يتخوّف الناشط الحقوقي شعوان جبارين في مكتبه في وسط مدينة رام الله في الضفة الغربيّة من وصول مفاجئ للقوات الإسرائيليّة لاقتياده إلى السجن، بعد حملة بدأتها ضدّ عددٍ من المنظمات غير الحكوميّة متهّمة إياها بالارتباط بالجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين.
ويقول جبارين (62 عاماً)، وهو مدير عام مؤسسة "الحقّ" الحقوقيّة، "لا أريد أن أُعتقل لكن إذا كان ذلك ثمن الدفاع عن حقوق الإنسان ومواصلة التحدث عن نظام قمعي، أنا جاهز".
ففي 18 آب، داهمت القوات الإسرائيليّة مكاتب مؤسسة الحقّ، وهي جمعيّة تعنى بالدفاع عن حقوق الفلسطينيين غير حكوميّة، ومقار ست منظمات غير حكوميّة أخرى في رام الله.
وجاء ذلك بعد نحو عشرة أشهر على تصنيف وزارة الدفاع الإسرائيليّة هذه المنظمات "إرهابيّة"، بسبب علاقتها المزعومة بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
من جهتها، رفضت المنظمات الفلسطينية الاتهامات، وقالت إن إسرائيل تحاول إسكات المدافعين عن حقوق الفلسطينيين.
"لحظة الحقيقة"
يقول جبارين إنه تلقّى بعد المداهمة، اتصالات هاتفيّة من ضابط مخابرات إسرائيليّ، عرّف عن نفسه باسم فادي وطالبه بالتوقف عن العمل مع "منظمة إرهابيّة".
ولم يردّ جهاز الاستخبارات الإسرائيليّ (شاباك) على استفسارات وكالة "فرانس برس" حول الموضوع.
ويضيف جبارين "عملي ليس وظيفة، إنه معتقد، إنه القانون الدوليّ وحقوق الإنسان، علينا أن نتمسك بالتزاماتنا".
وأشار إلى أنّ "هذه هي لحظة الحقيقة وعلينا أن نقرّر، ربما سندفع ثمنا على المستوى الشخصي".
في تسعينات القرن الماضي، استهل جبارين عمله كباحث ميداني في التسعينات، مع منظمة حقوقيّة، وخضع حينها مراراً للاعتقال الإداري وهو إجراء إسرائيليّ يسمح بسجن المعتقل قيد التحقيق دون توجيه تهم له. وفي العام 2006، أصبح جبارين مديرا لمؤسسة الحق وقاد حملة لوسم معاملة إسرائيل للفلسطينيين بأنها تمثل نظاما "للفصل العنصري".
في آذار، تعرّض المحامي الفلسطينيّ صلاح الحموري الذي يعمل لصالح مؤسسة "الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان" للاعتقال الإداري وما زال موقوفاً.
بدورها، ترفض إسرائيل هذا التوصيف الذي تبنّته منظمتا العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش.
ويرى جبارين أنّ مؤسسته "تجاوزت الخط الأحمر" باستخدامها مصطلح الفصل العنصري، ما دفع إسرائيل لتصنيفها ضمن قائمة الإرهاب.
واعتبر أنّ "اسرائيل فشلت في إغلاق المؤسسة وفي تجفيف مواردها". فجاؤوا بفكرة استخدام قوة الدولة وإعلاننا منظمة إرهابية"، مضيفاً: "قاموا بذلك لتشويه سمعتنا وبث الخوف في نفوس شركائنا وممولينا".
وأكّدت مصادر أمنية فلسطينيّة وجمعيات أهليّة أنّ الجيش الإسرائيليّ أغلق بالشمع الأحمر مؤسسات "الحقّ -القانون من أجل الإنسان"، و"الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان"، ومركز بيسان للبحوث والإنماء، واتحاد لجان المرأة العاملة، ولجان العمل الصحي، واتحاد لجان العمل الزراعي، والحركة العالمية للدفاع عن الأطفال.
"دفع الثمن"
التزمت تسع دول اولروبيّة بمواصلة تمويلها لمؤسسة الحقّ والمجموعات الحقوقيّة الأخرى المحظورة من إسرائيل.
وقال ديبلوماسيّ أوروبيّ فضّل عدم الكشف عن اسمه، لـ"فرانس برس"، "إسرائيل لم تستمع لنا حتى الآن، فلمَ نعتقد أن إدانتنا ستحدث فرقا هذه المرة؟".
أما مديرة مؤسسة الضمير سحر فرنسيس فتشير إلى أنه وفي حال اعتقال جبارين، "يدرك المجتمع الدولي تماما أن إصدار بيان لن يكون كافيا".
وتضيف فرنسيس الزميلة والصديقة القديمة لجبارين "هذا وقت الأفعال، إرث شعوان ليس وظيفة... بل رسالة يبعثها دائما يقول من خلالها أنه مستعد لدفع ثمن عمله كاملاً".
ويقول جبارين الذي حصل على دعم مدراء منظمات غير حكوميّة كثر ودعم 45 منظمة إسرائيليّة، إنّ لا بديل لديه سوى الاستمرار في إدارة مؤسسة الحق. "لا خطة بديلة".
ويخلص الى أن الذهاب الى السجن "ليس خياري، لكن إذا فرض علي، فلن أضعف بالتأكيد".