النهار

شراكة البريكس تقف شامخة في خضم التحديات العالمية
المصدر: "النهار"
شراكة البريكس تقف شامخة في خضم التحديات العالمية
تظهر الصورة الملتقطة جواً في 17 يونيو 2022 مبنى المقر الرئيسي لبنك التنمية الجديد، المعروف أيضا باسم بنك بريكس، في شانغهاي بشرق الصين (شينخوا)
A+   A-
عقدت الدورة الـ14 لقمة البريكس، وهي مجموعة للأسواق الناشئة تضم كلاً من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، مؤخرا عبر الإنترنت، تحت موضوع "تعزيز الشراكة عالية الجودة للبريكس، الولوج في عصر جديد للتنمية العالمية"، حيث ترأست الصين هذه الدورة من القمة.

ومنذ تأسيسها قبل 16 عاماً، أصبحت مجموعة البريكس إطاراً شاملاً ومتعدد المستويات شهد القيام بتعاون عملي في عشرات المجالات، والتمسك بروح الانفتاح والشمولية وتعاون الفوز المشترك.

وبينما يواجه العالم العديد من عوامل عدم اليقين، بما في ذلك جائحة لم يشهد العالم مثيلاً لها منذ قرن من الزمان، فإن من المتوقع أن تُسهم الدول النامية الخمس الكبرى بحكمتها وجهودها لدفع التنمية العالمية.


دفع التنمية المشتركة
تعد دول البريكس قوة دافعة هامة للنمو الاقتصادي والتجاري الإقليمي والعالمي. فرغم التأثير المتواصل لكوفيد-19، بلغ إجمالي حجم تجارة السلع لدول البريكس نحو 8.55 تريليون دولار أمريكي في العام الماضي 2021، بزيادة 33.4 بالمئة على أساس سنوي، وفقاً لنتائج بيانات رسمية.

وفي الوقت ذاته، بلغ إجمالي التجارة الثنائية للصين مع باقي دول البريكس 490.42 مليار دولار أمريكي، بزيادة 39.2 بالمئة على أساس سنوي، ما يتجاوز إجمالي النمو لتجارة الصين الخارجية خلال تلك الفترة.

وتشير نتائج الإحصاءات إلى أن دول البريكس تمثل نحو 18 بالمئة من التجارة العالمية للسلع و25 بالمئة من الاستثمارات الأجنبية على مستوى العالم.

ومنذ أكثر من 10 سنوات، دخلت شركة برينكس تشنغشان (شاندونغ) المحدودة للإطارات، وهي شركة لإنتاج الإطارات مقرها في مقاطعة شاندونغ شرقي الصين، دخلت إلى السوق البرازيلية وتتمتع بشعبية بين الموزعين والزبائن المحليين.

وبحسب الشركة، فإن اتفاقية الاعتراف المتبادل بوضع المشغل الاقتصادي المعتمد بين الصين والبرازيل، والتي دخلت حيز التنفيذ رسميا في الأول من يناير للعام 2022، عززت صادرات منتجات الشركة.

وأضحت مثل هذه القصص شائعة للغاية في دول البريكس، ولن يشهد نطاق مظلة تعاونها الاقتصادي والتجاري إلا المزيد من التوسع. فخلال الاجتماع الـ12 لوزراء الاقتصاد والتجارة لدول البريكس الذي عقد مطلع هذا الشهر، تعهد المشاركون بتعميق التعاون في مجالات تشمل الاقتصاد الرقمي والاستثمار التجاري والتنمية المستدامة وسلاسل الإمداد وآليات التجارة متعددة الأطراف.

وللتصدي لتحديات البنية التحتية والتنمية التي تواجهها الاقتصادات الناشئة، أسست دول البريكس بنك التنمية الجديدة، الكائن مقره في شانغهاي، حيث افتُتح رسميا في يوليو عام 2015.

وبدءا من مشاريع الطاقة المتجددة في البرازيل وصولا إلى برامج تحديث شبكة السكك الحديدية في الهند والطرق الجديدة ذات الرسوم في روسيا، وافق بنك التنمية الجديدة على أكثر من 80 مشروعا في الدول الأعضاء حتى مايو عام 2021، بمحفظة إجمالية تبلغ حوالي 30 مليار دولار أمريكي.

وأوضح البنك أنه خلال الفترة من عام 2022 إلى عام 2026، سيقدم 30 مليار دولار أمريكي من الدعم المالي للدول الأعضاء، مع استخدام 40 في المائة من تلك الأموال للتخفيف من ظاهرة الاحتباس الحراري.

وكمحفز جديد وقوي للتنمية، تم إطلاق مركز ابتكار شراكة البريكس للثورة الصناعية الجديدة في شيامن بمقاطعة فوجيان شرقي الصين في ديسمبر عام 2020 لتوفير موطئ قدم لدول البريكس للاستفادة من الابتكار التكنولوجي والتحول الرقمي.

وفي مطلع شهر يونيو الجاري، وقع المركز مذكرة تفاهم مع بنك التنمية الجديدة لتسهيل التعاون الثنائي وتعزيز التنمية المشتركة لدول البريكس، حيث تنص المذكرة على أن الجانبين سيعطيان الأولوية للتعاون في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والإنترنت الصناعي، والحفاظ على الطاقة وحماية البيئة من خلال البحوث المشتركة وتدريب الموظفين وتبادل المعلومات حول البنية التحتية والبرامج المستدامة.

