النهار

أبواب الناتو لا تزال موصدة... كييف أمام عرض آخر
جورج عيسى
المصدر: "النهار"
أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أنّه تقدّم بطلب الحصول على مسار مسرّع للانضمام إلى الناتو.
أبواب الناتو لا تزال موصدة... كييف أمام عرض آخر
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يطالب انضمام بلاده إلى الناتو وفقاً لإجراء معجّل (أ ف ب)
A+   A-

إلى الواجهة مجدداً، عادت قضيّة انضمام أوكرانيا لحلف شمال الأطلسيّ (ناتو). بعد اعتراف الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين بمناطق دونيتسك ولوغانسك وزابوريجيا وخيرسون كأراض روسيّة، تقدّم الرئيس الأوكرانيّ بطلب انضمام كييف إلى الناتو بموجب إجراء معجّل. ضمّ بوتين نحو 15% من الأراضي الأوكرانيّة إلى روسيا بعد استفتاءات أجرتها إدارات المناطق الأربع بين 23 و 27 أيلول أظهرت نتيجتها قبول سكان تلك المنطقة بالهوية الروسية. أدان الغرب الاستفتاءات وخطاب بوتين الرسميّ بصوت واحد. لكن إذا كانت هذه الإدانات صارخة فإنّ احتمال تحوّلها إلى قبول لأوكرانيا في النادي الأطلسيّ لا يزال يبدو ضعيفاً.

 

المطبّات لا تحصى

من جهة، ثمّة حاجة لموافقة جميع الدول الأعضاء في الحلف على هذا المقترح. سيكون توقّع اعتراض دول مثل ألمانيا وفرنسا منطقياً. كانت هاتان الدولتان متردّدتين نسبياً في دعم أوكرانيا بالسلاح خشية دفع روسيا إلى التصعيد. في حزيران، منعت برلين الحكومة الإسبانية من تحويل دبابات "ليوبارد 2.أي.4" الألمانية إلى أوكرانيا. في آب، سحبت مدريد عرضها. حدث ذلك قبل الخرق العسكريّ الأوكرانيّ في خاركيف خلال الأسبوع الأول من أيلول حين استعاد الجيش الأوكرانيّ نحو 9 آلاف كيلومتر مربع من الأراضي.

في أواسط الشهر الماضي، قرّرت برلين إرسال مدفعية "هواتزر" إلى أوكرانيا لكنّ عمليّة التسليم قد تستغرق أشهراً طويلة. كذلك، أعلنت وزيرة الدفاع كريستين لامبرخت إرسال نظامي راجمات صواريخ من طراز "مارس 2" مع 200 صاروخ و 50 ناقلة جند مدرّعة من طراز "دينغو" إضافة إلى الموافقة على إرسال اليونان مركبات مشاة قتالية سوفياتيّة الصنع مقابل تزويد أثينا بمركبات "ماربر" الأحدث طرازاً. لا شكّ في أنّ ألمانيا ترفع تدريجياً حجم الدعم لأوكرانيا. غير أنّ هذه الأسلحة ليست كافية بنظر كييف. فالمدفعيّات والراجمات وحدها غير قادرة على استرجاع الأراضي. هي تريد أيضاً دبابات "ليوبارد". "ما من حجّة عقلانيّة واحدة حول سبب عدم إمكانيّة تزويد (أوكرانيا) بهذه الأسلحة"، قال وزير الخارجيّة الأوكراني دميترو كوليبا.

تقول ألمانيا إنّها لن تزوّد أوكرانيا بالدبابات إلا من خلال جهد دوليّ منسّق. يظهر أنّ ذلك لا يقنع كييف. وما ينطبق على ألمانيا قد ينطبق أيضاً على فرنسا التي أرسلت أسلحة أقلّ من جارتها إلى أوكرانيا. ثمّ هنالك المجر المقرّبة من روسيا والتي لن تكون مستعجلة لمنح موافقتها النهائيّة. ولا يغيب الاعتراض التركيّ المحتمل، أو على الأقلّ المماطلة المتوقّعة، في القبول بأوكرانيا عضواً جديداً في الحلف الأطلسيّ، بفعل علاقتها الوطيدة مع روسيا من جهة، كما بفعل انتهاز رئيسها رجب طيب إردوغان فرصاً كهذه لانتزاع مكاسب سياسيّة لبلاده.

لم ينسَ المراقبون المفاوضات الماراثونيّة لعدم اعتراض أنقرة على استقبال كلّ من السويد وفنلندا في الناتو. ولغاية اليوم، حصلت الدولتان على موافقة جميع الأعضاء في النادي الأطلسيّ باستثناء المجر وتركيا. هذه المؤشّرات وغيرها تبيّن استحالة قبول أوكرانيا في الحلف الأطلسيّ قريباً.

