شهدت الساحة السياسية في الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة، إعلان بعض الشخصيات البارزة في مجال التكنولوجيا والعملات المشفرة تأييدهم الرئيس السابق دونالد ترامب في حملته الانتخابية كمرشح للحزب الجمهوري للرئاسة، فبرز اسم إيلون ماسك، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركتي "تسلا" و"سبايس إكس"، الذي كان يدعم الديموقراطيين في السابق.
من جهة أخرى، أكسب اختيار ترامب، السيناتور جي دي فانس، الحاكم الجمهوري لولاية أوهايو، نائباً له، قلوب رؤساء عمالقة شركات وادي السيليكون، وعزز الدعم الذي يلقاه الحزب الجمهوري بين المحافظين.
ولم يعد خافياً على أحد دعم أصحاب شركات العملات المشفّرة لحملة ترامب، بعدما تبرع كل من جيميني كاميرون وتايلر وينكلفوس، مؤسسا بورصة العملات المشفرة، بمبلغ مليون دولار بعملة بيتكوين لحملة ترامب.
أسباب ودوافع متبادلة
أثار هذا القدر الكبير من الدعم الذي تلقاه حملة ترامب تساؤلات كثيرة حول دوافعه وأسبابه. لكن هذه الدوافع/ الأسباب تصبح واضحة إن فنّدنا السياسات التي انتهجها ترامب في عهده، والتي صبت كلها في مصلحة داعميه.
ففي فترة رئاسته بين 2016 و2020، تبنى ترامب سياسات اقتصادية مشجعة للأعمال: خفّض الضرائب، وخفّف القيود في اللوائح التنظيمية المفروضة على الشركات، وحدّث القوانين المنظمة للقطاع المالي والتي كانت تعيق النمو الاقتصادي. أفادت هذه السياسات كبريات شركات التكنولوجيا التي تسعى إلى الابتكار والنمو من دون قيود تنظيمية صارمة، فتشجع بعضها على عمليات طرح أوّلية، وربما هذا هو الدافع الرئيسي لمنح ترامب دعمهم.
كما تعهد ترمب في حملته في عام 2016 بخفض الضرائب على تحويلات الشركات من الخارج من 35 في المئة آنذاك إلى 10 في المئة فقط. أتى هذا في صالح شركات التكنولوجيا التي تملك الحصة الأكبر من مستحقات الشركات الأميركية في الخارج، والتي لا تُحوّل إلى الولايات المتحدة بسبب الضرائب، وتقدر حالياً بأكثر من 2.6 تريليون دولار.
وأدرك ترامب أهمية الابتكار والتكنولوجيا في دفع عجلة الاقتصاد الأميركي، فشجع على الاستثمار في التكنولوجيا والبنية التحتية الرقمية، وهي خطوات لاقت استحسانًا كبيرًا من رواد الأعمال في هذا القطاع. كما حمى شركات التكنولوجيا الأميركية من مواجهة قضايا ضريبية وقضايا احتكار في الخارج، كان يمكن أن تغرمها مليارات الدولارات.
العملات المشفرة مع ترامب
لكن، ماذا عن سوق العملات المشفرة؟ على الرغم من الضبابية في موقف ترامب من هذه العملات، فإنه لم يفرض عليها ولا على التداول بها قيودًا مشددة، كما فعلت دول أخرى.
وربما يكون هذا التوجه المعتدل سببًا في حصوله على تأييد شخصيات بارزة في قطاع العملات المشفرة. فهؤلاء يرون في سياساته فرصاً للنمو والتوسع، خلافاً لسياسة الرئيس جو بايدن الذي تمسّك بمشروع SAB121 مستخدماً حقه في النقض لضمان عدم إلغاء المشروع الذي يعامل العملات المشفرة بصفتها "أصولاً غير مادية" ويسجلها تحت بند "خصوم" في الميزانية العمومية، ما يحدّ من قيمتها ويفرض عليها قيوداً رقابية خانقة.
إلى ذلك، تسعى شركات العملات المشفرة لإقرار بيئة تنظيمية تتيح لها حرية العمل لابتكار حلول مالية جديدة، علماً أن سياسات ترامب الاقتصادية تركز على تخفيف الضرائب وتعزيز الأعمال التي تراها شركات العملات المشفرة جذابة، تحقق نمواً سريعاً، وتضمن توسعاً في الأسواق.
من هذا المنطلق، يُنظر إلى ترامب على أنه "أقل تشددًا" في ما يخص تنظيم العملات المشفرة مقارنةً بالمرشحين الآخرين.
ماذا عن إيلون ماسك؟
في مقلب آخر، تعاونت "سبايس إكس" مع الحكومة الأميركية خلال فترة رئاسة ترامب في مشاريع فضائية مهمة عدة. وهذا التعاون أتاح لماسك فرصة تعزيز مكانة شركته في قطاع الفضاء، وربما يكون هذا دافعًا قويًا لدعمه ترامب.
كما استفاد ماسك وشركاته من الإعفاءات الضريبية التي قدمتها إدارة ترامب، ما ساهم في تخفيف العبء المالي عليها، ودعم خططها التوسعية.
وعلى صعيد العقوبات الأميركية المفروضة على السيارات الكهربائية الصينية، من المرجح أن تشهد ولاية ترامب الثانية فرض رسوم جمركية أعلى على الصين، فتبتعد شركات السيارات الكهربائية الصينية عن الأسواق الأميركية، فتتراجع منافستها. وهذا يتيح لـ"تسلا" أن تزيد حصتها السوقية وتعزز مكانتها في السوق المحلية.
إن التوافق بين الأغنى في العالم ومن سيكون الأقوى في العالم، سبب اساسي دفع بماسك لدعم ترامب علنًا، وتخصيص 45 مليون دولار شهرياً لتمويل لجنة سياسية تدعم حملته للعودة إلى البيت الأبيض. إنه توافق المصالح بامتياز، لكن يبقى السؤال: "إلى أي مدى يؤثر هذا التوافق على نتائج الانتخابات في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل؟".