قد تكون المحادثات الأميركية-الإيرانية غير المباشرة قريبة من إعادة إحياء الاتفاق النووي، أو على الأقل أكثر قرباً مما كانت عليه في الأسابيع القليلة الماضية. قدّم الاتحاد الأوروبي نصاً "نهائياً" بانتظار موافقة الأطراف الفاعلة. "ما يمكن أن يتم التفاوض عليه تمّ التفاوض عليه، والآن إنه في نص نهائي"، غرّد الممثل الأعلى للسياسة الخارجية الأوروبية جوزيب بوريل يوم الاثنين. وكان بوريل قد أعلن عن مقترحه في مقال سابق نشرته صحيفة "فايننشال تايمس" البريطانية في 26 تموز الماضي. ويوم الثلاثاء، قال المتحدث باسم بوريل بيتر سانو إنّه "لم يعد هنالك مجال للمفاوضات". وأضاف منتظراً الردّ على النص "بسرعة كبيرة": "إنها لحظة اتخاذ القرار: نعم أم لا".
قضية شطب الحرس الثوري عن قائمة الإرهاب والتي عرقلت المفاوضات إلى حدّ كبير تخلّت إيران عنها منذ شهرين. تبقى قضيّة أخرى عالقة وهي قبول الأميركيين والأطراف الأخرى الموقعة على الاتفاق بإقفال قضية آثار اليورانيوم التي تم العثور عليها في ثلاث منشآت نووية. قال رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي إنّ هذه القضية أغلقت سنة 2015 بموجب الاتفاق الأساسي ولن تقبل طهران بإعادة فتحها مجدداً. ويبدو أنّ آثار اليورانيوم ترتبط بـ"أبعاد عسكرية محتملة" للبرنامج الإيراني قبل التوصل إلى الاتفاق. فهل تقف هذه القضيّة حجر عثرة أمام إحياء الاتفاق؟
مكاسب مرجّحة لبايدن
أمام الطرفين دوافع لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة. وخلال الأيام الماضية، كثرت التصريحات المتفائلة بإمكانية إنهاء ماراثون المفاوضات بنجاح. الموفد الروسي في فيينا ميخائيل أوليانوف قال الأحد إنّ المشاركين يقفون "على بعد خمس دقائق أو خمس ثوانٍ من خط النهاية". الخبير في السياسة النووية والمستشار السابق لإدارة أوباما خلال المفاوضات جوزف سيرينسيونه رأى أنّ العالم هو في اللحظة الأقرب إلى الاتفاق منذ أيار 2021 قبل تعليق المفاوضات بفعل الانتخابات الإيرانية. "باختصار: يمكن أن يحصل".
لن يرضي الاتفاق الجمهوريين قبل الانتخابات النصفية. لكن سيكون بوسع الإدارة تصوير الاتفاق على أنّه جزء من مساعي واشنطن للتخلّص من نقطة توتّر أخرى في العالم، على قاعدة أنّ لدى الأميركيين ما يكفي من المشاكل الدولية ليقلقوا بشأنها: أوكرانيا وتايوان. وإذا تمكّنت إيران من ضخّ المزيد من النفط إلى الأسواق فهذا يعني انخفاضاً إضافياً في أسعار الطاقة عند المضخّة بالنسبة إلى الأميركيّين ممّا يمثّل مكسباً إضافيّاً للديموقراطيّين في تشرين الثاني المقبل. وحتى مع افتراض تحويل الجمهوريين الاتفاق المحتمل إلى شعار أساسيّ لحملتهم وتصويره كنقطة ضعف إضافيّة للإدارة الحاليّة على المستوى الدوليّ، بإمكان البيت الأبيض الاستناد إلى بعض الإنجازات الأخيرة في السياسة الخارجية منها التخلّص من زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري وإتمام رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي زيارتها جزيرة تايوان بالرغم من كل الاعتراضات الصينية كردّ مضادّ على هذه الاتهامات.
