الثلاثاء - 02 تموز 2024

إعلان

"مفتاح لتغيير الشرق الأوسط"... كيف يتأثر النظام الإيراني بالاحتجاجات؟

المصدر: "النهار"
جاد ح. فياض
جاد ح. فياض
تمزيق صور خامنئي ورئيسي (أ ف ب).
تمزيق صور خامنئي ورئيسي (أ ف ب).
A+ A-
تستمرّ الاحتجاجات في إيران منذ أكثر من أسبوعين، بعد مقتل مهسا أميني على يد شرطة الأخلاق. وتوسّعت رقعة التظاهرات فشملت العديد من المحافظات الإيرانية. وحصد الإيرانيون المنتفضون على السلطة السياسية - الدينية المتشدّدة تضامناً دولياً، بعدما تحرّكت سلطات غربيّة على خط إدانة القمع وفرض العقوبات، بالإضافة إلى دعم شعبي في دول تمّ تنظيم تحرّكات مؤيّدة للانتفاضة الإيرانية وحقوق النساء فيها.

ليست هذه الانتفاضة الأولى في تاريخ إيران الحديث، فقد شهدت الجمهورية الإسلامية احتجاجات دمويّة في فترات متعددة، وتصاعدت حدّتها في السنوات الأخيرة على خلفيّة تردّي الأوضاع الاقتصادية إثر فرض العقوبات على النظام الإيراني بُعيد سقوط الاتفاق النووي، وانصراف النظام إلى تمويل منظومته العسكريّة على الملفات الاقتصادية والمعيشية. فهل تؤسّس هذه الاحتجاجات لأرضيّة صلبة تؤدّي إلى سقوط النظام الإيراني بالرغم من قوّته؟


كانت حادثة مهسا أميني شرارة اندلاع الانتفاضة الأخيرة، التي يمكن وصفها بأنها ثقافية اجتماعية، نتيجة الممارسات المتراكمة على مستوى حقوق الإنسان وحريّة الفرد والتعبير وحريّة النساء بشكل خاصّ. لكن انتهاكات النظام الإيراني تتعدّى أيضاً المجال الحقوقيّ لتطال حرية العمل السياسي والفني والثقافي والفكري، وإلى ما يراه البعض استنسابية تطبيق القوانين الدينيّة، ناهيك بالوضع الاقتصادي والاجتماعي المتردّي؛ وهي عوامل تدفع أيّ شعب إلى الانتفاضة طبيعياً.

وما يرفع من منسوب النّقمة الشعبيّة تخاذل القيادة الإيرانية وانعدام طرح الحلول والمعالجات للتخفيف من هذه الضغوط، لا بل تستمرّ الحكومات المتعاقبة في سياساتها المتشدّدة. تجلّى ذلك مع وصول إبراهيم رئيسي إلى سدّة الحكم، الأمر الذي زاد من زخم المعارضة الإيرانية ومن حدّة التظاهرات، التي باتت ككرة الثلج، ترفع من عدد المشاركين فيها كلّ مرّة، ممّا يعني تنامي الحركة الاعتراضيّة، من دون أن تصل حتى الآن إلى تكوين نواة ضخمة لتفعيل شرارة الانتفاضة.

بموازاة هذه التطورات، تقف إيران عند نقطة تحوّل كبيرة، فالمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية على خامنئي في وضع صحيّ صعب، وَفق ما ورد أخيراً في وسائل الإعلام، ولا معلومات عمّن سيكون خليفة له، علماً بأن المرشد الأعلى يلعب الدور الأكبر في تقرير المصير، ويتمتع بصلاحيّات واسعة جداً، ممّا يجعل عملية انتقال السلطة مرحلةً حسّاسة.

هذه الصورة، لو ثبتت واقعيّتها، فلن تعني أن النظام الإيراني بات قاب قوسين من السقوط، فهو نظام - بحسب ما يقول عنه القياديون الإيرانيون أنفسهم - صلبٌ ومتماسك، وليس هشّاً، ولن يكون سقوطه مسألةً سهلة أو عادية، لأنه يرتكز على دعائم إيديولوجية، سياسية واقتصادية، جعلته قوياً بالرّغم من الضغوط الدوليّة التي فُرضت عليه منذ سنوات.

