أنّ الديبلوماسيّ الأوروبيّ الذي ينسّق المفاوضات في فيينا إنريكي مورا سلّم رسالة إلى الإيرانيين خلال زيارته طهران مفادها أنّ الولايات المتحدة قد تناقش مسألة تصنيف الحرس الثوري لكن فقط بعد تسوية الاتفاق النووي. ولم تتراجع إيران عن مطلبها، لكنّها أشارت إلى أنّها راغبة بإعادة بدء المحادثات بشأن قضايا غير مرتبطة بالحرس الثوري، وقد تقدّم مطالب بديلة عن هذه القضية. وتابعت: "إذاً يتوقّع ديبلوماسيّون غربيّون الآن أن تتقدم طهران بمطالب بديلة محتملة، مانحة واشنطن فرصة للتفكير بتنازلات أخرى يمكن أن تقدّمها".
نقاط ملتبسة
يصعب معرفة ما إذا كان القرار النهائيّ لبايدن – إن صحّ التقرير الأخير – محاولة لتحفيز إيران على تقديم مطالبها البديلة، أو محاولة لإرغامها على القبول بالاتّفاق وفقاً للصيغة شبه النهائيّة التي توصّل إليها المفاوضون قبل توقّف المفاوضات. كذلك، يصعب معرفة موقف إدارة بايدن من قضيّة التصنيف بعد التوصّل المفترض إلى إحياء الاتفاق النووي. خلال المفاوضات، اقترحت الإدارة رفع الحرس الثوري عن لائحة الإرهاب في حال قبلت إيران بوقف التصعيد في الشرق الأوسط وتحديداً بوقف العمل على استهداف مسؤولين أميركيين أو مصالح الولايات المتحدة في المنطقة. لم يحقّق الجانبان أيّ خرق في هذه النقطة على قاعدة أنّ الإيرانيّين لن يسقطوا تعهّدهم الانتقام لمقتل قائد "قوة القدس" قاسم سليماني في غارة أميركية أوائل سنة 2020.
قد يرى بايدن أنّ العودة إلى الاتفاق النووي يمكن أن تخفّف من الانتقادات التي ستوجّه إليه لاحقاً بفعل قبوله المحتمل بالمطلب الإيرانيّ. سيكون بإمكانه تقديم شطب الحرس الثوري عن لائحة الإرهاب من ضمن حزمة لجعل الاتفاق النووي "أطول وأقوى" كما تعهّد خلال حملته الانتخابية. لكنّ إيران رفضت التفاوض على إطالة أمد الاتفاق وتعزيزه طوال الفترة الماضية، وثمة شبه استحالة في توقّع قبولها بذلك بعد إحيائه خصوصاً أنّها ستكون قد بدأت بحصد ثماره المالية وبالتالي رفع المزيد من الضغوط عنها.
"حبّة سمّ"
ذكرت وسائل إعلامية أخرى أيضاً ترجيح عدم قبول الإدارة بمطلب طهران. فقد نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" مطلع هذا الشهر عن ديبلوماسيين غربيين قولهم إنّه لو عادت إيران بمطلب كي تتنازل الولايات المتحدة في قضية أخرى غير قضية الحرس الثوري، فواشنطن ستدرس ذلك. لكنّ الديبلوماسيين أوضحوا أنّه لا يمكن أن يكون هنالك إعادة تفاوض واسع على الاتفاق.
ربّما يميل بايدن اليوم إلى جعل قراره بخصوص رفض رفع الحرس الثوري عن لائحة الإرهاب قراراً نهائياً. في نهاية المطاف، هو لا يستطيع إغضاب الكونغرس قبل الانتخابات النصفيّة، كما لا يستطيع إغضاب حلفاء واشنطن الإقليميين، وفي مقدّمتهم الرياض التي يبدو أنّ بايدن ينوي زيارتها في المستقبل القريب. وتحتاج الولايات المتحدة إلى أن تضخّ السعودية والإمارات المزيد من النفط للتعويض عن الخسائر المحتملة في الإمدادات الروسية بعد فرض عقوبات على موسكو.
هل يشكّل رفض أميركا للطلب الإيرانيّ ضربة مميتة للاتفاق النوويّ؟ لو حصل ذلك فقد يمثّل الرئيس دونالد ترامب السبب الأهمّ في تلك النتيجة. كما يقول البعض، فرض ترامب أكثر من ألف عقوبة على طهران خلال ولايته. لكنّ تصنيف الحرس قد يكون "حبّة السمّ" التي تعرقل جهود خلفه في إحياء الاتفاق النوويّ.
سينتظر العالم ما إذا كانت تلك الحبّة التي عمرها قرابة ثلاثة أعوام قد انتهت صلاحيّتها أم لا.