النهار

"قنبلة موقوتة"... ماذا يحصل في أوزبكستان؟
جورج عيسى
المصدر: "النهار"
وسط غزو أوكرانيا، تتوجّه الأنظار إلى أزمة ثانية قريبة من روسيا.
"قنبلة موقوتة"... ماذا يحصل في أوزبكستان؟
الرئيس الأوزبكي شوكت ميرزيوييف، أرشيف - عن الرئاسة الأوزبكية
A+   A-

"قنبلة موقوتة" وانفجرت. لكنّ انفجارها كان محدوداً هذه المرة، بحسب توصيف الكاتب السياسي في موقع "ريسبونسيبل ستايتكرافت" أناتول ليفن. بالنسبة إليه، ما حصل في جمهورية قرقل باغستان الأوزبكية تذكير بخطورة "القنابل الموقوتة" التي تتركها الإمبراطوريات المنهارة وآخرها الاتحاد السوفياتي.

في الأول من تموز، اندلعت تظاهرات في تلك الجمهورية بعدما اقترح الرئيس الأوزبكي شوكت ميرزيوييف تعديلات دستورية تقضي بسحب حق قرقل باغستان بالانفصال عن أوزبكستان. وأعلنت السبت حالة طوارئ لمدة شهر في الجمهورية الواقعة غربي البلاد والتي زارها ميرزيوييف مرتين منذ بدء الاضطرابات التي تسببت بمقتل ما لا يقل عن 18 مواطناً وبجرح أكثر من مئتين.

 

عن التعديلات الدستورية

تعهّد ميرزيوييف سحب التعديلات المتعلّقة بالوضع القانونيّ للجمهورية والمدرجة ضمن مقترحات أوسع ستشهد البلاد استفتاء بشأنها في المرحلة المقبلة. وتم اقتراح إلغاء توصيف الجمهورية بـ"السيّدة" وإلغاء حقّها بالانفصال (مع الاحتفاظ باستقلالها الذاتي) في 27 حزيران. بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، اتّفقت السلطات الأوزبكية كما القرقل باغية سنة 1993 على حق تنظيم استفتاء الانفصال بعد عشرين عاماً. لكنّ ذلك لم يحصل لجملة أسباب محتملة منها عدم اهتمام سكّان الجمهورية بذلك والقيود التي فرضها الرئيس السابق إسلام كريموف على مروّجي النزعة الاستقلالية.

من المتوقع أن تعيد التعديلات ضبط حساب ولاية ميرزيوييف والسماح له بالترشح لولايتين إضافيتين بدءاً من سنة 2026. وصل ميرزيوييف إلى الحكم سنة 2016. مدة الولاية الرئاسية في البلاد خمسة أعوام وقد تصبح سبعة إذا أقرت التعديلات. بذلك، قد يحكم ميرزيوييف حتى سنة 2040.

تنصّ المادة الأولى من دستور قرقل باغتسان على أنّ الأخيرة "جمهورية ديموقراطية سيدة وتشكّل جزءاً من جمهورية أوزبكستان". وتشير إلى أنّ العلاقة بين الجمهوريّتين تنظّمها المعاهدات والاتفاقات ضمن إطار دستور جمهورية أوزبكستان. وتنصّ أيضاً على حقّ الجمهورية بالانفصال عن أوزبكستان بناء على استفتاء ينظمه سكان قرقل باغستان. لكنّ تلك الجمهورية غير قابلة للتجزئة وفقاً للمادة الثالثة من دستورها. وللجمهورية أيضاً شعارها وعلمها ونشيدها الخاص.

 

"أوزبكستان الجديدة"

ذكرت السلطات الإقليمية أنّ "منظمي أعمال الشغب" قد حشدوا المواطنين قرب مجمع المباني الإدارية في عاصة الجمهورية نكوص وحاولوا السيطرة على مؤسسات الدولة "وبالتالي تقسيم المجتمع وزعزعة الوضع السوسيوسياسي في أوزبكستان". وأضاف البيان أنّ القوى الأمنية أوقفت تلك الأعمال وألقت القبض على أكثر من 500 متظاهر قبل أن تطلق سراح معظمهم وفقاً للمكتب الإعلامي للحرس الوطني.

 

اقترح الرئيس الأوزبكي التعديلات الدستورية ضمن رؤيته لـ"أوزبكستان الجديدة". لذلك حين تراجع عن فكرة سحب حقّ الانفصال، قال "إننا سنبني حتماً أوزبكستان الجديدة وقرقل باغستان الجديدة معاً. جميع إصلاحاتنا ونقاشاتنا في هذا المجال يجب أن تتم على أساس الديموقراطية والمعيار القانوني، من دون شك". وأضاف: "في الوقت نفسه، سيتمّ اتخاذ إجراءات صارمة ضمن القانون بحق أي شخص يحاول زعزعة السلام والهدوء والسلامة العامة".