تقوم فكرة النظام الإيراني حالياً على مبدأ ولاية الفقيه، وهي فكرة دينيّة عقائديّة من الصعب هزيمتها بأفكار مدنيّة، في الوقت الذي يتمتّع النظام بقبضة حديدية في الداخل تُسيطر على كلّ مساره من جهة، وله نفوذ واسع في الإقليم من جهة أخرى.
 
إلى ذلك، عملت إيران على ما سُمّي بـ"الاقتصاد المقاوم"، الأمر الذي منحها قوّة ماليّة مكّنتها من مواجهة ضغوط العقوبات نسبيّاً.

تغيير في إيران أم صدع؟
كان لافتاً ما تطرّقت إليه صحيفة "واشنطن بوست" في مقالين الأسبوع الفائت حول تأثير الاحتجاجات على قوّة النظام الإيراني، واحتمال سقوطه، فأشارت إلى أن "من السابق لأوانه تقييم ما إذا كانت هذه الاحتجاجات ستغيّر سياسة إيران، أو ما إذا كانت ستُحدث مجرّد صدع آخر في نظام متعفّن"، قد يؤدّي في ما بعد إلى نتائج خطيرة على النظام وتماسكه".

ورأت الصحيفة أن "إلزامية الحجاب هي إحدى الركائز الإيديولوجية الثلاث المتبقية للثيوقراطية الإيرانية، إلى جانب "الموت لأميركا" و "الموت لإسرائيل". ويساعد ذلك على تفسير سبب رفض النظام لاتخاذ موقف ناعم بشأن مسألة قواعد اللباس. يعتقد خامنئي أن المساومة على الركائز الإيديولوجية للنظام - بما في ذلك الحجاب - لن تؤدي إلّا إلى تسريع انهياره، وقال في وقت سابق: "إذا أردنا منع مجتمعنا من الانغماس في الفساد والاضطراب، يجب أن نبقي النساء في الحجاب".
 
في هذا السياق، يرى مراقبون أن "النظام في حالة صراع وإرباك، وظهر ذلك جلياً مع توجّه خامنئي إلى المنتفضين في الشارع، ووصفه حادثة مهسا آميني بأنها مزّقت قلبه، وهي المرّة الأولى التي تُقدم فيها السلطات على مخاطبة الإيرانيين في الشارع ولو بشكل غير مباشر، وإن دلّ ذلك على شيء، فهو على القلق من الاحتجاجات الآخذة بالتوسّع مع مشاركة الطلّاب حديثاً".
 
ويفنّد المراقبون عبر "النهار" الفوارق بين الانتفاضة الحالية والتحرّكات السابقة، وأبرزها "الثورة الخضراء" في العام 2009، والتي كانت الأوسع والأعنف، ويشيرون إلى أن "الصراع في ذلك الحين كان بين الراديكاليين والليبراليين. لكن الطرفين يحملان نفس الموقف من النظام القائم الذي هما من صلبه، ولم يُطالبا بإسقاطه بل الهدف كان الوصول نحو السلطة، فيما الشعب يقود هذه الانتفاضة اليوم ويُطالب بإسقاط النظام برمّته بدءاً من رأسه. فليس مشهداً عابراً أن تتحدّى نساء ايران بطش النظام، ويقمن بقصّ شعرهن أمام العالم أجمع وتمزيق الحجاب من جهة، كما ليس عابراً أن يحرقن صور خامنئي وسليماني وحسن نصرالله على أرض إيران. 
 
وتذكّر بعض المراجع المطّلعة على الوضع الإيراني بأن "الثورة الخضراء أدّت في ما بعد إلى تغيير في طريقة الحكم وبروز الحرس الثوري الإيراني كمقرّر إضافي في السياسة، بعد أن كان الأمر محصوراً بين طرفين اثنين، السلطة السياسية ورجال الاقتصاد والأعمال، فيما الانتفاضة الحالية تهدف إلى التخلّص من كلّ رموز النظام وطريقة حكمه".
 
