بعدما عيّنه رسمياً الملك تشارلز الثالث رئيساً للحكومة، حذّر ريشي سوناك الثلثاء من "قرارات صعبة" ستُتخذ، لكنه أصر على توجيه رسالة "أمل" للبلاد التي تواجه أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة.
أصبح المصرفي ووزير المال السابق، ريشي سوناك، أول رئيس وزراء بريطاني من أصل هندي ويعتنق الديانة الهندوسية والأول من مستعمرة بريطانية سابقة. وهو أيضاً في عمر 42 عاماً أصغر رئيس حكومة في التاريخ المعاصر للمملكة المتحدة، بعد صعود سريع في السياسة.
وأكد أنه "سأوحّد بلادنا ليس بالكلام، بل بالأفعال"، واعدًا بإصلاح "الأخطاء" التي ارتُكبت في عهد ليز تراس التي اضطرّت للاستقالة بعد عاصفة مالية أثارها برنامجها الاقتصادي.
وأوضح في خطابه أنه "لا يخشى" من حجم المهمة، مضيفاً "سنخلق مستقبلاً يستحق التضحيات التي قدمها الكثيرون وسيضج غدًا، وكل يوم، بالأمل".
وجدد سوناك تأكيد دعم بريطانيا لأوكرانيا في "الحرب الرهيبة" التي تشنها موسكو والتي يجب أن "تنتهي بفوز" كييف.
وقال رئيس الحكومة في أول تصريح له أمام بوابة "10 داونينغ ستريت"، "سأضع الاستقرار الاقتصادي والثقة الاقتصاديين في قلب برنامج هذه الحكومة. وهذا يعني أنّ هناك قرارات صعبة يجب أن تُتخذ".
- أولى التعيينات -
بعد فترة وجيزة من تسلمه المنصب، قرر رئيس سوناك الثلثاء إبقاء وزير المال جريمي هانت في منصبه الذي عينته فيه ليز تراس على عجل منتصف تشرين الأول لتهدئة العاصفة المالية الناجمة عن برنامجها الاقتصادي.
هانت البالغ من العمر 55 عاما سياسي متمرس تولى وزارتي الصحة والخارجية، وقام منذ تعيينه بإلغاء كل التخفيضات الضريبية التي أعلنتها حكومة ليز تراس وحذر من إجراءات صعبة آتية، ما أثار مخاوف من عودة التقشف. ويتوقع أن يطرح إجراءات جديدة بشأن الموازنة في 31 تشرين الاول.
كذلك، عيّن سوناك حليفه المقرب دومينيك راب وزيرا للعدل ونائبا لرئيس الوزراء، وهما منصبان شغلهما في عهد بوريس جونسون.
ويمثل هذا التعيين عودة دومينيك راب البالغ 48 عاما والذي كان وزيرا للخارجية بين 2019 و2021 ثم وزيرا للعدل حتى أيلول الماضي، على أعلى مستوى في الحكومة.
وعندما كان نائب رئيس الوزراء، حلّ راب مكان جونسون عندما أدخل الأخير المستشفى لأيام للمعالجة من كوفيد-19 في ربيع 2020.
كذلك، أبقى سوناك جيمس كليفرلي في منصبه وزيرا للخارجية وبن والاس وزيرا للدفاع.
وأعاد كذلك تعيين سويلا برافرمان المحافظة المتشددة وزيرة للداخلية، بعد أقل من أسبوع على استقالتها من المنصب وهما ما ساهم في سقوط تراس. برافرمان التي درست في باريس، محامية سابقة تبلغ من العمر 42 عامًا وهي من أصل هندي.
- "يوم تاريخي" -
وقال سوناك في تصريحاته الثلثاء إنه "يدرك" العمل الذي يتعين القيام به من أجل "إعادة الثقة"، في إشارة إلى الفضائح أثناء عهد بوريس جونسون الذي أعرب له عن "امتنانه".
وأرسل له الأخير "تهانيه" في "هذا اليوم التاريخي".
قبل تعيين خلفها، غادرت تراس داونينغ ستريت الثلثاء بعد 49 يوماً من تسلّمها السلطة، لتقديم استقالتها رسمياً للملك تشارلز الثالث.
ولدى خروجها من مقر إقامة رئيس الحكومة، أعربت ليز تراس عن تمنياتها بـ"كل النجاح الممكن" لخليفتها "لصالح بلدنا".
وأطلقت المحافِظة التي تبلغ من العمر 47 عاماً، نداءً لاعتماد الجرأة في السلطة. وقالت إنها "مقتنعة أكثر من أي وقت مضى بأننا يجب أن نتحلّى بالجرأة لمواجهة التحدّيات".
