أعلنت الولايات المتحدة الجمعة أنها شنّت "بنجاح" ضربات انتقاميّة استهدفت في كلّ من العراق وسوريا قوّات إيرانيّة ومجموعات موالية لطهران، في وقت حذّر الرئيس الأميركي جو بايدن من أنّ هذه الضربات "ستستمرّ".
وكان الرئيس الديموقراطي قد حضر في وقت سابق الجمعة، بقاعدة في شمال شرق الولايات المتحدة، المراسم الرسميّة لإعادة جثامين ثلاثة جنود أميركيّين قتِلوا الأحد الماضي بالأردن، في هجوم نسبته واشنطن إلى مجموعات تدعمها إيران. وأعادت طائرة نقل عسكريّة من طراز C-5 رماديّة الجثث في "صناديق نقل" لفّت بالعلم الأميركي.
وأفاد "المرصد السوري لحقوق الإنسان" عن مقتل 23 مقاتلاً موالياً لإيران في الضربات الأميركية في سوريا، في حصيلة جديدة.
من جهته، أعلن المتحدث باسم الحكومة العراقية باسم العوادي عن مقتل 16 شخصاً على الاقل من ضمنهم مدنيون بالضربات الجوية الأميركية التي استهدفت ليل الجمعة السبت مراكز تابعة لفصائل عراقية موالية لإيران قرب الحدود مع سوريا.
وذكر المتحدث، في بيان، أنّ الضربات استهدفت "مواقع تواجد قواتنا الأمنية"، وكذلك "أماكن مدنية مجاورة" في منطقتي عكاشات والقائم قرب الحدود مع سوريا.
وأضاف البيان: "أدّى هذا العدوان السافر الى ارتقاء 16 شهيداً بينهم مدنيون، إضافة إلى 25 جريحاً، كما اوقع خسائر وأضراراً بالمباني السكنية".
إلى ذلك، أعلنت وزارة الخارجية العراقية أنّها سوف تستدعي القائم بأعمال السفارة الأميركية في بغداد احتجاجاً على الضربات الأميركية.
وقالت الوزارة، في بيان، إنّ الخارجية "ستقوم باستدعاء القائم بأعمال سفارة الولايات المتحدة الأميركية في بغداد ديفيد بيركر لعدم تواجد السفيرة الأميركية، لتسليمه مذكرة احتجاج رسمية بشأن الاعتداء الأميركي الذي طال مواقع عسكرية ومدنية في منطقتي عكاشات والقائم".
وقال البيت الأبيض إنّ الضربات الأميركيّة التي شُنّت الجمعة في العراق وسوريا استمرّت نحو ثلاثين دقيقة وكانت "ناجحة"، مكرّراً أنّه لا يريد "حرباً" مع إيران. وذكرت وزارة الدفاع الأميركيّة (البنتاغون) أنّ العمليّة شاركت فيها مُقاتلات عدّة، بما فيها قاذفات بعيدة المدى.
وقال المتحدّث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي للصحافة إنّ المقاتلات الأميركيّة المُشاركة في هذه العمليّة التي استهدفت في المجموع 85 هدفاً في سبعة مواقع مختلفة (3 في العراق و4 في سوريا)، قد أطلقت "أكثر من 125 ذخيرة دقيقة التوجيه في نحو ثلاثين دقيقة".
وقُتل 18 مقاتلًا موالين لإيران على الأقلّ في الضربات الأميركيّة الجمعة في شرق سوريا، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.
كما استهدفت الضربات الأميركيّة ليل الجمعة السبت مواقع فصائل مسلّحة موالية لإيران في غرب العراق، خصوصاً في منطقة القائم الواقعة عند الحدود مع سوريا المُجاورة، وفق ما قال مصدران أمنيّان عراقيّان لـ"وكالة فرانس برس".
"انتهاك للسيادة"
وقال البيت الأبيض إنّ الولايات المتحدة أبلغت الحكومة العراقيّة قبل تنفيذ الضربات الانتقاميّة الجمعة، في حين ندّدت بغداد بالغارات الجوّية باعتبارها "انتهاكاً" لسيادتها.
وصرّح المتحدّث العسكري باسم رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني فجر السبت بأنّ "هذه الضربات تُعدّ خرقاً للسيادة العراقيّة وتقويضًا لجهود الحكومة العراقيّة وتهديدًا يجرّ العراق والمنطقة إلى ما لا تُحمد عقباه، ونتائجه ستكون وخيمة على الأمن والاستقرار في العراق والمنطقة".
وأكّدت القيادة العسكريّة الأميركيّة في الشرق الأوسط (سنتكوم) شنّ غارات جوّية في العراق وسوريا ضدّ فصائل موالية لطهران وقوّات لفيلق القدس، الوحدة الموكلة العمليات الخارجيّة في الحرس الثوري الإيراني.
وجاء في بيان سنتكوم أنّ القوّات ضربت أكثر من 85 هدفاً في العراق وسوريا بينها مراكز قيادة وتحكّم واستخبارات وكذلك مرافق لتخزين الصواريخ والمسيّرات.
وقال البنتاغون إنّ العمليّة الأميركيّة استهدفت مراكز قيادة واستخبارات وبنية تحتيّة لتخزين طائرات بلا طيّار وصواريخ "مكّنت من شنّ هجمات ضدّ القوّات الأميركيّة وقوّات التحالف".
وشدّد كيربي على "أنّنا لا نريد أن نرى هجوماً آخَر على مواقع أو جنود أميركيّين في المنطقة".
وقال بايدن في بيان: "ردّنا بدأ اليوم. وسيستمرّ في الأوقات والأماكن التي نختارها". وأضاف أنّ "الولايات المتحدة لا تسعى إلى نزاع في الشرق الأوسط أو في أيّ مكان آخر في العالم. ولكن فليعلم جميع من قد يسعون إلى إلحاق الأذى بنا: إذا ألحقتُم الضرر بأميركيّ، فسنردّ".
تعرّضت القوّات الأميركيّة وقوّات التحالف الدولي في العراق وسوريا لأكثر من 165 هجوماً منذ منتصف تشرين الأوّل، تبنّت الكثير منها "المقاومة الإسلاميّة في العراق"، وهي تحالف فصائل مسلّحة مدعومة من إيران تُعارض الدعم الأميركي لإسرائيل في الحرب بغزّة ووجود القوّات الأميركيّة في المنطقة.
وردّت واشنطن على هجمات سابقة بسلسلة ضربات في العراق استهدفت مجموعات موالية لإيران.
عودة الجثامين
وكانت الإدارة الأميركيّة قد أعلنت في وقت سابق أنّ العمليّات الانتقاميّة على مقتل الجنود الأميركيّين الثلاثة ستكون متعدّدة وعلى مراحل وأنّها ستُشنّ ضدّ أهداف مختلفة. وتعرّض بايدن الذي يخوض حملة انتخابيّة سعياً لولاية رئاسيّة ثانية، لضغوط شديدة من أجل الردّ على مقتل الجنود الثلاثة.
وأُخرِجت جثامين ويليام جيروم ريفرز وكينيدي ليدون ساندرز وبريونا أليكسوندريا موفيت، وهم جنود من ولاية جورجيا (جنوب)، واحداً تلو الآخر الجمعة من طائرة نقل عسكريّة في قاعدة دوفر (شمال شرق).
وأكّد كيربي أنّه لا توجد صلة بين الوقت المختار لتنفيذ هذه الضربات الانتقاميّة - والذي اعتمد من بين أمور أخرى على الأحوال الجوّية - وبين المراسم التي أُقيمت الجمعة لمناسبة إعادة جثامين هؤلاء الجنود الثلاثة.
وفي خلال مراسم إعادة الجثامين، وقف بايدن (81 عاماً) بلا حراك في الرياح الباردة واضعاً يده على قلبه، وإلى جانبه شوهد كلّ من زوجته جيل بايدن ووزير دفاعه لويد أوستن ورئيس هيئة الأركان تشارلز براون وشخصيّات أخرى. وكانت عائلات الجنود الثلاثة حاضرة أيضاً، بعيداً من الصحافة.
واستغرقت المراسم نحو عشر دقائق، وتمّت في صمتٍ لم تخرقه سوى الأوامر الموجّهة إلى العسكريّين.