رياح الربيع العربي تلفح إيران؟
هذه النظرية تعيدنا إلى ما ذكرته "واشنطن بوست" من أن "ثمّة تصدّعات متزايدة، في وقت تستعدّ فيه البلاد لانتقال قياديّ محتمل بسبب صحّة خامنئي البالغ من العمر 83 عاماً"، وشبّهت الوضع الإيراني بوضع مصر وتونس حينما هبّت رياح "الربيع العربي". ولفتت إلى أن "قوات الأمن التابعة للجمهورية الإسلامية قد تبدو مسيطرة في الوقت الحالي، إلا أنّ هناك مؤشرات على ضعف النظام في إيران اليوم أكثر بكثير ممّا كان الوضع عليه في مصر وتونس في كانون الأول 2010، قبل أسابيع من الإطاحة بحكومتيهما".

وقارنت بين الاحتجاجات الحالية واحتجاجات الربيع العربي، فوجدتها متقاربة، ومن أوجه الشبه أن "لا قيادة للتحرّكات، وهذا يعني أن النظام لا يُمكن أن يُحبط هذه التحرّكات بمجرّد اعتقال الأفراد. ومن الممكن أن تكون العفويّة قوّة سياسيّة قويّة، لكن من الصعب الحفاظ عليها واستمرارها".

وبعيداً من السذاجة السياسية والآمال الكبيرة، لا بدّ من أسئلة تُطرح انطلاقاً من أن السياسة تحكمها المصالح وقليل من المبادئ والقناعات، فهل ما ذكرته الصحيفة الأميركية نابع من وصف موضوعيّ للمشهد الإيراني وضعفه، أم يأتي في إطار الرسائل التي تبعثها واشنطن إلى طهران على خلفية الاتفاق النووي؟ وهل تشبيه الساحة الإيرانية بمثيلاتها في مصر وتونس يعني أن مفتاح الشارع هو بيد الإدارة الأميركية القادرة في أيّ وقت على استغلاله وتحريكه لتوجيه ضربات محدّدة إلى "النظام المتماسك" قد تصل إلى حدود إسقاطه إذا اقتضت الحاجة؟

ما المطلوب لإنجاح الانتفاضة؟
لا تنفكّ السلطات في إيران تقلّل من قوّة الحركة الاحتجاجية، إذ قال وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان لنظرائه الغربيين إن "ما يحدث في إيران ليس بالمسألة المهمة". وانطلاقاً من ثقة النظام الإيراني بنفسه، عدّة أسئلة طرحتها الـ"واشنطن بوست"، منها إن كان المحتجون يستطيعون إقناع مجموعات أخرى في داخل إيران بالانضمام إلى صفوفهم، خصوصاً النقابات التي بإمكانها فرض الإضراب ودعم التحرّكات. وهل بإمكانهم تأمين مواكبة دولية حازمة مطلوبة في هذا السياق؟

في هذا الإطار، ذكرت الصحيفة أن "الولايات المتحدة وكندا فرضتا عقوبات ضد شرطة الأخلاق والمسؤولين المتورطين في حملة القمع. كذلك تخلّت إدارة بايدن عن قيود العقوبات للسّماح لشركات مثل ستارلينك لـ Elon Musk بتقديم خدمات الإنترنت للإيرانيين"، علماً بأن الاستخبارات الأميركية كانت تدرس كيفيّة تقديم الوسائل التي تمكّن الإيرانيين من استخدام "ستارلينك" من دون اتّخاذ أيّ إجراءات فعليّة وعمليّة في هذا الإطار، ممّا يطرح علامات استفهام عن نيّة المجتمع الدولي وإرادته عمّا إذا كان يريد إسقاط النظام في إيران أم لا؟

هل يُريد المجتمع الدولي إسقاط النظام الإيراني؟
سقوط النظام الإيراني، بما يحمله هذا الحدث من وقع على المجتمع الدوليّ، لا يُمكن أن يحصل من دون تحرّكات دوليّة جدّية تواكب الانتفاضة الداخلية. يفرض الغرب عقوبات قاسية على إيران منذ سنوات، إلّا أن ذلك لم يكن كافياً لإسقاط النظام، وصموده دليل؛ وقد لا تكون إرادة الغرب إسقاط النظام أساساً. والتصريحات الديبلوماسية الأخيرة عقب مقتل مهسا أميني والانتفاضة ركّزت على وجوب منح الإيرانيين حقوقهم، ولم تطالب بتنحّي القيادة.

