النهار

جورجيا ميلوني… المتطرفة الناعمة التي جمعت الأضداد
المصدر: "النهار"
جورجيا ميلوني… المتطرفة الناعمة التي جمعت الأضداد
جورجيا ميلوني (تصميم حبيب فغالي).
A+   A-
رولا عبد الله
 
ليس في حياة رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني خاص وعام، فالحياة بالنسبة إليها درس معقد يبدأ بصفعة هي الخطوة الأولى نحو ردة الفعل. وجاءت الصفعة موجعة من والدها الذي تركها رضيعة بحثاً عن ملذاته، تاركاً في سيرتها وصمة عار: "إنها ابنة أحد عرّابي تجارة المخدرات"... لتنشأ في كنف عائلة والدتها بحي غارباتيللا الشعبي جنوبي روما.
 
كانت طفلة شقراء، بعينين زرقاوين، وجسد نحيل، تمسك بيد جدها بينما يصطفان في طابور كبير للحصول على الخضار والفواكه. من قلب ذلك الحي اليساري، اختارت اليمين متخذة من كلمات النشيد الوطني الإيطالي قدوة وأمثولة: "الله والوطن والأسرة". انحازت إلى موسوليني، فاتهموها بالفاشية على الرغم من تأكيدها "أنا جورجيا، أنا امرأة، أم مسيحية". كان هذا أحد أهم شعاراتها، فانتشر على منصات التواصل الاجتماعي، وتحول أغنية "راب" راجت في إيطاليا.
 
مسيرتها حافلة بردات فعل مثيرة للجدل: نظراتها الحادة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قمة مجموعة العشرين الأخيرة، والرقص على هامش جلسات الاتحاد الأوروبي، ومواكبتها شرود الرئيس الأميركي جو بايدن.
 
إنها اليوم رئيسة وزراء إيطاليا، والمرأة القوية في الاتحاد الأوروبي، لكنها عانت التنمّر بسبب سمنتها في صغرها، وعملت بائعة للخضار في صباها، ونادلة في النوادي الليلية، ثم مربية وصحافية من دون حصولها على شهادة جامعية، مكتفية بدبلوم في اللغات نالته من معهد فني. وهي أم غير متزوجة، تتميّز بلكنتها الرومانية الحادة.
 
الفاشية الناعمة
تكاد وسائل الإعلام الإيطالية تتفق كلها على أن شخصية ميلوني وحياتها تجمع الأضداد. ففيتتطرف اليمين، يبدو أن بروز أنثى جميلة يلطّف المشهد من دون إهمال فكرة أن رئيسة وزراء إيطاليا بنت مسيرتها السياسية بإرادة صلبة.
 
تعلّق صحيفة إيطالية: "درجت العادة أن تحكم المرأة في أوروبا على مر العصور بجسد رجل وقلب امرأة، لكن ميلوني التي استفادت من الحركات النسوية التي دعمتها كونها امرأة، حاربت مطالب تلك الحركات لجهة الفهم الخاطئ لتحرر النساء، مؤكدة رفضها أي طروحات من شأنها تدمير حياة المرأة".
 
وتضيف الصحيفة نفسها: "ليس السؤال إن كان وصول ميلوني إلى رئاسة وزراء إيطاليا إنجازاً للمرأة، إنما السؤال: لماذا تتحدر من قوة سياسية تناهض النسوية علناً؟".
 
قد لا يكون الجواب متوفراً، لكن يمكن الاقتراب منه مواربة إن عرفنا أن خصومها – وبعض رفاقها – يسمونها "المرأة الشرسة". ويقول بعض الرفاق هؤلاء إنها شرسة فعلاً إن اضطرت للدفاع عن قناعاتها، وإلا تعود إلى نعومتها. ويروى: "حين كان الميكروفون يصل إلى يدها في أي نشاط مدرسي أو حزبي، لا تتركه قبل أن تمارس سطوة أفكارها على الحضور"، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بلاءاتها الثابتة: لا للمثلية. لا للإجهاض. لا للموت الرحيم. لا للمهاجرين والتعددية الثقافية.
 
الأصغر والأقوى
في عام 2006، كانت كلمات النشيد الوطني الإيطالي دليلها، حين أطلقت حملة إنتخابية متماسكة، أوصلتها إلى البرلمان الإيطالي، فكانت الأصغر بين أترابها إذ لم تتجاوز حينها الثامنة والعشرين. ثم كانت أصغر وزيرة للشباب في عام 2008. ومن آرائها المأثورة حينها: "كنا قروناً مظلومين، وكان الناس يسخرون منا، لأننا لم نكن موحدين. دعونا نتحد تحت علم واحد ووراء أمل واحد. فمقدر لنا أن نتحد، وقد دقت الساعة كي نتحد فعلاً".
 
تنامت الدعوات لقبول المثليين في المجتمعات الأوروبية، فشنت ميلوني حملة شرسة ضد هذا الطرح، من منطلق أن المجتمع لا يقوم إلا بالتنوع وبشراكة المرأة والرجل. وسّعت قوة حجتها وشكيمتها نطاق شعبيتها، فأسست حزبها "إخوة إيطاليا" في عام 2014، وكان شعاره رمزاً لنار مشتعلة في قبر موسوليني. وسمّاها حزب المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين رئيسة له منذ عام 2020.
 
