كرّم العالم ذكرى الملكة إليزابيث الثانية التي رافقت البريطانيين مدة 70 عاماً، الجمعة مع قرع أجراس الكنائس وطلقات مدفعية، من أوستراليا إلى المملكة المتحدة حيث تبدأ مرحلة حداد وطني من عشرة أيام، فيما أصبح نجلها البكر تشارلز ملكاً.
وسيُعلَن تشارلز، صباح اليوم السبت، ملكاً من على شرفة قصر سانت جيمس في مراسم رسمية بعد يومين على وفاة والدته إليزابيث الثانية ومع دخول البلاد فترة حداد وطني.
مساء الجمعة للمرة الأولى منذ 70 عاماً، علا النشيد الوطني البريطاني بصيغة "غود سايف ذي كينغ" (فليحفظ الرب الملك) في كاتدرائية سانت بول في ختام مراسم دينية تكريماً لإليزابيث الثانية. وحلّ هذا النشيد مكان "غود سايف ذي كوين" (فليحفظ الرب الملكة) المعتمَد منذ جلوس الملكة الراحلة على العرش العام 1952.
مراسم التنصيب
صباح اليوم، يجتمع "مجلس الجلوس على العرش" وهو مجموعة من الوجهاء من العائلة الملكية وشخصيات سياسية ودينية بينهم زوجة الملك كاميلا ونجله وليام ورئيسة الوزراء ليز تراس ورئيس أساقفة كانتنبري في قصر سانت جيمس لاعلان تشارلز ملكا بصفة رسمية. وستنقل هذه المراسم في بث تلفزيوني مباشر للمرة الأولى. وسيُتلى الإعلان من على شرفة القصر ومن ثم في اسكتلندا وإيرلندا الشمالية وويلز.
ومن ثم يُعلن البرلمان الولاء للملك الجديد ويقدّم تعازيه بوفاة الملكة. في فترة بعد الظهر، يستقبل الملك الجديد رئيسة الوزراء والوزراء الرئيسيين.
ووعد تشارلز الثالث الجمعة، في أول كلمة له بصفته ملكاً، بخدمة البريطانيين طوال حياته، مستعيداً الالتزام الذي قطعته والدته على نفسها في عيد ميلادها الحادي والعشرين.
وقال تشارلز: "أجدُّد أمامكم هذا الالتزام بالخدمة طوال حياتي"، مشيداً بـ"حياة الخدمة" التي عاشتها والدته، وبـ"محبتها للتقاليد" و"تمسّكها بالتقدُّم".
وفي كلمة متلفزة من قصر باكنغهام الذي وصل اليه بعد الظهر، وصف الملكة الراحلة التي حكمت طوال سبعين عاماً بأنّها "مصدر إلهام ومثال" بالنسبة إليه وإلى عائلته.
وأضاف: "كما فعلت الملكة بتفانٍ راسخ، التزم بدوري الآن، طوال الوقت المتبقي الذي يمنحني إيّاه الله، بالدفاع عن المبادئ الدستورية التي هي في صلب أمّتنا".
وأعلن تشارلز أنّ نجله الأكبر وليام سيُصبِح أمير ويلز، مضيفاً: "أود أيضاً أن أعرب عن محبتي لهاري و(زوجته) ميغان في وقت يواصلان بناء حياتهما في الخارج"، علماً بأنّ العلاقات مع نجله الأصغر تدهورت في شكل ملحوظ.
ووصل هاري بمفرده الخميس، في رحلة تجارية، إلى بالمورال بعد إعلان وفاة الملكة، في حين نقل سلاح الجو الملكي أفراداً آخرين في العائلة الملكية وبينهم شقيقه وليام إلى اسكتلندا.
وعن زوجته كاميلا، قال تشارلز: "أعلم أنّها ستفي بمتطلبات دورها الجديد بتفانٍ راسخ أعوّل عليه كثيراً".
وقال الملك أيضاً: "لأمي الحبيبة، في وقت تبدأين رحلتكِ الكبرى الأخيرة للانضمام إلى والدي الراحل الغالي، أريد أن أقول هذا فقط: شكراً".
وحيّا الآلاف وصول تشارلز إلى قصر باكنغهام في العاصمة البريطانية.
واختلط الملك الجديد بالجموع أمام القصر بعدما ترجّل من السيارة التي كانت تقله. وصافح الحشود فيما تعالَت صيحات "فليحفظ الله الملك".
وقالت رئيسة الوزراء الجديدة ليز تراس إنّ الملكة، التي توفيت الخميس عن 96 عاماً، "كانت الصخرة اتي قامت عليها بريطانيا العظمى الحديثة".
ووقفت الحكومة، "المتّحدة في دعمها جلالة الملك" الجديد، دقيقة صمت على روح الملكة لتي اعتلت العرش مدة تزيد عن 70 عاماً على ما أكدت رئاسة الحكومة البريطانية بعد اجتماع استثنائي لمجلس الوزراء.
إلى ذلك، أقيمت مراسم دينية، مساء الجمعة، في كاتدرائية القديس بولس في لندن بحضور تراس التي تلتقي الملك الجديد بعيد وصوله إلى لندن.
وعند ظهر الجمعة بالتوقيت المحلي (11,00 ت غ)، قُرِعت أجراس الكنائس في كل أرجاء البلاد ولا سيما في كاتدرائية القديس بولس وكاتدرائية ويستمنستر وقصر ويندسور، حيث كانت تقيم الملكة معظم الوقت. وقُرِع جرس مقرّ بلدية سيدني في أوستراليا التي كانت إليزابيث الثانية تملك عليها أيضاً، 96 مرة عن كل سنة من عمر الملكة الراحلة.
وأُطلِقت بعد ذلك 96 طلقة مدفع من أماكن عدة في العاصمة البريطانية مثل برج لندن ومتنزه هايد بارك فضلاً عن قصور كارديف وادنبره ويورك وبورتسموث وجبل طارق.
"الحياة من دون الملكة"
الملكة توفيت الخميس "بسلام" في قصر بالمورال في استكلندا بحضور ابنها تشارلز وابنتها آن. أمّا نجلاها الآخران أندرو وإدوارد والأمير وليام، الذي بات وريث العرش، فقد وصلوا بعد وفاتها. وكانت صحتها المتراجعة منذ سنة تدهورت بشكل كبير الخميس ما دفع القصر الملكي إلى الاعراب ظهراً عن "قلق" الأطباء عليها في بيان نادراً ما يصدر عن العائلة الملكية.
وأعلن الملك تشارلز أنّ الحداد الملكي الذي يشمل أفراد العائلة الملكية والعاملين فيها والحرس المشارك في المراسم، سيتواصل سبعة أيام بعد جنازة الملكة التي لم يؤكد موعدها بعد إلّا أنّه يُتوقَّع أن تكون في 19 أيلول. وستبقى الدارات الملكية مغلقة حتى مراسم الدفن والأعلام منكسة.
أما الحداد الوطني فيستمر إلى يوم الجنازة.
و تقاطر آلاف البريطانيين منذ الخميس إلى أمام قصر باكينغهام فضلاً عن بالمورال حيث توفيت، وويندسور. كما تصدّرت صور الملكة الراحلة الصفحات الأولى للصحف البريطانية الجمعة مع إصدارات خاصة تكريماً للراحلة التي كرّست حياتها في خدمة التاج البريطاني وتجاوزت حقبات وأزمات بهدوء وابتسامة.
وقال غاري ميلار لوكالة "فرانس برس"، وهو يضع باقة من الزهر في قصر هوليرودهاوس في أدنبره، إنّ الملكة "حافظت على وحدة البلاد. كانت الشخصية الأساسية في وحدة بريطانيا العظمى".
وقال اننتوني إيوانز (37 عاماً) الذي أتى مع ابنه البالغ أربع سنوات ليضع باقة من الزهر في ويندسور: "من الصعب تصور الحياة من دون الملكة".
والملكة الراحلة المعروفة بحسّ الواجب والفكاهة، حاضرة جدّاً في حياة البريطانيين، ويظهر وجهها على الأوراق النقدية كما على الطوابع التي يتعين تغييرها الآن.
وحلّت صورها مكان الاعلانات في محطات الحافلات في لندن فيما فتحت سجلات تعازٍ في بعض الكنائس وعبر الانترنت على موقع العائلة الملكية الرسمي.
ومع بدء الحداد الوطني، أُلغِيت فعاليات رياضية وثقافية بينما قررت متاجر كبرى إبقاء أبوابها مغلقة وعلق عمال السكك الحديد والبريد إضراباتهم المخطط لها في مواجهة أزمة غلاء المعيشة.
كما أعلن بنك إنكلترا المركزي إرجاء اجتماعه للسياسة النقدية المرتقب جدّاً مدة أسبوع.
"نور في المراحل القاتمة"
وأصبح تشارلز أكبر ملوك بريطانيا سنّاً عند توليه الحكم. وسيكون أمام الملك الجديد الأقل شعبية من والدته بكثير، الحفاظ على تمسُّك البريطانيين بالنظام الملكي إذ يعتبر البعض أنه بالٍ، إلّا أنّ إليزابيث الثانية تمكنت من المحافظة على رونقه.
ويتولّى تشارلز العرش في مرحلة صعبة إذ تواجه المملكة المتحدة أسوأ ازمة اقتصادية في السنوات الأربعين الأخيرة. وتشهد البلاد توترات داخلية ناجمة من تبعات بريكست والطموحات الاستقلالية والتوتر في اسكتلندا وإيرلندا الشمالية. وفي المستعمرات البريطانية السابقة التي لا تزال تابعة للمملكة المتحدة، تكثُر الانتقادات للماضي الاستعماري فيما يتعزز المنحى الجمهوري فيها.
وبات تشارلز أكثر حضوراً في الأشهر الأخيرة ومثّل والدته التي عانت مشاكل صحية، إلّا أنه يواجه تحدّياً آخر بعدما أصبح ملكا ورئيس 15 دولة من نيوزيلندا إلى بهاماس.
خلال عهدها التاريخي عاصرت إليزابيث الثانية 15 رئيس وزراء بريطانيًا كانت تستقبلهم في جلسات أسبوعية وتصغي إليهم وتسدي النصح لهم من دون أن يرشح أي شيء عنها.
والتقت ليز تراس، في غضون أربعة أبام، عاهلين اثنين وهو أمر غير مسبوق في تاريخ بريطانيا.
وبعد الجنازة، ستُوارى الملكة الثرى في كنيسة قصر ويندسور في إطار مراسم عائلية.