منطقة البحر الأبيض المتوسط كسائر المناطق حول العالم معرضة لتهديدات التغيّر المناخي. في الواقع، قد تكون أيضاً أكثر تعرضاً من سواها لهكذا تداعيات. في هذا الإطار، أعدت مجلة "فورين بوليسي" تقريراً يظهر حجم الخسائر بفعل الحرائق والجفاف وموجات الحر.
يشتهر البحر المتوسط بشواطئه الخصبة وسواحله المتعرجة، والآن بتطرفه المناخي الذي حول المنطقة إلى واحدة يسودها الحر الخانق والحرائق المستعرة والأنهر المتقلصة.
تواجه إسبانيا والبرتغال أشد ظروف الجفاف في أكثر من ألف عام بينما أجبرت الحرائق في اليونان وفرنسا عشرات آلاف السكان على مغادرة منازلهم. تجف الأنهار وتترك إمدادات الطاقة منسية بينما توفي آلاف الناس بسبب الحر.
قال رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز أواسط أيلول إن "التغيير المناخي يقتل. هو يقتل الناس، كما رأينا. إنه يقتل نظامنا البيئي، تنوعنا البيولوجي، وهو يدمر أيضاً أموراً عزيزة علينا كمجتمع – منازلنا، أعمالنا، مواشينا".
تصف المجلة المشاهد في المتوسط بأنها أبوكاليبتية. لكنها أيضاً جزء من نمط عالمي صارخ: في المملكة المتحدة، أذاب الحر القياسي الطرقات وأجبر الحكومة على إعلان حال طوارئ وطنية. وكان الغرب الأميركي يحترق بفعل الجفاف وموجة حر قاسية. المجتمعات الساحلية شرقي أوستراليا تواجه خطر الاختفاء كما تسببت الفيضانات المتطرفة في الصين بنزوح مئات الآلاف من الناس.
تواجه المنطقة احتراراً أسرع بنسبة 20% من المعدل العام العالمي وفقاً لبرنامج البيئة التابع للأمم المتحدة.
وأصابت موجة الحر الأخيرة المزارعين في جنوب فرنسا واليونان وإيطاليا وإسبانيا التي تشهد محاصيل زراعية أقل وبالتالي تتكبد خسائر مالية. يضطر ثلث المزارعين في إيطاليا مثلاً إلى الزراعة مع تحمل أكلاف الخسائر. ولزيادة الطين بلة، أصبحت إحدى المناطق الإيطالية أرضاً لتكاثر الجراد بسبب مناخها الجاف وهي تواجه أسوأ غزو للجراد في ثلاثة عقود.
أصناف البحر المتوسط المحبوبة مثل النبيذ والزيتون لم تنجُ هي الأخرى. في إسبانيا، يدق مزارعو العنب المحليون جرس الإنذار بينما تتسبب الحرائق بإتلاف كرومهم فيما يكافح آخرون لإنتاج نصف ما كانوا ينتجونه في السابق.
منطقة الأندلس في جنوب إسبانيا هي أكبر منتج لزيت الزيتون حول العالم وهي معرضة بشكل كبير للجفاف حيث يخشى المزارعون من أن تؤثر الظروف المتطرفة على كمية ونوعية محصولهم.
وفقاً للمفوضية الأوروبية، ازدادت احتمالات الجفاف وندرة المياه في إيطاليا واليونان وكرواتيا والبوسنة والهرسك وشبه الجزيرة الإيبيرية. ومع ارتفاع درجات الحرارة، يجف نهر بو، وهو أطول نهر في إيطاليا. وفي الجنوب، من المتوقع أن يصل المغرب إلى ندرة المياه الشاملة بحلول 2030.
ووفقاً لأحد التقارير، قد ترتفع مياه البحر في المنطقة بحدود 25.6 سنتيمتراً في 2050 بما يهدد نحو ثلث سكان المتوسط المتركزين في السواحل إضافة إلى عدد من المواقع التي صنفتها الأونسكو مثل مدينة البندقية والمعالم المسيحية الأولى في رافينا.
والعديد من الوجهات السياحية الأكثر جاذبية في البحر المتوسط هي الأكثر عرضة للخطر؛ من سان تروبيه (فرنسا) إلى أمالفي (إيطاليا).
ترى نائبة مدير مركز "بلان بلو" التابع لبرنامج البيئة في الأمم المتحدة لينا تود أنه "غالباً ما نقول إن البحر المتوسط يمكن أن ينظر إليه على أنه نموذج مصغر للعالم لأنه لدينا العديد من الأوضاع المختلفة في كل مكان". وأضافت: "يقول الكثير من الناس إنه إذا تمكنا من حل (الأزمة المناخية) في المتوسط، فبإمكاننا حل (الأزمة) حول العالم".