 

هذا ما يتوقّعه المراقبون والمسؤولون

قال ثلاثة مسؤولين أطلسيّين حاليّين وسابقين لمجلة "فورين بوليسي" إنّ "الشهيّة" على إدخال أوكرانيا النادي الأطلسيّ وسط حربها مع روسيا غير كافية بالنظر إلى أنّ الدول الأطلسيّة تعمل قدر الإمكان على إبقاء النزاع خارج أراضي الحلف.

التردّد واضح حتى في واشنطن نفسها. مستشار الأمن القومي جيك سوليفان أوضح أنّ منح العضوية الأطلسية يجب أن يتمّ "في توقيت مختلف". وحين سئلت عن إمكانيّة منح أوكرانيا فرصة الانضمام إلى الناتو في وقت قريب، رفضت رئيسة مجلس النوّاب الأميركيّ نانسي بيلوسي تقديم إجابة واضحة قائلة إنها تفضّل إعطاء "ضمانة أمنيّة" لكييف. "نحن ملتزمون جداً بالديموقراطيّة في أوكرانيا. فلننتصر بهذه الحرب. لكن سأؤيّد إعطاءهم ضمانة أمنية"، وفقاً لما قالته لمجلة "بوليتيكو". ونقلت المجلّة عن مسؤولين في الإدارة قولهما إنّ اقتراح زيلينسكي "فاجأ" البيت الأبيض.

وتقول ليا شوننمان من مركز "المجلس الأطلسيّ" إنّ أوكرانيا باتت اليوم أبعد من الانضمام إلى الناتو بالمقارنة مع كان الأمر عليه في 23 شباط، أي قبل يوم على بدء الغزو الروسيّ لأوكرانيا. وهذا تأكيد إضافيّ على خشية غربيّة من التورّط في النزاع مع الروس علاوة على أنّ ذلك سيشكّل سابقة في تاريخ الناتو الذي لم يستقبل أيّ دولة وهي في حال نزاع عسكريّ مع دولة خارجيّة. بالمقابل، يتحدّث زميلها في مؤسّسة الرأي نفسها كريستوفر سكالوبا عن أنّ "القضية هي أنّ أوكرانيا في حرب مع روسيا وأعضاء الناتو أنفسهم الذين لا يبذلون كلّ ما بوسعهم أساساً لضمان انتصار أوكرانيّ، لن يقوموا بدعم دخول حلف رسميّ مع أوكرانيا سيتطلّب منهم الالتزام قانوناً بالدفاع عن أوكرانيا".

 

لا يعني ذلك أنّ أوكرانيا في حالة يأس

في نهاية المطاف، يدرك زيلينسكي أنّ ما عجز الناتو عن تحقيقه طوال نحو 14 عاماً، أي منذ قمّة بوخارست الشهيرة سنة 2008 حين تعهّد بأنّ أوكرانيا ستنضمّ إليه في المستقبل، سيعجز عنه خلال الأشهر القليلة المقبلة. كانت خطوته على الأرجح تهدف إلى حثّ الأميركيّين والأوروبّيّين على إرسال المزيد من الأسلحة النوعيّة إلى بلاده في الأشهر الصعبة المقبلة. ربّما أراد رسم معادلة أمام الغرب على الشكل التالي: "مقابل تردّدكم في منحنا العضويّة الأطلسيّة بالرغم من ضمّ روسيا لبعض مناطقنا، سنحتاج إلى أسلحة أكثر نوعيّة كالدبابات والصواريخ البعيدة المدى".

سبق أن حصلت أوكرانيا في حزيران على صفة مرشّح إلى الاتّحاد الأوروبيّ وهذا مكسب لم يكن متوقّعاً قبل الحرب. وحتى بعد نهايتها، يدرك زيلينسكي أنّ أداء جيشه الميدانيّ أثار إعجاب الأميركيّين إلى حدّ يصعّب عدم منحهم كييف دعماً خاصاً لدخول النادي الأطلسيّ، أو بالحدّ الإدنى، ضمانة أمنيّة دائمة كبديل عن العضويّة في الحلف. على كلّ حال، لم تصبح أوكرانيا دولة أطلسيّة بـ"حكم الأمر الواقع" كما قال زيلينسكي وحسب، بل حصلت أيضاً على الضمانة المنشودة بحكم الأمر الواقع أيضاً. حزمة الدعم العسكريّ التي أقرّتها الإدارة مؤخراً والتي تشمل 18 منظومة صاروخية من طراز "هيمارس" يتوقّع أن تواصل التدفّق إلى أوكرانيا على مدى عامين متتاليين. في رحلتها الطويلة لتحرير أراضيها، ربّما هذا أكثر ما يهمّ كييف حاليّاً وأكثر ما تتوقّعه عمليّاً.

 

 

اقرأ في النهار Premium