النهار

خائفة وفي فمها كلمة واحدة "أمّي"... الطفلة نادية تنتقل من أرض الجهاد في سوريا إلى منزل جدها في فرنسا
المصدر: أ ف ب
خائفة وفي فمها كلمة واحدة "أمّي"... الطفلة نادية تنتقل من أرض الجهاد في سوريا إلى منزل جدها في فرنسا
صورة ارشيفية- امرأة تمسك بيد طفلة في مخيم روج، حيث يُحتجز اقرباء أشخاص يشتبه في انتمائهم إلى داعش، في الريف قرب المالكية في محافظة الحسكة شمال شرق سوريا (4 آذار 2021، أ ف ب).
A+   A-
تنتقل نادية، ابنة الجهاديين البالغة خمسة أعوام قريبا، إلى منزل جدها الذي أعد لها غرفة جهزها بلوح للطبشور ودمى وسرير زاهي الألوان بانتظار استقبالها، بعد لقاءات تدريجية وآمنة للتعارف بينهما، منذ وصولها إلى فرنسا في صيف 2021.

يروي الجد سفيان (اسم مستعار مثل اسم نادية أيضا) "استغرق الأمر ثلاثة أشهر كي أراها" بعد وصولها إلى مطار في المنطقة الباريسية، مضيفا أن "فمها كان أسود تقريبا" ولثتيها مليئتان بالخرّاجات، وكانت "تخاف كثيرا من الرجال" الذين يذكرونها بالمعارك والمعاناة في مخيمات النازحين في سوريا.

وقال إنهم أخبروه أنها "كانت تختبئ خلف ساقي والدتها".

غير أن حماية الأمّ سقطت في المطار. وأوضح الجد أن "والدتها هيأتها للانفصال، قالت لها: سوف نرى الطبيب، ونلتقي من جديد بعد قليل".

وضعت الوالدة قيد الاعتقال فور نزولها من الطائرة "لالتحاقها بداعش"، عام 2015 في العراق. أما نادية، فوضعت في عهدة جهاز المساعدة الاجتماعية للطفولة، وبقيت متشبثة بدميتها المفضلة وفي فمها كلمة واحدة "أمّي".

وعلى غرار القصّر الفرنسيين الـ126 الذين استعادتهم فرنسا منذ 2016، تحاط نادية بمجموعة من الخبراء والاختصاصيين، وهي تعيش حاليا لدى عائلة استقبال.

لم يسمح في البداية لدى وصولها بأي تواصل مباشر مع جدها، غير أنه كان يتلقى معلومات عن تطور وضعها، فعلم على سبيل المثال بغضب حفيدته خلال أولى الزيارات لأمها في السجن.

بموازاة ذلك، كانت تجري تقصيات قضائية واجتماعية حول سفيان وعائلته لتقييم قدرته على أن يصبح شخصا ثالثا موثوقا ويتحمل مسؤولية رعاية الطفلة أثناء اعتقال والدتها التي تحتفظ بالسلطة عليها.

على وقع المداهمات وتفتيش محتويات أجهزة الكمبيوتر وقوائم البيانات، جرى تقصي تاريخ العائلة بشكل مفصّل ودقيق لفهم ديناميكية العلاقات فيها وكيفية اعتناق الابنة التطرف وموقف العائلة حيال ذلك.

وبعد التثبت من كل هذه النقاط، بات بإمكان الطفلة أن تلتقي جدّها الذي لم تقابله حتى الآن سوى عبر شاشة. وفي المرة الأولى، اقتصر اللقاء على ساعة من الزمن، ثمّ امتدّ نصف نهار تحت إشراف خبير تربية راقب ردود فعل الفتاة.

- "سنتقدم بهدوء" -
يحظى سفيان أيضا بدعم نفسيّ، إذ اضطر بالأساس إلى مواجهة صدمة  تطرف ابنته، وعدم فهمه لهذا الوضع.

وخلال السنة التي تلت خروج ابنته من مخيم خاضع لسيطرة السلطات الكردية في شمال شرق سوريا، استعد لعودتها إلى البلاد في إطار اتفاق تعاون بين باريس وأنقرة لترتيب عودة جهاديين فرنسيين تعتقلهم السلطات التركية.

لكن قبل أن يلتقي حضوريا حفيدته المولودة في ظل معارك وإطلاق نار، "كنا بحاجة في المقام الأول إلى أن تكون الطفلة في وضع مستقر" لأن "أكبر صدمة تلقتها كانت فصلها عن والدتها".

فهي لم تفارق والدتها لحظة من قبل، ويقول سفيان إنهما "بقيتا متلاصقتين منذ ولادة الطفلة التي لا تفهم لماذا  تبقى والدتها هناك" في السجن.

وعلى مرّ الأسابيع واللقاءات التي باتت أسبوعية وجلسات تلوين الرسوم معا، يقول سفيان إن "الفتاة اعتادت عليّ" وهي "لا تبدو تعيسة".

ويجهد الجد لتوفير بيئة حاضنة لها. "ارسلت لها لعبة، كنغر لونه بيج، جلبته الفتاة معها واحتفظت به".

وتابع "هيأنا دراجة واشترينا أدوات للاعتناء بالبستان ومئزر مطبخ"، إضافة إلى كتاب قصص موسيقيّة ودفاتر لتعلّم الأبجدية تحسبا لدخولها إلى الحضانة في أيلول.

كما اقترحت والدتها تقديم هديّة أولى لها هي سمكة حمراء تكون "بمثابة علامة مرجعية" لها قبل إقامتها نهائيا في المنزل.

يقول سفيان "إنني متلهف للانتقال إلى الخطوات الفعلية"، متمنيا لو أن العمليّة تستغرق وقتًا أقصر. لكنه يؤكد أنه "سنتقدم بهدوء" وبتكتم "لتفادي أن تلحق بنا وصمة".
 

اقرأ في النهار Premium