قتل أكثر من 3000 شخص في جنوب شرق تركيا وفي سوريا المجاورة، إثر زلزال عنيف بلغت قوته 7,8 درجات تلاه بعد ساعات قليلة زلزال آخر بلغت قوته 7,5 درجات وشعر بهما سكان غرينلاند والدانمارك، فيما يعوق الطقس البارد وحلول الظلام عمليات الإنقاذ.
ولا تكفّ الحصيلة عن الارتفاع، إذ لا يزال عدد كبير جداً من الأشخاص تحت الأنقاض. كذلك، يصعّب تساقط الأمطار والثلوج وانخفاض درجات الحرارة مع حلول الظلام مساء الاثنين، جهود المنقذين ووضع الأشخاص الذين شرّدوا بسبب الزلزال.
في ظلّ هذه الظروف، توقّعت منظمة الصحة العالمية أن تكون الحصيلة النهائية أكبر بكثير من الأرقام غير النهائية المعلنة. وقالت مديرة الحالات الطارئة في المكتب الأوروبي لمنظمة الصحة العالمية كاثرين سمولوود "هناك احتمال مستمر لانهيارات إضافية وغالباً ما نرى أرقاماً أعلى بثماني مرات من الأرقام الأولية".
وقع الزلزال الأول في الساعة 4,17 (01,17 بتوقيت غرينتش) على عمق نحو 17,9 كيلومتراً وفق المعهد الأميركي للمسح الجيولوجي وكان مركزه في منطقة بازارجيك في محافظة كهرمان مرعش التركية (جنوب شرق) على مسافة 60 كيلومتراً من الحدود السورية.
وأعقبت ذلك عشرات الهزات الارتدادية، قبل أن يضرب زلزال جديد بقوة 7,5 درجات في الساعة 10,24 بتوقيت غرينتش جنوب شرق تركيا على مسافة أربعة كيلومترات من مدينة إكينوزو.
بأعجوبة
داخل مستشفى في شمال غرب سوريا، يروي أسامة عبد الحميد وهو من سكان بلدة حدودية مع تركيا، "أيقظت زوجتي واصطحبنا أولادنا وركضنا باتجاه باب المنزل في الطابق الثالث، وما أن فتحنا الباب حتى سقطت البناية كلها". لقد نجا وعائلته بأعجوبة.
في أنحاء سوريا، قُتل 1300 على الأقل في حصيلة جديدة غير نهائية، وفق ما أعلنت وزارة الصحة السورية وفرق إغاثة. وأعلنت وزارة الصحة السورية ارتفاع عدد القتلى الى 570 وإصابة 1403 آخرين. أما في مناطق الشمال السوري الخارجة عن سيطرة دمشق، أوردت منظمة "الخوذ البيض" (الدفاع المدني في مناطق سيطرة الفصائل) ارتفاع عدد القتلى إلى 430 شخصاً وإصابة أكثر من ألف آخرين.
أما في تركيا، فقد أسفر الزلزال عن مقتل 1762 شخصاً وإصابة 11 ألفا على الأقل بجروح، وفق ما أفادت الهيئة التركية لإدارة الكوارث، مع تسجيل انهيار 3471 مبنى.
وفي شانلي أورفا في جنوب شرق تركيا، كان عشرات المسعفين يحاولون مساء الاثنين إخراج ناجين من بين أنقاض مبنى مؤلف من سبع طبقات منهار.
ويقول عمر الجنيد وهو طالب سوري يبلغ 20 عاما يسكن على مقربة من المكان ويتابع من كثب عمليات الإغاثة:"هناك عائلة أعرفها تحت الأنقاض".
وكان في الإمكان رؤية المشاهد نفسها خلال النهار في مدينة ديار بكر الكبرى ذات الغالبية الكردية والواقعة في جنوب شرق تركيا.
وروى محيي الدين أوراكشي واقفا أمام أحد المباني المدمّرة في ديار بكر في انتظار عمليات الإغاثة صباحاً "شقيقتي وأطفالها الثلاثة وزوجها ووالداه تحت الأنقاض. سبعة من أفراد أسرتنا تحت الأنقاض".
ويتوقّع أن تتغيّر الحصيلة بسرعة نظراً إلى عدد المباني المنهارة في المدن المتضررة، مثل أضنة وغازي عنتاب وشانلي أورفا وديار بكر خصوصاً. وفي إسكندرون وأديامان، انهارت مستشفيات حكومية جراء الزلزال.
"كأنه نهاية العالم"
تُعدّ هذه الهزّة الأشدّ في تركيا منذ زلزال 17 آب 1999، الذي تسبّب في مقتل 17 ألف شخص، بينهم ألف في اسطنبول.
وفي كهرمان مرعش، قالت ميليسا سلمان وهي صحافية محلية تبلغ من العمر 23 عاماً، "أنا معتادة على الزلازل، لكن هذه هي المرة الأولى التي أرى فيها شيئاً كهذا. اعتقدنا أنها كانت نهاية العالم".
وتشل الأحوال الجوية في هذه المنطقة الجبلية المطارات الرئيسية حول دياربكر وملطية مع تواصل تساقط الثلوج بكثافة.
وفي سوريا، تسبب الزلزال في مشاهد ذعر، مع خروج السكان من المناطق المتضررة سيراً أو بالسيارات، رغم الأمطار الغزيرة، وكذلك في لبنان حيث شعر السكان بهزات قوية.
وفي حماة (وسط غرب) كان رجال الإنقاذ والمدنيون ينتشلون بأيديهم وبمساعدة الآليات الثقيلة جثث الضحايا من تحت الأنقاض، بما في ذلك جثة طفل، بحسب ما أفادت وكالة الصحافة الفرنسية.
وقال علاء الشاكر منسّق إدارة الكوارث في الهلال الأحمر العربي السوري في حماة :"تلقّينا تقارير عن انهيار مبنى من سبعة طوابق، حيث يسكن بين 100 و150 شخصاً. عثرنا على 40 إلى 45 شخصاً. هناك تقارير عن مقتل بين 15 و25 شخصاً".
وفي جينديريس (شمال غرب)، كان رجل يبكي منهارا وهو يحمل بين ذراعيه جثة ابنه الصغير الذي قتل في الزلزال.
بايدن، شي، بوتين...
ودعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى الوحدة الوطنية.
وكتب على تويتر "نأمل في أن نخرج من هذه الكارثة معاً بأسرع ما يمكن وبأقل أضرار ممكنة"، مشيراً إلى أن تركيا تلّقت مساعدة من 45 دولة. وأعلن أردوغان حداداً وطنياً لسبعة أيام في البلاد.
من جهته، بدأ الاتحاد الأوروبي الذي عرضت الكثير من دوله الأعضاء تقديم المساعدة لسكان المناطق المنكوبة، إرسال فرق إغاثة.
وتوالت التعازي من أنحاء العالم، من الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جينبينغ، مروراً بالبابا فرنسيس الذي قال إنّه "حزين للغاية"، فضلاً عن عروض المساعدات الإنسانية والطبية.
كذلك، تعهّدت اليونان خصوصاً بـ"توفير... كلّ قواتها لمساعدة الجارة تركيا"، التي تربطها بها علاقات متوترة.
وأعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أنه "وافق" على إرسال مساعدة إلى سوريا، بعد تلقي طلبٍ من دمشق عبر قنوات "ديبلوماسية"، فيما نفت دمشق ذلك.
من جهته، كتب المفوض الأوروبي المكلف إدارة الأزمات يانيش لينارسيتش في تغريدة "إثر الزلزال الذي وقع في تركيا فعلّنا آلية الدفاع المدني في الاتحاد الأوروبي (...) وتوجهت فرق من هولندا ورومانيا".
قلعة حلب
في حلب، ثاني مدن سوريا، بقيت عشرات العائلات منذ وقوع الزلزال فجراً في الحدائق العامة رغم تساقط أمطار غزيرة، خشية حصول هزات ارتدادية.
وتضرّرت قلعة حلب وعدد من المواقع الأثرية الأخرى، وفقاً للمديرية العامة للآثار والمتاحف.
وشعر سكان لبنان وقبرص أيضا بالزلزال، وكذلك في كردستان العراق في شمال البلاد في أربيل، لكن لم ترد أنباء عن وقوع إصابات.
بدورهم، شعر سكان في مناطق بعيدة مثل غرينلاند بالهزات الناجمة عن الزلزال القوي، على ما أعلن المعهد الجيولوجي الدانماركي.