وقال ماركوس ترويخو، رئيس بنك التنمية الجديدة، إنه إلى جانب البنك يعد مركز ابتكار شراكة البريكس للثورة الصناعية الجديدة، آلية ملموسة أخرى لتعزيز التعاون بين دول البريكس، حيث يهدف كلاهما إلى تعزيز أجندة التنمية المستدامة، بما في ذلك تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة في دول البريكس وكذلك الأسواق الناشئة الأخرى والبلدان النامية.


مواجهة التحديات الصحية
منذ تفشي جائحة كوفيد-19، دعمت دول البريكس بعضها البعض بالإمدادات الطبية وأجرت تعاونا واسعا بشأن الوقاية من العدوى ومكافحتها، وبروتوكولات التشخيص والعلاج، وأعمال البحوث والتطوير للأدوية واللقاحات.

وفي مارس الماضي، افتتح معهد بوتانتان البرازيلي مصنعا في مدينة ساو باولو لإنتاج لقاح "كورونافاك" الذي طورته الصين، وذلك بدءا من عام 2023.

وفي شهر مارس الماضي أيضا، أقيم افتراضيا عبر الإنترنت حفل إطلاق مركز بحوث وتطوير اللقاحات لدول البريكس. واقترحت دول البريكس الخمس بشكل مشترك مبادرة لتعزيز التعاون في مجال اللقاحات لضمان إمكانية الحصول على اللقاحات والقدرة على تحمل تكاليفها في البلدان النامية من خلال التوزيع العادل لها كسلع عامة عالمية.

كما تهدف المبادرة إلى تعزيز قدرة دول البريكس على مكافحة الأمراض المعدية والاستجابة لأحداث الصحة العامة، وتركز بشكل خاص على الانفتاح وترحب بمزيد من الشركاء للانضمام إليها.

ووافق الاجتماع الـ12 لوزراء صحة البريكس الذي عقد في مايو عبر دائرة الفيديو، على أن دول البريكس ستطلق نظام إنذار مبكر ضد التفشي الواسع النطاق للأوبئة. وأجرى الحضور مناقشات مستفيضة حول جملة من الموضوعات، مثل الوقاية من جائحة كوفيد-19 ومكافحتها، وتطوير أنظمة صحية جديدة، والصحة الرقمية.


آفاق مشرقة
لم يفض تعاون البريكس إلى إعلاء صوت الأسواق الناشئة والبلدان النامية في العالم فحسب، بل جعل من البريكس أيضا منصة مهمة لتعزيز تعاون الجنوب-الجنوب. وفي عام 2017، اقترحت الصين نمط تعاون "بريكس بلس"، الذي يهدف إلى تعزيز الوحدة والتنسيق بين أعضاء البريكس من أجل تحقيق ترابط أكبر، وفي الوقت نفسه، مواصلة توسيع "دائرة الأصدقاء" لمجموعة البريكس، وذلك في إطار السعي المشترك لتحقيق التنمية والازدهار المتبادلين بين جميع الأسواق الناشئة والبلدان النامية.

وبعد ترؤسه حوارا عبر دائرة الفيديو بين وزراء خارجية دول البريكس والأسواق الناشئة والدول النامية في مايو الماضي، أشار عضو مجلس الدولة ووزير الخارجية الصيني وانغ يي إلى أن جميع وزراء الخارجية الذين حضروا الحوار دعموا نمط تعاون "بريكس بلس" ووافقوا عليه.

وفي معرض إشادتهم بتعاون "بريكس بلس"، أعرب المشاركون الأجانب في الحوار عن استعدادهم لتعزيز الاتصال والتنسيق الاستراتيجي بين دول البريكس والأسواق الناشئة، ودفع تطوير نظام حوكمة عالمي يكون أكثر عدلا وإنصافا وأكثر شمولا وديمقراطية.

وأشار وانغ يو مينغ، مدير قسم دراسات البلدان النامية في معهد الصين للدراسات الدولية، إلى أن تعاون البريكس في الحد من الفقر، والأمن الغذائي، والتنمية الخضراء، والتصنيع، والاقتصاد الرقمي، والربط، وغيرها من المجالات، قد لبى احتياجات وتطلعات العديد من الدول النامية، ومن ثم فإن آلية تعاون البريكس، ستلعب دورا مهما في مساعدة البلدان النامية على مواجهة تأثير كوفيد-19 والتحديات التنموية الأخرى.

وفي تصريح لوكالة أنباء "شينخوا"، قال قو تشينغ يانغ، الأستاذ المشارك في كلية لي كوان يو للسياسة العامة بجامعة سنغافورة الوطنية، إنه في المستقبل، يمكن لدول البريكس مواصلة تعزيز آليتها الراهنة للتعاون وتوسيعها تدريجيا، ودمجها بعمق مع برامج منضوية تحت أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة ومبادرة الحزام والطريق، لاكتساب فضاء أرحب للتعاون والتنمية.

وخلال إحاطة إعلامية أخيرة في كيب تاون، قال رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا إن بلاده تتطلع إلى "شراكة أكبر وأعمق" مع الأعضاء الآخرين في مجموعة البريكس، واصفا إياها بأنها مجموعة "جذابة" تحظى بثقة العديد من الدول الأخرى.

الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium