النهار

أوكرانيا... 14 عاماً على القرار "المشؤوم"
A+   A-

منذ أربعة عشر عاماً، وفي مثل هذا الشهر، رفضت فرنسا وألمانيا منح أوكرانيا وجورجيا خطة العمل من أجل اكتساب عضوية حلف شمال الأطلسي (ناتو). كان الهدف من الرفض عدم استفزاز روسيا. كنوع من التسوية بين المتحمّسين لاستقبال البلدين في الناتو والمشكّكين بجدوى هذه الخطوة، اتفق المجتمعون في قمة بوخارست سنة 2008 على أنّ أوكرانيا وجورجيا "ستصبحان" دولتين أطلسيتين، لكنّهم رفضوا منح كييف وتبيليسي "خطة عمل العضوية".

في 2022، عادت تلك القمة إلى الواجهة. بعد المجازر التي طالت المدنيين في بوتشا، اتّهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أنجيلا ميركل بأنها ساهمت في الأوضاع المأسوية التي تعيشها بلاده عبر قرارها في تلك القمة. في ردّ على الانتقاد، تمسّكت ميركل بموقفها السابق حينها لكنها أيدت الوقوف إلى جانب أوكرانيا ووضع حدّ للحرب التي تشنّها روسيا ضدّها.

 

"انتصار"

اللافت للنظر أنّ أوكرانيا رحّبت في ذلك الحين بالقرار في بوخارست. قال رئيسها الأسبق فيكتور يوشينكو إنّ هذا القرار لا يمكن النظر إليه إلا باعتباره "انتصاراً". وتابع أنّ سبب ذلك هو أنّه "للمرة الأولى، صاغت الدول الأعضاء الـ26 في الناتو المبدأ الأساسيّ عن (أنّ أوكرانيا وجورجيا) ستصبحان عضوين في الناتو. سأقول إنّ هذا تخطى حتى توقعاتنا تجاه هذه الوثيقة".

أيد يوشينكو قرار القمّة على اعتبار أنّ الوقت لن يطول قبل قبول الأطلسيين بأوكرانيا في الحلف، أو أقلّه قبل منح خطة العمل. كانت الخطوة الأخيرة متوقعة في اجتماع أطلسي شهر كانون الأول 2008 أو 2009. لكن بعد قرابة أربعة عشر عاماً، وحتى الأشهر الأخيرة التي سبقت الغزو، لم يبدُ أنّ أوكرانيا باتت أقرب إلى الحلف ممّا كانت عليه في 2008. على العكس من ذلك، ربّما كانت البلاد أبعد عن تحقيق طموحها. هذا ما أعلنه بشكل أو بآخر المستشار الألماني أولاف شولتس أوائل شباط الماضي حين كان واقفاً في كييف إلى جانب زيلينسكي قبل عشرة أيام على الغزو: "قضية عضوية (أوكرانيا) في التحالفات ليست على الأجندة عملياً".

 
what is on the photo
 

قمة بوخارست - نيسان 2008 (الصورة عن موقع الناتو)

 

حتى الرئيس الجورجي الأسبق ميخائيل ساكاشفيلي قال حينها: "أعتقد أنه يجب أن نكون فرحين جداً" مضيفاً أنّ بلاده بدا وكأنها "قفزت فجأة فوق المرحلة التقنية" لخطة العمل مع تلقيها وعداً بالعضوية الكاملة. وتابع: "خطة عمل العضوية ليست بمثل هذه الأهمية حين تحصلون على التزام بقبولنا كعضوين" في الناتو. في الواقع، كان ما ستواجهه جورجيا بعد أشهر قليلة مقدّمة لما ستشهده أوكرانيا لاحقاً في 2014 و 2022. ففي تموز 2008، شنّت روسيا حرباً سريعة سيطرت بموجبها على إقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية. وبفعل التحرّك العسكريّ الروسيّ ضدّ أوكرانيا وجورجيا، بات يصعب على الناتو القبول بانضمامهما إلى صفوفه بسبب التوترات الحدودية مع روسيا.

 

"مفاجأة"

كان واضحاً أنّ نية عدم استفزاز موسكو لدى كلّ من ميركل وساركوزي لم تُترجم مزيداً من الأمن والاستقرار في العلاقات بين روسيا وجارتيها. علاوة على ذلك، أصبحت الولايات المتحدة أكثر انفتاحاً على روسيا في ولايتي باراك أوباما. بالمقابل، كان بوش الابن في طليعة المؤيدين لإعطاء أوكرانيا وجورجيا "خطة عمل العضوية"، على الرغم من معارضة بعض كبار مسؤولي إدارته لهذه الخطوة. حتى العقوبات التي فرضت على روسيا بسبب ضمّها القرم كانت محدودة التأثير.

لعلّ "المفاجأة" البارزة في هذا المجال هو ما كشفته صحيفة "تيليغراف" البريطانية الأسبوع الماضي عن أنّ فرنسا وألمانيا التفّتا على العقوبات لكي تبيعا أسلحة وتجهيزات عسكرية إلى روسيا بقيمة 200 مليون دولار تقريباً. واضطرت المفوضية الأوروبية إلى إغلاق ثغرات في حظر تصدير السلاح المفروض على روسيا والذي مكّن عدداً من الدول، وفي مقدمتها فرنسا وألمانيا، من بيع الأسلحة إلى موسكو.

واتهمت الصحيفة باريس وبرلين برفض فرض حظر على واردات الطاقة من روسيا. لكنّ فرنسا قالت مؤخراً على لسان وزير خزانتها إنّها تريد فرض هذا الحظر وهي تحضّ ألمانيا على فعل ذلك. من جهتها، تخشى ألمانيا من انعكاس هذه الخطوة على اقتصادها وتقول إنّها ستخفّف اعتمادها تدريجياً على الطاقة الروسية حتى نهاية السنة الحالية. لكن عندها، ربما يكون الوقت قد تأخر بالنسبة إلى أوكرانيا. وكان لافتاً للنظر كيف رفضت أوكرانيا منذ نحو أسبوعين استقبال الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير كرسالة احتجاج على سياسة الانفتاح التي مارسها مع روسيا حين كان وزيراً للخارجية. كما رأت كييف أنّ شتاينماير يشغل منصباً فخرياً مفضِّلة أن يزورها المستشار أولاف شولتس.

 

"قرار مشؤوم"

على الرغم من الفرحة الرسمية التي انتشرت بين المسؤولين في أوكرانيا وجورجيا بعد قمة بوخارست، كان مراقبون يرون في الامتناع عن تقديم "خطة العمل" نذير شؤم. حين علم مدير مركز العلاقات الأميركية-الأوكرانية فالتر زاريكيج سنة 2008 بأنّ أوكرانيا ستحصل على الخطة "لكن ليس الآن"، قال إنّه "قرار مشؤوم". ولفت النظر أيضاً إلى أنّه في تلك القمّة (حضرت موسكو في اجتماع "مجلس الناتو-روسيا")، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لبوش إنّ أوكرانيا "لم تكن حتى دولة-أمة حقيقية".

ليس واضحاً ما إذا كان المسؤولون في فرنسا وألمانيا نادمين على ذلك القرار الشهير. حتى فترة قصيرة خلت، كانت الدولتان من بين الأقلّ حماسة في اتخاذ مواقف متصلّبة من روسيا بسبب غزو أوكرانيا. لكنّهما بدأتا تصعّدان موقفيهما منذ أيام قليلة مع القبول بإرسال أسلحة نوعية إلى كييف.

سيظلّ هنالك جدل بين المراقبين حول ما إذا كان بوتين قد شنّ الحرب على أوكرانيا بسبب "الضعف" الذي أبداه الفرنسيّون والألمان (والبريطانيون) بسبب رفضهم منح خطة عمل العضوية، أم بسبب "التشدّد" الذي أبداه بوش الابن عبر الوعد بأن تصبح أوكرانيا فعلاً دولة أطلسية في المستقبل.

لكن بالنسبة إلى القسم الأكبر من الأوكرانيين، وكذلك بالنسبة إلى جيرانهم، الجواب محسوم.

 

اقرأ في النهار Premium