وسط موجة الحر الشديدة التي ضربت أوروبا مؤخراً، سلط تقرير في مجلة "وايرد" الأميركية الضوء على المخاطر التي تتركها هكذا موجات، والظواهر المناخية المتطرفة عموماً، على المنشآت النووية لتوليد الطاقة حول العالم.
وكتب غريغوري باربر أن نهر الرون الذي ينبع من جبال الألب السويسرية يمر في جنوب فرنسا باتجاه البحر المتوسط. على مساره، يقوم النهر بتبريد عدد من المفاعلات النووية. منذ السبعينات، ساعد النهر وروافده في توليد نحو ربع الطاقة في فرنسا القائمة على المفاعلات النووية.
تغير الوضع في الأسابيع الأخيرة. في ظل موجة حر حارقة قتلت المئات وأشعلت الحرائق غربي أوروبا، معطوفة على مستويات متدنية من المياه بفعل الجفاف، أصبح نهر الرون حاراً جداً كي يقوم بمهمته. لم يعد بالإمكان تحويل المياه نحو المجرى المائي لأنها ستقضي على الحياة المائية بفعل سخونتها الشديدة.
لهذا السبب، بدأت "شركة كهرباء" فرنسا إطفاء بعض مفاعلاتها على نهري الرون والغارون في جنوب البلاد. وتم اتخاذ قرارات مماثلة في 2018 و 2019 بسبب الجفاف والحر أيضاً. هذا الصيف، تسبب قرار إطفاء المفاعلات إلى جانب الأعطال والصيانة في تقليص إنتاج الطاقة الكهربائية النووية بنحو 50% وفقاً للتقرير.
يُعتقد أنّ الطاقة النووية هي الأقل اضطراباً من بين مصادر الطاقة المنخفضة الكربون. وتستدعى هذه الطاقة كتعزيز للمصادر الأخرى حين لا يلبي الطقس الحاجة المحلية (الشمس والهواء). لكن الصناعة النووية تواجه مخاطرها المناخية الخاصة.
كما يقول المؤرخ السويدي بير هوغسيليوس، لم يعد قسم كبير من الهندسة النووية المعاصرة يتعلق بشطر الذرات بل بإدارة المخاوف المائية. هنالك حاجة كبيرة إلى تبريد المفاعلات ولهذا السبب بنيت المنشآت بالقرب من البحار والأنهار.
على السواحل، بات مزيج من ارتفاع مستوى البحار وازدياد وتيرة وحدّة العواصف يعني زيادة في مخاطر الفيضانات. ولفت العلماء النظر إلى تحديات أخرى غير معتادة مثل تكاثر الطحالب وقناديل المياه التي يمكن أن تسد أنابيب المياه.
بنيت منشآت نووية عدة في السبعينات والثمانينات أي قبل بدء الناظمين بإدخال التهديدات المناخية في دراساتهم على ما تنقله المجلة عن الباحثة في جامعة ليدز ناتالي كوبيتكو.
ثمة مخاوف حالية من التغير المناخي مرتبطة بالأمان وقد بدأ القطاع يتحرك لمعالجتها. بعد كارثة فوكوشيما في اليابان سنة 2011، شرعت "اللجنة التنظيمية النووية" في الولايات المتحدة بإعداد قواعد جديدة لتعزيز قوة المنشآت النووية في مواجهة التهديدات المناخية مثل الأعاصير وارتفاع مستوى البحر. لكن في 2019، أحبط الجمهوريون هذه الخطط إلى حد كبير مجادلين بأن الأكلاف كانت مرتفعة جداً على الصناعة النووية لمواجهة أحداث ذات احتمالات منخفضة. وثمة خلافات دائمة بين الصناعة النووية والناشطين البيئيين حول ما إذا كانت الأولى تجري تحديثاتها وفقاً للمعايير العلمية.
لغاية اليوم، تابع باربر، تَنتج غالبية حالات خفض الإنتاج عن احترار المياه، وليس فقط في الرون والغارون بل ايضاً في مناطق مثل نهر تينيسي الأميركي وفي مناطق ساحلية أخرى حيث تم تشييد العديد من المصانع النووية. في السنوات الأخيرة، أجبرت منشآت نووية في أوروبا الشمالية على وقف أو خفض الإنتاج بسبب السخونة العالية في مياه البحار التي منعت تبريد المفاعلات بطريقة آمنة. وهذا ما حصل مع منشأة ميلستون في كونيتيكت خلال مواسم صيف حارة.
في تحليل نشرته مجلة "نايتشر إنرجي" الصيف الماضي، وجد باحث في جامعة ستانفور أن عدد الانقطاعات في إنتاج الطاقة خلال العقد الماضي بلغ ثمانية أضعاف العدد الذي تم تسجيله في العقد الأخير من القرن العشرين. وتوقع علماء "شركة كهرباء فرنسا" زيادة قدرُها ثلاث درجات مئوية في حرارة الرون بحلول 2050 مما يثير المزيد من وقف إنتاج الطاقة خلال موجات الحر.
ويقول المدير التنفيذي لشركة "كالندر" الاستشارية في مجال مخاطر المناخ ثيبو لاكوند إنّ تكييف منشآت الطاقة النووية الموجودة قد يكون صعباً. ليس ممكناً نقل منشأة تم بناؤها والإصلاحات مكلفة. قد يكون ممكناً إعادة تصميم الأنابيب للوصول إلى المياه الأعمق والأبرد وإضافة أنظمة تبريد أفضل تقلص الحاجة للمياه كما فعلت منشآت فرنسية عدة بعد موجة الحر القياسية في 2003. لكن الأكلاف كبيرة والمكاسب صغيرة بحسب لاكوند.
وأضاف أنّ البناء من الصفر أسهل مشيراً إلى أنّ منشآت الطاقة النووية تعمل بشكل حسن في المناخات الأكثر حراً كما هي الحال في إسبانيا والإمارات العربية المتحدة لأنها صُممت لتحمل درجات حرارة مرتفعة. "أعتقد أن من الممكن التكيّف".
ثمة منشأة نووية وحيدة مبنية في الصحراء الأميركية وهي منشأة بالو فردي التي تعتمد على مياه الصرف الصحي التي توفرها البلدية عوضاً عن البحار أو الأنهر. لكنها عانت أيضاً من ارتفاع الكلفة بما أنّ صناعات إضافية تتنافس للحصول على إمدادات محدودة.
بينما تنتهي موجات الحر بإمكان المستويات المتدنية من المياه أن تتواصل مما ينتج تخفيضاً إضافياً في الطاقة قد يدوم أسابيع أو أشهراً. وهذا ما قالته "شركة كهرباء فرنسا"، مما يترك البلاد في طور الأمل بانخفاض الحرارة أو تساقط الأمطار.