ترشحت لمنصب عمدة روما في عام 2016، لكنها احتلت المركز الثالث ولم تتأهل للجولة الثانية من مرحلة الإعادة. وفي انتخابات 2018 العامة، حصل حزبها على 4 في المئة فقط من الأصوات، لكنها رأت في ذلك تحسناً عما كان الوضع عليه في عام 2013. وفي عام 2019، فاز "إخوة إيطاليا" بأكثر من 6 في المئة من الأصوات في انتخابات البرلمان الأوروبي.
 
الأسرة أولاً
الأسرة حاضرة دائماً في ذهن ميلوني، على المستويين السياسي والشخصي، إذ تتحدر من أسرة مفككة جداً. والأسرة بحسبها هي المثل التي لا محيد عنها، خصوصاً أنها تجاهر بمسيحيتها. لذا، وقفت شرسةً بوجه "ديزني" لقرارها تصويرَ زوجَين مثليين في الجزء الثاني من "ملكة الثلج"، وكتبت على حساباتها في شبكات التواصل الاجتماعي: "كفى! لقد سئمنا هذا! ارفعوا أيديكم عن الأطفال".
 
وأثارت ميلوني الجدل باصطحاب طفلتها معها إلى قمة مجموعة العشرين، وإلى البيت الأبيض، ومناسبات رسمية عديدة، لقناعتها بأن "لديها الحق في أن تكون أماً بالطريقة التي تريدها". تعلق قائلةً: "بوجودها أشعر أنني أقوى".
 
ما كان أباها حاضراً في حياتها، لكنها وجدت أبوةً من نوع أخر في السياسي الإيطالي ماركو مارسيليو، الذي أمسك بيدها في مراحل عدة من مسيرتها السياسية، وكتب عنها: "كانت لديها مخاوفها وهواجسها حين بدأت، لكن ربما كانت هذه نقطة قوة، لأنها جعلتها تقرأ أي ملف يوضع بين يديها بشكل دقيق ومكثف، قبل معالجة أي قضية".
 
كانت أمها يمينية جداً، لقنتها أصول اليمين، لذا كانت تصف الفاشية الإيطالية بأن لها "تاريخاً" ينسجم مع تاريخ حزب المحافظين في المملكة المتحدة، وتاريخ الليكود في إسرائيل، والحزب الجمهوري في الولايات المتحدة. كا تصف موسوليني بأنه سياسي جيّد، "بل الأفضل في الخمسين عاماً الماضية"، وكل ما فعله، فعله من أجل إيطاليا. وبهذا الرأي تقف مثلث قوتها، كما يرد في النشيد الوطني: "الله والوطن والأسرة".
 
تباعدت مساراتنا
على الرغم من نجومية ميلوني، تعرضت في عام 2023 للخيانة. فقد خانها زوجها الصحافي التلفزيوني أندريا جيامبرونو، الذي يعمل في قناة "ميدياست" التابعة لمجموعة "إم.إف.إي" الإعلامية، التي يملكها ورثة رئيس الوزراء الإيطالي الراحل سيلفيو برلوسكوني، والذي كان حليفاً لميلوني وراعياً.
 
كتبت ميلوني على حساباتها بمواقع التواصل الاجتماعي آنذاك: "انتهت علاقتي بأندريا جيامبرونو بعدما استمرت نحو 10 أعوام. تباعدت مساراتنا منذ بعض الوقت، وحان الوقت للاعتراف بذلك".
 
وفي سلسلة تسجيلات سربت لزوجها، ظهر فيها مستخدماً لغة غير لائقة، ومحاولاً التقرب من إحدى زميلاته. وسمع وهو يقول لها: "لماذا لم أقابلك قبل اليوم؟". وفي تسجيل ثانٍ، تفاخر بعلاقة غرامية، وقال لزميلات له إن بمقدورهن العمل لصالحه "إن شاركن في عمل مخل بالآداب".
 
أينما حلّت
يسجل لميلوني عدم تهاونها عند الإساءة لإيطاليا. فبينما كانت في إجازة في ألبانيا، سمعت أن مجموعة من الشبان الإيطاليين هربوا من أحد المطاعم من دون دفع الفاتورة. تابعت القضية وطلبت من السفير الإيطالي لدى ألبانيا أن "اذهب وادفع فاتورة هؤلاء الحمقى من فضلك".
 
كما أثارت الجدل بتقديمها رقصة "البيتزايكا" الفلكلورية في إحدى فعاليات قمة مجموعة السبع.
 
وفي تصوير مسرب من إحدى جلسات حزب "أخوة إيطاليا"، شوهد الأعضاء يؤدون التحية الفاشية، ويرددون التحية النازية ويهتفون "دوتشي" دعماً للديكتاتور الإيطالي الراحل بينيتو موسوليني.
 
واختارت الصحافة الهندية أن تبدّي أخبار الفيديو الذي جمع ميلوني برئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي على جميع مقررات قمة مجموعة السبع. وتمادت وسائل التواصل الإجتماعي بنشر فيديوهات مركبة بالذكاء الإصطناعي تظهر مودي يغني أغاني حب حزينة كلما ظهرت ميلوني مع مسؤول سياسي غيره.
 
حصيلة ذلك كله.. لميلوني حضور طاغ: "أنها تخطف الأجواء كلها أينما حلّت".
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium