يعثر عمال الإنقاذ على مزيد من الناجين تحت الأنقاض رغم تضاؤل الأمل، بعد 3 أيام من الزلزال المروّع الذي ضرب تركيا وسوريا، وواصل عدد ضحاياه الارتفاع ليتجاوز 17 ألف قتيل، في وقت أجبرت الانتقادات المتزايدة في تركيا الرئيس رجب طيب إردوغان على الاعتراف بـ"ثغرات" في استجابة الحكومة.
وتعذّر الدخول إلى "تويتر" عبر مزوّدي خدمات الهاتف المحمول الرئيسيين في تركيا الأربعاء، وسط انتقادات متزايدة عبر الإنترنت لإدارة هذه المأساة من قبل السلطات.
وفي أجواء البرد القارس، يواصل عناصر الإغاثة سباقهم مع الزمن لمحاولة إنقاذ ناجين من الزلزال الذي بلغت قوته 7,8 درجات وضرب فجر الاثنين جنوب شرق تركيا وسوريا المجاورة وتلته هزّات ارتدادية.
ويُعقّد سوء الأحوال الجوية عمليات الإنقاذ، فيما أن الساعات الـ72 الأولى "حاسمة" للعثور على ناجين، بحسب رئيس الهلال الأحمر التركي كرم كينيك.
في محافظة هاتاي التركية (جنوب) التي تضررت بشدة من الزلزال، تم إخراج أطفال وفتية من تحت أنقاض أحد المباني.
وقال أحد عمال الانقاذ، ألبرين سيتينكايانوس، لوكالة "فرانس برس": "فجأة سمعنا أصوات وبفضل الحفارة تمكّنا على الفور من سماع ثلاثة اشخاص في وقت واحد".
وأضاف: "نتوقع وجود المزيد... إنّ فرص إخراج الناس أحياء من هنا عالية للغاية".
في هذه المحافظة، لحق بمدينة انطاكية دمار هائل وغرقت في سحابة كثيفة من الغبار بسبب الآليات العاملة في إزالة الأنقاض.
ويقول السكان "أنطاكيا انتهت". وعلى مد النظر، مبان منهارة كليّاً أو جزئيّاً. وحتى تلك الصامدة تبدو متصدعة ولا يجرؤ أحد على البقاء فيها.
وتجاوزت حصيلة الضحايا الإجمالية الرسمية في سوريا وتركيا 15 ألف قتيل، وحوالى 50 ألف جريح في تركيا وخمسة آلاف في سوريا.
"أين الدولة؟"
وأفاد مسؤولون أن 12,391 شخصاً لقوا مصرعهم في تركيا و2,992 في سوريا جراء الزلزال الذي ضرب في وقت مبكر الاثنين وبلغت قوته 7,8 درجات، ما يرفع الحصيلة الإجمالية للقتلى الى 15,383.
ولم تصل أي مساعدة أو عمال إنقاذ الثلثاء إلى مدينة كهرمان مرعش، المدمرة والمغطاة بالثلوج ويزيد عدد سكانها عن مليون نسمة.
وتساءل المتساكن علي "أين الدولة؟ أين هي؟... مر يومان ولم نر أحداً. تجمد الأطفال حتى الموت"، مؤكداً أنه ينتظر تعزيزات وما زال يأمل في رؤية شقيقه وابن أخيه العالقين تحت أنقاض المبنى الذي يقيمان فيه.
في أديامان وهي مدينة أخرى في جنوب تركيا، لا يوجد حتى الآن عناصر إنقاذ أو معدّات في بعض المناطق المنكوبة، وفق ما أشار صحافي في وكالة "فرانس برس". ويبذل المتطوّعون قصارى جهدهم لكنّ الغضب يتصاعد بين السكان.
من جهته، قال إردوغان الذي زار محافظة هاتاي الأكثر تضرراً والواقعة على الحدود السورية: "بالطبع هناك ثغرات، من المستحيل الاستعداد لكارثة كهذه".
وأضاف: "نشر بعض الأشخاص المضلِّلين وغير الشرفاء تصريحات كاذبة مثل (لم نرَ جنوداً أو شرطة)".
وجاء ذلك بعدما امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي التركية برسائل أشخاص يشكون من قلّة جهود الإنقاذ والبحث عن الضحايا في مناطقهم، خصوصاً في منطقة هاتاي.
وأوقفت الشرطة التركية حوالى عشرة أشخاص منذ حدوث الزلزال الإثنين، بسبب منشورات على شبكات التواصل الاجتماعي تنتقد طريقة إدارة الحكومة للكارثة.