موقع "دايلي صباح" من جهته يُشير إلى أن بعض المفكّرين يناقشون ما إذا كانت العلاقات الإيرانية الإسرائيلية معادية حقاً، أم أن إيران مناسبة تماماً لدور العدو الذي تحتاجه الولايات المتحدة وإسرائيل في المنطقة. ويعتبر الموقع عينه أن إيران تحتاج إلى دول مثل الولايات المتحدة وإسرائيل، علماً بأن هناك العديد من الأمثلة المؤيّدة والمعارضة لهذه الفكرة.

فإسرائيل تستفيد من لعب دورٍ معيّنٍ في منطقة الشرق الأوسط انطلاقاً من موقفها المعادي لإيران إلى جانب دول عربية، وثمّة حديث في الكواليس عن جبهة تقودها تل أبيب إلى جانب عواصم عربيّة لمواجهة المشروع الإيراني في المنطقة. وفي هذا الإطار، تُعقد قمم تضمّ ديبلوماسيين عرباً، فضلاً عن كون العداوة مع إيران عاملاً من عوامل الدفع لتوقيع اتفاقيات "أبراهام" بين إسرائيل ودول عربية.
 
في الإطار نفسه، يلفت المراقبون إلى أن "الغرب دعم التظاهرات في إيران، لكنه لم يستخدم عبارة "إسقاط النظام"، وهو لا يريد انهياره أساساً، بل تأديبه، وذلك يظهر من خلال تعامله معه في الفترة الأخيرة، إذ لم يفرض عليه عقوبات وحصار كما فعل مع روسيا، بل اكتفى بإصدار المواقف وبعض العقوبات على شرطة الأخلاق، وكان يُحاول التوصّل إلى اتفاق معه أساساً".
 
وهنا، تقول المصادر إن "أهل مكّة أدرى بشعابها، والإيرانيون يكفلون إسقاط النظام حينما يُرفع عنه الغطاء الدولي"، لكن لا مصلحة دوليّة في الانهيار، ممّا يعني أن الأمر مستبعد".

ماذا سيحصل بالنفوذ الإيراني لو سقط النظام؟
أنفقت إيران ثروات في لبنان وسوريا واليمن والعراق من أجل التوسّع إقليمياً، وتصريحات قيادييها لا تغفل قوّة إيران في الإقليم وسيطرتها على أربع عواصم عربية، وبالتالي لا يستمد النظام الإيراني قوته من الداخل فحسب، بل من الخارج أيضاً.

إلى ذلك، تلعب طهران دوراً محورياً على صعيد المجتمع الدولي أيضاً، وقد قدمت مساعدات مالية وعسكرية للديكتاتوريات المناهضة للولايات المتحدة في كاراكاس وبيونغ يانغ، كما أن الحكومة الروسية بدأت ياستخدام طائرات كاميكاز الإيرانية ضد أوكرانيا. وإلى ذلك، تغذّي الأسلحة الإيرانية حروباً في أفريقيا.

قد لا يأتي انتقال إيران من الثيوقراطية إلى الديمقراطية بسهولة، لكنّه أهمّ مفتاح لتغيير الشرق الأوسط، وفق "واشنطن بوست".

سقوط النظام الإيراني إذا ما حصل لا شكّ سينعكس خللاً في ميزان القوى في الإقليم، وأسئلة عديدة تُطرح عن اللاعب البديل لإيران في المنطقة ومن سيملأ الفراغ، وماذا سيحلّ بجماعاتها التي تعتمد بشكل أساسي على النظام في السياسة والاقتصاد والعسكر والأمن، إلا أن ممّا لا شكّ فيه أن سقوط النظام الإيراني سيعني صفحةً جديدة في تاريخ المنطقة وشعوب رفعت شعار "التحرّر من الاحتلال الإيراني".
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم