النهار

التعزيزات الأميركية إلى الشرق الأوسط... هل نشهد تدخلاً عسكرياً؟
جاد ح. فياض
المصدر: "النهار"
التعزيزات الأميركية إلى الشرق الأوسط... هل نشهد تدخلاً عسكرياً؟
طائرة حربية.
A+   A-

منذ اللحظات الأولى لإطلاق حركة "حماس" عملية "طوفان الأقصى"، أعلنت الولايات المتحدة تضامنها الكامل مع إسرائيل وتوّجته اليوم بزيارة الرئيس الأميركي جو بايدن وتبنّيه الرواية الإسرائيلية حول قصف المستشفى المعمداني. ويبقى السؤال عن المدى العسكري الذي يمكن أن تنخرط فيه واشنطن لمساندة تل أبيب. 

على إثر عمليات "حماس" في السابع من تشرين أول الفائت، اتصل بايدن برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مرّات عدة بعد "القطيعة" الطويلة، وأعلن تخصيص مساعدات جديدة لتل أبيب واتخاذ إجراءات عسكرية منها تحريك أساطيل بحرية.

 

ضمن هذه الإجراءات، حرّكت الولايات المتحدة حاملة طائرات، وسفناً، ومقاتلات جوية إلى منطقة شرق المتوسط، مؤكدة أنها ستوفر لإسرائيل المزيد من المعدات والذخائر، وفي التفاصيل، فإن واشنطن أرسلت حاملة الطائرات "يو إس إس جيرالد آر فورد"، صواريخ كروز، وأربع مدمّرات صواريخ إلى المنطقة علاوة على إرسال مقاتلات جوية أميركية.

 

كانت هذه الإجراءات متوقعة، فالإدارة الأميركية التي أمدّت كييف بالسلاح على مدى سنة ونصف، وتسعى جاهدةً لزيادة حجم هذه التقديمات، لن تتوانى عن دعم حليفتها الأولى، تل أبيب، في وجه التهديد الأول لها ولمصالحها في الشرق الاوسط، خصوصاً أن "حماس" ركن أساسي من أركان تحالف طهران في المنطقة، ولا يُمكن فصل الصراع الحاصل في فلسطين عن الصراع الإسرائيلي الإيراني.

 

ومع الإعلان عن المساعدات الأميركية لإسرائيل، انشغلت الأوساط السياسية والعسكرية بتحليل كيفية مشاركة الولايات المتحدة في الحرب، وما إن كان دورها سيتوقف على إمداد الجيش الإسرائيلي بالسلاح، أم سيتعدّى نحو التدخل مباشرةً من خلال نشر المقاتلات والمقاتلين، ومدى تأثير هذا التدخل، فكان الجواب الحاسم مع إعلان البيت الأبيض أنّه "لا نيّة لنشر جنود أميركيين على الأرض".

 

ما مدى تأثير هذا الدعم الأميركي لإسرائيل في حربها ضدّ "حماس"؟

 

تحمل المساعدات الأمنية لإسرائيل رسائل إقليمية بالدرجة الأولى لإيران و"حزب الله"، وهي بمثابة قوّة ردع وتهديد بالتحرّك عند أيّ تهديد مما يمنع توسيع الصراع، وينقل موقع "Breaking Defense" العسكري عن الخبراء ومسؤول دفاعي كبير أن المساعدات توفّر القدرة على إمداد الإسرائيليين بالسلاح، جمع المعلومات الاستخبارية، وتوفير المعلومات اللازمة.

 

وفي تفاصيل هذه المساعدات، يقول الخبراء: "يمكن لمجموعة حاملات الطائرات الهجومية، التي تتألف من الحاملة والطرّاد وأربع مدمرات، أن توفر دفاعاً صاروخياً باليستياً لإسرائيل بينما تكون قواتها مشغولة بمهام أخرى، إلّا أن لهذه الصواريخ تأثيراً فعلياً فقط بحالة قصف صواريخ باليستية إيرانية، ولن يكون لها أثر على الصواريخ التي تُطلق من غزّة أو لبنان".

 

ويُضيف الخبراء عبر الموقع نفسه: "تستطيع فورد تقديم المساعدة بطائراتها المروحية لتوصيل المساعدات وحمل الإمدادات، وهي تمتلك أيضاً مخزناً ضخماً للأسلحة، ويُمكن نقل ذلك إلى إسرائيل، اعتماداً على ما إن كان لديهم أيّ نقص، ثم توفّر قدرات جمع المعلومات الاستخبارية لنقل الإنذارات المبكرة بسرعة إلى الجيش الإسرائيلي قبل الهجمات المقبلة".

 

مدير الاتصالات والإعلام والباحث في مركز "كارنيغي" للشرق الأوسط مهند الحاج علي، يعتبر أن "الحضور العسكري الأميركي هو رسالة التزام بأمن تل أبيب بسبب المخاوف الإسرائيلية من توسّع رقعة المواجهات وتعدّد الجبهات، وسينعكس ذلك دفعاً لقدرة إسرائيل على التماسك والمواجهة، ثم إنها بمثابة ردع حلفاء إيران في المنطقة من التدخّل في الحرب".

 

وفي حديث لـ"النهار"، يُشير إلى أنه "لا مهمة لحاملة الطائرات التي وصلت إلى البحر الأبيض المتوسط في العمليات الإسرائيلية الحاصلة في غزّة، وحضورها يندرج في السياق الإقليمي المذكور سلفاً، أما بالنسبة للمساعدات العسكرية والأمنية، فهي موجودة أساساً ومن المرتقب أن يكبر حجمها في الفترة المقبلة".

