دان الرئيس البرازيلي لويز إيناسيو لولا دا سيلفا، الأحد، اقتحام "مخرّبين فاشيّين" مقارّ الكونغرس والمحكمة العليا وقصر بلانالتو الرئاسي في برازيليا، وهو هجوم أثار أيضاً سلسلة مواقف دوليّة مندّدة.
واقتحم مئات من مناصري الرئيس البرازيلي السابق اليميني المتطرّف جايير بولسونارو الأحد تلك المقارّ، بعد أسبوع على تنصيب لولا رئيساً للبلاد.
وقال لولا: "سنجدهم كلّهم وسيُعاقَبون جميعاً"، مشدّداً على أنّ "الديموقراطيّة تضمن حرّية التعبير، لكنّها تتطلّب أيضاً احترام المؤسّسات". كذلك، أصدر مرسوماً يقضي بـ"تدخّل اتّحادي" للقوى الأمنيّة بغية استعادة السيطرة على أمن العاصمة.
وتابع لولا: "ما فعله هؤلاء المخرّبون، هؤلاء الفاشيّون المتعصّبون... لم يسبق له مثيل في تاريخ بلادنا. أولئك الذين موّلوا (هذه الاحتجاجات) سيدفعون ثمن هذه الأعمال غير المسؤولة وغير الديموقراطيّة".
ومرسوم "التدخّل الاتّحادي" الذي أصدره لولا يُمكّن الدولة من السيطرة على قيادة قوّات الأمن التي عادةً ما تكون تحت مسؤوليّة السلطات المحلّية.
ويضع هذا المرسوم جميع القوى الأمنيّة في برازيليا تحت سيطرة شخص عيّنه لولا، هو ريكاردو غارسيا كابيلي الذي يقدّم تقاريره مباشرةً إلى الرئيس ويمكنه اللجوء إلى "أيّ هيئة، مدنيّة كانت أم عسكريّة" من أجل حفظ النظام.
واعتُقِل 150 شخصاً على الأقلّ من أنصار بولسونارو، بعد اقتحام مقارّ السلطات الرئيسيّة ونهبها، وفقاً لوسائل إعلام عدّة.
وأظهرت صور لقناة "سي أن أن البرازيل" مؤيّدين لبولسونارو يرتدون ملابس صفراء وخضراء، يخرجون صفّاً واحداً وأيديهم خلف ظهورهم من قصر بلانالتو الرئاسي، ويُحيط بهم عناصر الشرطة. وتُظهر صور أخرى حافلة مليئة بمتظاهرين معتقلين تُغادر باتّجاه مركز للشرطة.
وأعلنت شرطة مجلس الشيوخ من جهتها، أنّها اعتقلت 30 شخصاً مِمّن اقتحموا مبنى الكونغرس.
وبحلول الليل في العاصمة البرازيليّة، بدا أنّ القوات الأمنيّة تستعيد تدريجاً السيطرة على الوضع، وقد استخدمت خراطيم المياه لإبعاد المتظاهرين.
وأخلت الشرطة البرازيليّة مقرّ الكونغرس الوطني الأحد، بعد ساعات عدّة على اقتحامه من جانب مئات من أنصار بولسونارو، بحسب صحافيّين في وكالة "فرانس برس".
وتفقّد الرئيس لولا القصر الرئاسي والمحكمة العليا فور عودته إلى برازيليا، وفقًا لمشاهد بثّتها قناة "غلوبو".
وكان الرئيس اليساري قال، في خطاب ألقاه بولاية ساو باولو، إنّ سلفه اليميني المتطرّف هو من "شجّع المخرّبين الفاشيّين" على اقتحام مقارّ السلطات في برازيليا.
من جهته، دان بولسونارو "اقتحام ونهب مبانٍ عامّة" الأحد، لكنه رفض اتّهامات لولا له بأنّه هو من حرّض على اقتحام مقارّ السلطة في برازيليا، معتبرًا أن هذه الاتّهامات "لا أساس لها". كما دافع بولسونارو عبر تويتر عن الحقّ في تنظيم "احتجاجات سلميّة".
وقد قدّم حاكم مقاطعة برازيليا الفدرالية، إيبانييس روشا، حليف بولسونارو، اعتذاراته للرئيس لولا في مقطع فيديو. ووصف المسؤولين عن نهب المباني العامة بأنهم "مخربون حقيقيون" و"إرهابيون حقيقيون".
وقال: "كنا نراقب كل هذه التحركات مع وزير (العدل) فلافيو دينو... لم نعتقد في أي وقت أن هذه التظاهرات ستتخذ أبعادا كهذه".
ونأى حلفاء آخرون لبولسونارو بأنفسهم عن هذا العنف، بمن فيهم فالديمار كوستا نيتو، رئيس حزب بولسونارو. وأعرب كوستا نيتو عن أسفه لهذا "اليوم الحزين للأمة البرازيلية".
وكان مدّ بشري من المتظاهرين الذين ارتدوا الأصفر والأخضر قد هاجموا مرافق السلطة الرئيسية للبلاد في برازيليا كما أفاد مراسلو وكالة "فرانس برس" وهي صور تُذكّر باقتحام مناصري الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب مبنى الكونغرس في واشنطن في كانون الثاني 2021.