علاوة على كل ذلك، قد يساهم التوصل إلى إعادة إحياء الاتفاق النووي في عمليّة فكّ الارتباط الروسيّ-الإيرانيّ الذي يزداد قوة بمرور الوقت. فبعد توفّر معلومات أمنيّة لواشنطن عن استعداد إيران بيع روسيا مسيّرات لمساعدتها في الحرب الأوكرانية، أطلقت إيران الثلاثاء قمراً جديداً إلى الفضاء للاستشعار عن بعد وقد حمله إلى الفضاء صاروخ "سويوز" الروسي من إحدى القواعد في قازاقستان.
حوافز إيرانية محتملة
رأت صحيفة "كيهان" اللندنية أنّ إيران تريد لروسيا الفوز في أوكرانيا لأنّها تفكّر بأنّها ستكون ربما "التالية" على اللائحة الأميركية لو خسرت موسكو حربها. وتنظر طهران إلى أنّ الحرب في أوكرانيا تسبّبت بها الولايات المتحدة. فالمرشد الإيرانيّ الأعلى علي خامنئي قال خلال استقباله الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين في تموز الماضي، إنّ الناتو "كان سيثير الحرب هذه نفسها، مع (استخدام) القرم كذريعته" لو لم يتحرّك بوتين أوّلاً.
إذا كان صحيحاً أنّ طهران تضع في حساباتها أنّها ستكون التالية لو خسرت روسيا الحرب في أوكرانيا فقد يكون توقيع الاتفاق النوويّ مع أميركا "حصانة سياسية" في مواجهة اعتداء محتمل. ومع توقّع إفراج واشنطن عن نحو مئة مليار دولار من الأموال المجمّدة، يصبح لإيران دافع آخر للتوصّل إلى تسوية بشأن مطالبها الأخيرة.
عوامل تخفّض نسب التفاؤل
قبل أسبوع كانت الأجواء الغربية أقرب إلى التشاؤم. كذلك، طالب بعض المتشدّدين في إيران بإنهاء المحادثات. "خطة العمل الشاملة المشتركة ماتت أصلاً، هم يرفضون ببساطة لفظ ذلك"، بحسب ما كتبه المحلل السياسي المحافظ علي رضا تاكافينيا في موقع "جمهوريت". ليس سرّاً أنّ المتشدّدين في إيران غير متحمّسين للاتفاق بسبب "غياب الثقة" بالغربيين بعد "حملة الضغط الأقصى".
كذلك، لو قبل المتشدّدون باستمرار الوكالة في عمليات التفتيش فسيكونون قد تخلوا عن كثير من المطالب الأساسيّة مثل قضيّة تصنيف الحرس الثوري والضمانات بعدم مغادرة أميركا الاتفاق المقبل في المستقبل، ومسألة التعويضات، ولاحقاً مسألة التفتيش. من بين أهم أسباب التشدّد الإيرانيّ في المفاوضات ما هو داخليّ: إظهار أنّ الحكومة المحافظة الجديدة بقيادة الرئيس ابرهيم رئيسي أكثر براعة في المحادثات مع الغرب من الحكومة الإصلاحية السابقة بقيادة حسن روحاني.
الوضع ليس أفضل على ضفة الغرب. منذ أشهر قليلة، حذّر المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي من أنّه لن يخضع للضغوط السياسية في قضية مراقبة نشاطات إيران النووية. أطراف كثيرة باتت على المحكّ اليوم. قبول الأميركيين بالطلب الإيراني قد يضعهم في صدام مع الوكالة وفي موقف محرج لأنه سيظهرهم كطرف غير ملتزم بمعاهدة الحد من الانتشار النووي. وسيؤكّد ذلك موقف الجمهوريين بأنّ الرئيس جو بايدن "يائس" للحصول على اتفاق مهما كان الثمن. سيتعرّض غروسي أيضاً لضغط تأكيد استقلالية وكالته عن السياسات الأميركية والغربية.
تظهر هذه الحسابات المتنوعة أنّ اقتراب الأطراف من خطّ النهاية في قضية الاتفاق النووي لا يعني بالضرورة أنّها ستصل إليه. الحوافز الكثيرة التي قد تدفع الأميركيين والإيرانيين لإبرام اتفاق تقابلها مخاوف كبيرة من خسائر معنوية أو انتخابية لدى الجانبين. ربما ازدادات احتمالات التوقيع على الاتفاق في الأيام الماضية. لكنها لا تزال إلى حد ما متساوية مع احتمالات الإخفاق.