بعد ذلك، صعدت ليز تراس إلى السيارة متوجّهة إلى قصر باكنغهام لتقدّم استقالتها للملك تشارلز الثالث الذي كلّف ريشي سوناك رسمياً بعد ذلك تشكيل الحكومة.
وسيصبح سوناك رئيساً للحكومة في بلد يواجه أزمة اقتصادية واجتماعية خطيرة. فقد تخطّى التضخّم معدّل الـ10 في المئة وهو الأعلى بين دول مجموعة السبع. ويأتي ذلك فيما لا تزال أسعار الطاقة آخذة في الارتفاع وكذلك أسعار المواد الغذائية، وفي الوقت الذي تحوم فيه مخاطر الركود.
وسيتعيّن على سوناك تهدئة الأسواق التي اهتزّت بسبب إعلانات ميزانية حكومة ليز تراس في نهاية أيلول، والتي أُلغيت معظم أجزائها في سياق اتخذ منحى كارثياً.
كذلك، يصل سوناك إلى السلطة خلال مرحلة غير مسبوقة من عدم الاستقرار. وهو خامس رئيس للحكومة البريطانية منذ العام 2016، عندما اختارت البلاد الخروج من الاتحاد الأوروبي في استفتاءٍ أُجري حينها.
- مناصرو بريكست -
سيترأس سوناك حزب المحافظين الذي يشهد انقسامات عميقة بعد 12 عاماً على وجوده في السلطة. وحذّر النواب في معسكره من أنه يجب عليهم "الاتحاد أو الموت"، في ظلّ تحقيق المعارضة العمّالية تقدّماً في استطلاعات الرأي قبل عامين من الانتخابات العامّة.
وحلّ هذا التحذير على الصفحات الأولى من الصحف اليومية البريطانية. فقد أشادت "ذي ديلي ميل" بـ"حقبة جديدة"، بينما قالت "ذا صن"، "عسى أن تكون القوة معك ريشي"، واضعة سيفاً ضوئياً في يد هذا المشجِّع الكبير لسلسلة "حرب النجوم".
استبعد سوناك انتخابات مبكرة يطالب بها حزب "العمّال". ولكن وفقاً لاستطلاع أجرته شركة "إيبسوس" الإثنين، فقد أعرب 62 في المئة من الناخبين عن رغبتهم في إجراء مثل هذه الانتخابات قبل نهاية العام 2022.
وسيتعيّن على هذا المؤيّد لـ"بريكست" والذي ينظر إليه على أنه براغماتي، وحكومته منح ضمانات للأسواق وإرضاء المجموعات المكوِّنة لغالبيته، في ظلّ مخاطر مواجهة مصير ليز تراس. كذلك، سيتعيّن عليه شرح نواياه خصوصاً أنه لم يتحدّث عنها خلال الحملة السريعة لرئاسة حزب المحافظين التي بدأت الخميس.
فقد فاز سوناك بدون برنامج أو تصويت من الأعضاء، بعد تخلّي رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون عن الترشّح وفشل منافسته بيني موردنت في التأهّل.
وخلال الحملة الانتخابية السابقة التي جرت في الصيف، والتي خسر خلالها أمام ليز تراس، شدّد وزير المال السابق (2020-2022) على ضرورة محاربة التضخّم واصفاً وعود تراس بخفض الضرائب بـ"الحكاية الخيالية".
وفي ما يتعلّق بالهجرة، أعرب سوناك عن تأييده للبرنامج المثير للجدل والمتمثّل في إرسال المهاجرين الذين وصلوا بشكل غير قانوني إلى المملكة المتحدة إلى رواندا. ومع ذلك، تمّ حظر هذا المشروع في المحكمة.
من واشنطن، هنأ الرئيس الأميركي جو بايدن الثلثاء سوناك قائلا إنه "يتطلع" إلى العمل معه خصوصا في ملف الحرب في أوكرانيا.
وكتب على تويتر "أنا أتطلع إلى تعزيز تعاوننا في القضايا الحاسمة للأمن والازدهار العالميين، بما في ذلك من خلال الاستمرار في الوقوف بحزم بجانب أوكرانيا".
من جانبها، دعت المفوضية الأوروبية رئيس الوزراء البريطاني الجديد الثلثاء إلى الالتزام "الكامل" بالاتفاقات المبرمة مع الاتحاد الأوروبي بعد بريكست، خصوصا المتعلقة بالترتيبات الجمركية في إيرلندا الشمالية.
في تغريدة تهنئة موجهة إلى سوناك، أكدت رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لايين "في هذه الأوقات العصيبة لقارتنا، نعول على علاقة متينة مع المملكة المتحدة للدفاع عن قيمنا المشتركة، مع الالتزام الكامل باتفاقياتنا".