 

"سوء فهم" لدى طشقند

يعيش في قرقل باغستان التي تغطي مساحة 40% من الأراضي الأوزبكية نحو مليوني شخص ينقسمون إلى ثلاث أقليات كبيرة: القرقل باغ (32%) والأوزبيك (33%) والقازاغ (28%). وتعدّ القرقل باغية والأوزبكية اللغتين الرسميتين للجمهورية. ما يجمع هذه الأقليات وغيرها هو النقص الكبير في البنى التحتية والحرمان الاقتصادي على الرغم من تمتّع المنطقة ببعض الثروات الطبيعية وفي مقدمتها الذهب واليورانيوم. وفاقم جفاف بحر آرال مشكلة الجمهورية التي تعتمد بشكل أساسي على الزراعة كما يوضح جوليانو بيفولشي في موقع "سبيشل أوراسيا".

 
 

من هنا، يرى المستشار والكاتب السياسي في مجلة "ذا ديبلومات" إيلدار دامينوف أنّ التظاهرات بيّنت حجم سوء الفهم لدى المسؤولين الأوزبيك للإطار المحلي السائد في قرقل باغستان. إذ لو تحسّنت الأحوال المعيشية لسكان الجمهورية في السنوات السابقة، لربما أبدى هؤلاء عدوانية أقل تجاه التعديلات الدستوريّة المقترحة. وثمّة عوامل أخرى قد تقف خلف سحب حق الانفصال من جمهورية قرقل باغتسان. تخشى العاصمة طشقند من أن تستخدم السلطات المحلية ورقة الانفصال كضغط مستقبلي أو رافعة ضدها في العلاقات الثنائيّة.

لكن بعكس دامينوف الذي يرى أنّ قضيّة الانفصال كانت منسيّة إلى حدّ بعيد في عهد الرئيس السابق إسلام كريموف، يشير بيفولشي إلى أنّ الأخير هدّد بتعليق المشانق لمناصري الانفصال. لهذا السبب، سعى قادة "ألغا قرقل باغستان" إلى طلب الحماية من السلطات القرغيزية خوفاً من الاختطاف على يد القوات الأوزبكية الخاصة. لكنّ مراقبين آخرين يرون أنّ تلك الحركة ظلّت إلى حدّ بعيد محصورة في الفضاء الإلكترونيّ. ويضيف بيفولشي أنّ اتجاهات المطالبة بالاستقلال عاودت الظهور مجدداً في 2021 بسبب قرار القيادة الأوزبكية استخدام الكتابة القرقل باغية للأحرف اللاتينية من دون الأخذ برأي سكان الجمهورية.

 

طموح واقعيّ؟

يكتنف سعي الجمهوريّة إلى الاستقلال غموض كبير. هل ستوافق جميع الأقليات وخصوصاً الأوزبكية على الانفصال عن الوطن الأم؟ في حديث إلى وكالة "رويترز"، تخوّف السياسيّ المعارض الذي يعيش في المنفى بولات أهونوف من تحوّل التوتّر الحاليّ إلى نزاع إثنيّ بين الأوزبيك والقرقل باغ. هذا قبل الحديث عن أيّ استقلال مستقبليّ.

 

لقد تمّ نقل قرقل باغستان من جمهورية إلى أخرى مرات عدة خلال الحقبة السوفياتية بسبب ضآلة عدد القرقل باغ والتنوّع الإثنيّ في الإقليم كما يوضح ليفن. بالفعل، على الرغم من كبر مساحة الجمهورية بالنسبة إلى كامل مساحة أوزبكستان (ومعظمها قاحل)، لا يمثّل سكانها سوى 5% من إجمالي عدد سكان البلاد. من جهة ثانية، ليس للإقليم القدرة الاقتصادية والسياسيّ للصمود وفقاً لبيفولشي مع أنّه يتوقّع أن تتّخذ المطالبة بالاستقلال زخماً أكبر لو حصلت على دعم من قازاقستان وحتى من أنقرة التي تحمل استراتيجية جامعة للأقليات التركية في المنطقة. وتنتمي لغة القرقل باغ إلى إحدى فروع العائلة التركية وهي تعدّ أقرب إلى اللغة القازاقية من الأوزبكية.

لكن إلى أي مدى قد تخاطر قازاقستان وتركيا بزعزعة الاستقرار في الحديقة الخلفية لروسيا وسط النزاع الحالي مع أوكرانيا؟ من شبه المستحيل أن تردّ قازاقستان "جميل" روسيا حين أعادت الاستقرار إليها بعد اضطرابات كانون الثاني، عبر تحفيز قرقل باغتسان على الانفصال عن أوزبكستان. لكن مع تركيا الساعية إلى نفوذ أكبر في تلك المنطقة، قد يختلف الوضع. معرفة وجود نيّة تركيّة كهذه من عدمه مثيرة للاهتمام.  

 

اقرأ في النهار Premium