 

ويتطرّق إلى العملية البرّية المحتملة لإسرائيل في غزّة، التي لن يُشارك فيها جنود أميركيون إذا ما حصلت لأنه "لا نية لواشنطن لنشر جنودها" وفق البيت الأبيض. ويرى الحاج علي أن الغزو البرّي لغزّة مرتبط بعوامل عدّة، منها العامل الإسرائيلي الداخلي، وإذا تمكّن نتنياهو من حشد تأييد داخلي فإن احتمال تنفيذ عملية برّية يرتفع، أما إذا غاب التوافق المحلي، فإن عملية برّية محدودة مرتقبة".

 

ويُمكن الاستخلاص ممّا ذُكر سابقاً أن تدخّل الولايات المتحدة في الحرب مرتبط بتدخّل "حزب الله" وإيران وحلفائها في سوريا إلى جانب "حماس"، وهو أمر مستبعد في الحين، ومن يُراقب الحدود اللبنانية الجنوبية يتيقّن من أن "حزب الله" يُحاول السيطرة على الوضع ومنع تفلّت الجبهة، خصوصاً أنّه لم يُبادر لتنفيذ أي هجوم، وقصفه المراكز الإسرائيلية كان رداً على قصف مماثل طاول مواقعه.

 

مصادر مطلعة تُشير إلى أن "التعزيزات الأميركية التي أُرسلت إلى المنطقة كان هدفها كبح تحوّل الحدث الإسرائيلي الفلسطيني إلى حرب إقليمية أكبر، وذلك من خلال ردع إيران وحلفائها عن الدخول في هذه الحرب، وحتى الآن نجحت واشنطن في ذلك، وبالتالي فإن البوارج وأسراب الطائرات هدفها سياسي ردعي، وليس المطلوب تدخلاً مباشراً".

 

وفي هذا الإطار، من الضروري التطرّق إلى عدد من العوامل التي تحكم تدخّل "حزب الله"، القوّة الأكبر لإيران في المنطقة، في الصراع الدائر، ووفق المراقبين، فإن "حزب الله" ليس في وارد توسيع دائرة المواجهة الدائرة حالياً وفق حسابات تبدو مدروسة بعناية، لأنّه يعلم حجم الدمار الذي قد يلحق بلبنان إذا ما وقع اشتباك يتخطى الخطوط الحمراء بينه وبين إسرائيل، خصوصاً أن حساباته تختلف عن حسابات "حماس"، وأي تدخّل منه يعني قلب إيران الطاولة تماماً في المنطقة بأسرها، وهو أمر مستبعد حتى الحين، لكنه يبقى مطروحاً.

 

حاملة الطائرات "يو إس إس جيرالد آر فورد"، هي أحدث حاملة طائرات تابعة للبحرية الأميركية وأكثرها تقدّماً، تحمل ما يقرب من 5 آلاف بحّار، بالإضافة إلى طائرات حربية وطرادات ومدمرات، في استعراض ليس له مثيل للقوة، ويعادل حجمها 6 هياكل سفن، وتُعدّ الأولى من فئتها.

 

ويُذكر أن "يو إس إس جيرالد آر فورد" عبارة عن سفينة مساحتها حوالي 18210.85 متراً مربعاً، وبُنيت خصّيصاً لخوض الحروب في القرن الحادي والعشرين. وتنتشر حول فورد السفن والطائرات التابعة للمجموعة الهجومية لحاملة الطائرات، والتي تتمثل في الغواصات والمدمرات والطرادات وطائرات F/A-18E/F Super Hornets وE-2D Hawkeyes.

 

وهناك سفن الدعم التابعة لقيادة النقل البحري العسكرية، وهي مجموعة لوجستية يمكنها تزويد السفن المقاتلة بالوقود، وتجهيزها للمدّة التي تحتاج إليها، بحسب المجلة.

 

وتمتلك فورد ثلاثة أضعاف إنتاج الطاقة البالغة 600 ميغاوات، من مفاعلاتها النووية، مقارنة بما تمتلكه حاملات الطائرات "نيميتز" القديمة، التي تصل لديها إلى 200 ميغاوات.

 

وقد زُوّدت فورد بالطاقة، وهي مجهزة بمقاليع كهرومغناطيسية تمنح المهندسين الراحة، من خلال تحسين كفاءة الإطلاق، مما يزيد من الطائرات التي تحلق منها في السماء، بنسبة 25 بالمئة، مقارنة بالوحدات البخارية.

 

ولدى فورد أيضاً أحدث أنظمة الرادار في الأسطول البحري الأميركي، إذ تمتلك راداراً ثنائي النطاق الجديد، وهو قادر على البحث والتتبع، واكتشاف طائرات وصواريخ العدو، ومن ثم توجيه الصواريخ للاعتراض والمواجهة. وللدفاع عن النفس، فلدى فورد قاذفتا صواريخ من طراز Mk.29، لكل منها 8 صواريخ، وقاذفتا صواريخ بإطار متحرك.

 

وتحتوي فورد أيضاً على 4 أنظمة أسلحة Phalanx Close-In للدفاع ضد الطائرات والصواريخ والسفن الصغيرة، و4 مدافع رشاشة، وتعني قدرة فورد الكهربائية العالية أن السفينة يمكنها تركيب أسلحة ليزر للدفاع عن النفس.

 

ومن شأن هذا النظام، الذي يُشغّل بواسطة المفاعلات النووية الموجودة بالسفينة، أن يتمتع بإمدادات غير محدودة تقريباً من الذخيرة، مما يزيد بنسبة كبيرة من القدرة الدفاعية للسفينة.

 

في المحصّلة، فإن الوجود العسكري الأميركي في البحر الأبيض المتوسط معنوي بدرجة أولى حتى الآن. أما إن اتخذ قرار الحرب من إيران، فكلّ الاحتمالات ستكون مفتوحة على مصراعيها.

 

اقرأ في النهار Premium