تؤشر أولى التظاهرات حول إصلاح نظام التقاعد في فرنسا، إلى تغير في عمليات حفظ الأمن مع انتشار أقل ظهورا للشرطة والدرك وحوار معزز مع النقابات وعنف محدود، على ما يفيد مراقبون يبدون في الوقت ذاته حذرا حيال ما سيحصل لاحقا.
ويواجه قائد الشرطة الجديد لوران نونيز أولى تظاهراته الكبيرة وستشكل إدارته لحشود المحتجين اختبارا بعد انتقادات شديدة على مدى سنوات لعمليات حفظ الأمن في العاصمة الفرنسية مع سقوط الكثير من الجرحى في صفوف المتظاهرين.
بعيد مغادرة قائد الشرطة السابق ديديه لالمان المعروف بنهجه المتشدد في هذا المجال، لمنصبه، حذر قائد الشرطة الجديد من أنه "لن تحصل إعادة نظر في إدارة عمليات حفظ النظام العام".
لكن على الأرض، يظهر تغير في النهج. أعداد عناصر الشرطة والدرك لا تزال هي نفسها وتناهز الأربعة آلاف، لكنها لم تعد تحكم طوقا متحركا، كما كان يحصل في الماضي، ما يخفض التوتر واحتمال حصول استفزازات.
الثلثاء الماضي، خلال يوم التعبئة الثالث، تمركز عناصر الشرطة والدرك على بعد شوارع عدة من الحشود. وأفادت إحدى صحافيات وكالة فرانس برس أن لا العناصر ولا آلياتهم كانوا ظاهرين في الشوارع المحاذية لموكب المحتجين.
لكن ما أن كانت واجهة متاجر تستهدف، كانت وحدة من قوات حفظ الأمن تهرع لمنع عمليات التخريب وتوقيف الفاعلين مستخدمة أحيانا غازات مسيلة للدموع لضمان انسحابها من دون تعرضها لهجوم.
وسمحت هذه الاستراتيجية حتى الآن باحتواء التجاوزات والحد من عدد الجرحى باستثناء رجل تعرض لإصابة خطرة في اعضائه التناسلية من ضربة عصا في 19 كانون الثاني.
وقال مسؤول كبير في قيادة الشرطة إنه عند تفرق التظاهرات "في عهد قائد الشرطة السابق كان يحصل أن نهاجم المتظاهرين من دون أي سبب. لكن المدير الحالي أكثر هدوءا".
- "سبب بسيط يكفي" -
إلا ان الناطقة باسم قائد الشرطة لبنى عطا تقول إن "أجواء 2023 مختلفة عن 2019 و2020 أو 2021 مع السترات الصفر الذين كانوا ينطلقون في مواكب عشوائية وكان ينبغي الإحاطة بهم بطريقة صارمة" في إشارة إلى حركة الاحتجاج الشعبية التي هزت فرنسا في تلك السنوات.
وشدد شرطي باريسي على أن "المشكلة مع السترات الصفر كانت أن كل المشاركين كان يحتمل ان يكونوا عدائين. لم تكن التظاهرات تضم كتلة سوداء (محتجون عنيفون) وجزء نقابي. هنا في مركز القيادة يعرفون تقريبا أين يتواجد كل مجموعة من الأفراد".
وتشكل النقابات جبهة موحدة رافضة لمشروع إصلاح نظام التقاعد المدفوع من الرئيس إيمانويل ماكرون وينص خصوصا على رفع سن التقاعد القانونية من 62 إلى 64 عاما، مع إضرابات ودعوت للتظاهر في أرجاء البلاد.
لكن رغم هذه الأجواء الصعبة، يتسم الحوار مع المسؤولين النقابين بمزيد من الهدوء أيضا.
فالاجتماع التحضيري للتظاهرات "أصبح أقل توترا" على ما أفاد مسؤول في نقابة "القوة العاملة" (FO).
وأوضح أن "ضباط الارتباط" المكلفين إدارة العلاقة بين موكب المتظاهرين وغرفة القيادة "يبقون إلى جانبنا طوال مدة التظاهرة". في 31 كانون الثاني أبلغهم عناصر الأمن أن حوادث بدأت تندلع في الساحة التي كان يفترض أن تصل إليها التظاهرة. وقال المسؤول النقابي "طلبنا عندها من المتظاهرين العودة ادراجهم. هذه المعلومات مهمة جدا لتجنب الجرحى".
لكن هذا لا يحول دون وقوع بعض اشتباكات. فالثلثاء كان جهاز الانضباط النقابي المحيط بمقدم التظاهرة، هدفا جانبيا لهجوم للشرطة التي اشتبكت مع الكتلة السوداء (بلاك بلوك: مشاركون يرتدون الأسود ويعتمرون خوذات ويميلون إلى التخريب والشغب).
ويبدو أن هؤلاء الناشطين العنيفين لم ينجحوا بعد في حرف المسيرات الاحتجاجية عن مسارها السلمي.
لكن قد يتغير الوضع على ما يفيد فابيان جوبار عالم الاجتماع المتخصص بشؤون الشرطة. ورأى أنه في حال شعر المتظاهرون أن تظاهرهم مفيد لتعطيل مشروع الإصلاح "قد يؤدي ذلك إلى تشديد حركتهم وقد يفلت جزء منه من إشراف النقابات".
وأشار الشرطي الباريسي نفسه "مهمة حفظ النظام معقدة فعلا فيكفي سبب بسيط لكي يشتعل الوضع".
ففي 24 كانون الأول بعد إشارة بدرت عن سائق شاحنة صغيرة فسرتها الحشود على أنها استفزاز، تحول تجمع تكريمي لثلاثة أكراد قتلوا في باريس إلى مواجهة بين المتظاهرين والقوى الأمنية.