بحسب أشرطة فيديو نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن رؤية مكاتب البرلمانيين محطمة أو متظاهرين واقفين على مقاعد مجلس الشيوخ.
يبدو أن الأضرار كبيرة في هذه المباني التي تعتبر تحفا معمارية من الطراز الحديث وتضم الكثير من الأعمال الفنية.
المنطقة القريبة من ساحة السلطات الثلاث حيث يوجد قصر بلانالتو الرئاسي قرب المحكمة العليا ومبنى الكونغرس، كانت أغلقتها السلطات لكن أنصار بولسونارو تمكنوا من خرق الطوق الأمني.
حاول الشرطيون الذين يبدو أن هذا التحرك باغتهم، صدهم في بادئ الأمر عبر إطلاق الغاز المسيل للدموع لكن بدون جدوى.
وقال وزير العدل والأمن العام فلافيو دينو، عبر "تويتر"، إنّ "هذه المحاولة العبثية لفرض إرادة بالقوة لن تسود. حكومة المقاطعة الفدرالية (برازيليا) سترسل تعزيزات والقوات التي لدينا تتحرك".
وكان دينو سمح السبت بنشر عناصر من القوة الوطنية وهي قوة شرطة خاصة ترسل أحيانا إلى الولايات في حال حصول تهديد ضد القانون والأمن.
وفي ردود الفعل الدولية، وصف الرئيس الأميركي جو بايدن الهجوم الذي شنّه مؤيّدون لبولسونارو بأنه "شائن".
وكتب وزير خارجيته أنتوني بلينكن عبر "تويتر": "استخدام العنف لمهاجمة المؤسسات الديموقراطية يبقى على الدوام أمراً غير مقبول".
كما دان مسؤولون في الاتحاد الأوروبي اقتحام المؤسسات السياسية في برازيليا، معربين عن "دعمهم الكامل" للرئيس لولا.
من جهته، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأحد إلى "احترام المؤسّسات الديموقراطيّة" في البرازيل، مشدّداً على "دعم فرنسا الثابت" للرئيس لولا.
وندّد نواب فرنسيون من معسكر الرئيس ومن المعارضة اليسارية بـ"هجمات اليمين المتطرف" في البرازيل وعبروا عن دعمهم للولا.
طلب تدخّل عسكري
قالت سارة ليما (27 عاماً)، وهي مهندسة مؤيدة لبولسونارو جاءت من جويانيزيا على بعد 300 كيلومتر من برازيليا، لمراسل "فرانس برس": "علينا إعادة النظام بعد هذه الانتخابات المزورة".
وكان لولا (77 عاماً) غائباً عن برازيليا الأحد حيث توجه إلى مدينة أراراكوارا في ولاية ساو باولو (جنوب شرق) التي شهدت فيضانات مدمرة في نهاية العام.
وكان أنصار بولسونارو يتظاهرون أمام ثكنات عسكرية منذ هزيمة الرئيس اليميني المتطرف أمام لولا في 30 تشرين الأول.
وكانوا يطالبون بتدخل الجيش لمنع لولا من تولي السلطة للمرة الثالثة بعدما أدى اليمين الدستورية أمام الكونغرس الأحد الماضي.
ونُصِّب لولا خلال حفل في الكونغرس أدى خلاله اليمين الدستورية، بعد 12 عامًا من ترك السلطة بعد ولايتين رئاسيتين (2003-2010). وشكّلت عودته إلى قصر بلانالتو خطوة استثنائية، خصوصاً أنّه كان قابعا في السجن قبل أربع سنوات فقط لاتهامه بالفساد.
وترأس الجمعة اجتماعاً لوزرائه الـ37 للمرة الأولى متحدثا عن "مهمة صعبة" لكن "نبيلة" لـ"إعادة بناء البلاد" بعد أربع سنوات من حكم بولسونارو.
وتبدو مهمة الوزراء الجدد صعبة في بلد منقسم بشدة بعد انتخابات شهدت استقطابا شديدا وأفضت إلى فوز لولا بفارق ضئيل على بولسونارو.
وغادر بولسونارو الذي هزمه لولا بفارق ضئيل في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية في 30 تشرين الأول، البرازيل في نهاية السنة متوجّهاً إلى ولاية فلوريدا التي يقيم فيها ترامب حاليّاً.
وأكّدت الصّين معارضتها بشدّة "الهجوم العنيف على مقار السّلطة في البرازيل التي اقتحمها الأحد أنصار الرئيس السابق اليميني المتطرّف جايير بولسونارو"، وفق ما أعلن متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية.
وقال المتحدث وانغ وينبين في إحاطته الإعلامية الدورية إنّ "الصّين تتابع عن كثب وتعارض بشدّة الهجوم العنيف ضدّ السّلطات الفدرالية في البرازيل في الثامن من كانون الثاني"، مضيفاً أنّ بكين "تدعم التدابير التي اتّخذتها الحكومة البرازيلية لتهدئة الوضع وإحلال النظام الاجتماعي وصون الاستقرار الوطني".