وفي هذا السياق، تعذّر الدخول إلى "تويتر" الأربعاء. وأشار موقع مراقبة الوصول إلى الإنترنت "نتبلوكس" (netblocks.org) إلى أنّ الدخول إلى هذه الشبكة الاجتماعية كان مقيّداً "عبر عدد من مزوّدي خدمة الإنترنت في تركيا".
بدأت المساعدات الدولية منذ الثلثاء بالوصول إلى تركيا حيث تم اعلان حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر في المحافظات العشر المتضررة من الزلزال.
وعرضت عشرات الدول مساعدتها على أنقرة، من بينها دول من الاتحاد الأوروبي والخليج والولايات المتحدة والصين وأوكرانيا التي أرسلت رغم الغزو الروسي، 87 عامل إنقاذ.
"يموتون كل ثانية"
في سوريا، تم حتى الآن انتشال 2992 جثة من تحت الأنقاض، بحسب السلطات ومنظمة "الخوذ البيضاء"، الدفاع المدني في مناطق الشمال السوري الخارجة عن سيطرة دمشق والخاضعة لسيطرة الفصائل المعارضة.
من جهتها، قدرت منظمة الصحة العالمية أن يبلغ 23 مليونًا عدد المتضررين بالزلزال بينهم نحو خمسة ملايين من الأكثر ضعفًا".
في المناطق التي لم تصلها مساعدات، يشعر الناجون بالعزلة.
في جندريس، الخاضعة لفصائل المعارضة في سوريا، قال حسن، وهو أحد السكان الذي فضل عدم الكشف عن هويته: "حتى المباني التي لم تنهار تعرضت لأضرار بالغة".
وأضاف أنّ "هناك ما بين 400 و500 شخص عالقون تحت كل مبنى منهار، بينما يحاول عشرة أشخاص فقط إخراجهم. ولا توجد معدات".
وفي قرية بسنايا على الحدود مع تركيا، كان مالك إبراهيم يزيل الأنقاض بحثاً عن ثلاثين فرداً من عائلته، مدفونين جميعاً تحت الأنقاض. وتمكّن من انتشال عشر جثث.
وقال الرجل البالغ 40 عاماً والذي أشار إلى أنه أُجبر على مغادرة منزله قبل سنوات بسبب الحرب للجوء إلى إدلب: "ما زال هناك عشرون شخصاً تحت الأنقاض. ليس لدي كلمات، إنها كارثة. ذكرياتنا مدفونة معهم. نحن شعب منكوب بكل معنى الكلمة".
من جهتها، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين إنّه في هذه الظروف "بإمكان تركيا وسوريا الاعتماد على الاتحاد الأوروبي"، معلنة استضافة مؤتمر للمانحين مطلع آذار في بروكسل لجمع مساعدات دولية للدولتين.
وقال المنسّق المقيم للأمم المتحدة في سوريا المصطفى بن المليح في مقابلة مع وكالة" فرانس برس": "ندائي هو... ضعوا السياسة جانباً ودعونا نقوم بعملنا الإنساني"، مشدّداً على أنه "لا يمكننا تحمّل الانتظار والتفاوض. في الوقت الذي نتفاوض فيه، يكون قُضي الأمر".
في المناطق الخارجة عن سيطرة دمشق، ناشدت منظمة "الخوذ البيضاء" المجتمع الدولي إرسال مساعدات.
وقال المتحدث الإعلامي باسم المنظمة محمّد الشبلي لوكالة "فرانس برس": "هناك أناس يموتون كل ثانية تحت الأنقاض".
في حلب الخاضعة للسلطات الحكومية، تمكن جنود روس ليل الثلثاء الأربعاء من إخراج رجل كان عالقاً تحت الأنقاض، وفق وزارة الدفاع الروسية. وأنقذ الجنود الروس الذين يشارك 300 منهم في عمليات الإنقاذ، 42 شخصا منذ وقوع الزلزال، بحسب الجيش الروسي.
3 أيام على الزلزال... تضاؤل فرص الإنقاذ واستمرار البحث عن ناجين في ظروف قاسية
يواصل عمال الإنقاذ في تركيا وسوريا، اليوم، في أجواء البرد الشديد، جهودهم بحثاً عن ناجين تحت الأنقاض مع تضاؤل فرص إنقاذهم بعد مرور ثلاثة أيام على الزلزال الذي أودى بحياة أكثر من 16 ألف شخص.
وقال الباحث في الكوارث الطبيعية في جامعة "كوليدج اوف لندن" إيلان كيلمان إنّ الساعات الـ72 الأولى حاسمة للعثور على ناجين إذ يتم إنقاذ أكثر من 90 في المئة منهم في هذه المهلة.
وبينما تعمل الحفارات ليلاً نهاراً بلا توقُّف، يحول الانخفاض الجديد في درجات الحرارة، إلى جحيم الظروف المعيشية للناجين الذين ليس لديهم أي مكان يذهبون إليه.
وفي مدينة غازي عنتاب التركية المنكوبة (جنوب)، هبطت درجات الحرارة إلى 5 درجات مئوية دون الصفر في ساعة مبكرة من صباح الخميس.
ويقوم أحد عمال الإغاثة بالحفر للوصول إلى صبي علِق تحت الأنقاض في الثامن من شباط 2023 في كهرمان مرعش بتركيا، بعد يومين من وقوع زلزال قوي.
واستقبلت صالات للألعاب الرياضية ومساجد ومدارس ومتاجر ناجين خلال الليل. لكن عدد الأسرّة ضئيل جدّاً ويمضي آلاف الأشخاص لياليهم داخل سيارات أو في ملاجئ موقّتة.
وقال أحمد حسين، الأب لخمسة أولاد، إنّ "أطفالنا تجمدوا". وقد اضطر لبناء ملجأ بالقرب من منزله المدمر في غازي عنتاب القريبة من مركز الزلزال الذي بلغت قوته 7,8 درجات وضرب المنطقة الإثنين.
"إحراق مقاعد"
أضاف حسين: "كان علينا إحراق مقاعد الحديقة وحتى بعض ألبسة الأطفال إذ لم يكن هناك شيء آخر". وأضاف بتأثر: "كان بإمكانهم منحنا خياماً على الأقل"، في إشارة إلى السلطات التركية.
وفي مواجهة الانتقادات، اعترف الرئيس رجب طيب إردوغان أثناء تفقده المنطقة بوجود ثغرات. وقال: "بالطبع هناك أوجه قصور والاستعداد لكارثة من هذا النوع أمر مستحيل".
منذ وقوع الزلزال، اعتقلت الشرطة التركية حوالى 12 شخصاً بسبب منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تنتقد طريقة تعامل الحكومة مع الكارثة.
وقد تعذَّر فتح موقع "تويتر" لخدمات الهاتف المحمول التركية، ليل الأربعاء الخميس، قبل أن تعود الخدمة، على خلفية هذه الانتقادات.
في تركيا، قُتِل 12873 شخصاً حسب آخر حصيلة لضحايا الزلزال. ولقي 3356 شخصاً على الأقل مصرعهم في محافظة هاتاي وحدها.
وهذه أسوأ حصيلة منذ الزلزال الذي أودى بحياة 17 ألف شخص بينهم ألف في إسطنبول عام 1999.
وفي مرآب المستشفى الرئيسي في أنطاكية، تمرّ رانيا زعبوبي بين الجثث الممدّدة على الأسفلت. وفي الظلام والبرد، تفتح أكياس الجثث الواحد تلو الآخر بحثاً عن عمّها الذي فُقد في الزلزال القوي. وقالت بصوت مضطرب "وجدنا عمتي لكن ليس عمي".
وفقدت هذه اللاجئة السورية ثمانية من أفراد عائلتها في هذه المأساة.
ويقوم ناجون آخرون بفحص الجثث المصفوفة، ويبدو أحياناً أنّهم على وشك أن يغمى عليهم.
بُطء المساعدات في سوريا
حذّرت منظمة الصحة العالمية من أنّ عدد الذين تضرّروا بالزلزال قد يبلغ 23 مليون شخص، بما في ذلك في سوريا، بينهم نحو خمسة ملايين في وضع هش.
في سوريا، بلغت حصيلة الضحايا حتى الآن 3162 قتيلاً حسب السلطات السورية ورجال الإنقاذ في مناطق المعارضة.
وفي المناطق التي تأخَّر وصول المساعدات إليها، يشعر الناجون بأنهم مهملون. في جنديرس الواقعة في منطقة تسيطر عليها فصائل المعارضة في سوريا "حتى المباني التي لم يؤدِّ الزلزال إلى انهيارها أصيبت بأضرار بالغة"، على حد قول حسن أحد السكان، الذي طلب عدم ذكر اسم عائلته.
وأضاف أنّ "هناك بين 400 و500 شخص عالقون تحت كل مبنى منهار يحاول عشرة أشخاص فقط إخراجهم ولا تتوفر آليات".
في قرية بسنايا على الحدود مع تركيا، يزيل مالك إبراهيم الأنقاض بلا كلل بحثًا عن ثلاثين من أفراد عائلته عالقين تحت الأنقاض. وقد تم انتشال عشر جثث حتى الآن.
وقال هذا الرجل البالغ من العمر 40 عاماً: "هناك عشرون شخصاً عالقين تحت الأنقاض. ليست هناك كلمات تكفي... إنّها كارثة. ذكرياتنا دفنت معهم".
وأضاف: "نحن شعب منكوب بكل معنى الكلمة".