النهار

نقطة مفصلية في حرب أوكرانيا؟
جورج عيسى
المصدر: "النهار"
الجيش الأوكراني يستعيد آلاف الكيلومترات المربعة من الأراضي التي سيطرت عليها روسيا.
نقطة مفصلية في حرب أوكرانيا؟
جندي أوكراني يلتقط صورة سيلفي وهو يقصف مواقع عسكرية روسية في دونيتسك، 3 أيلول 2022، (أ ب)
A+   A-

مرّ مئتا يوم على انطلاق الغزو الروسي لأوكرانيا. يبدو أنّ هذا الرقم مدعاة للتفاؤل لدى الأوكرانيين. فمنذ بداية الشهر الحالي، استرد الجيش الأوكراني نحو 3 آلاف كيلومتر مربع من الأراضي التي كانت روسيا قد سيطرت عليها في فترات متلاحقة بعد 24 شباط. تتطابق هذه الأرقام تقريباً مع تقديرات "معهد دراسات الحرب" منذ يومين والتي أشارت إلى أنّ كييف استردّت نحو 2500 كيلومتر مربّع من الروس. حقّقت أوكرانيا تقدّمها السريع خصوصاً منذ السادس من أيلول، علماً أنّه لزم روسيا أشهراً للسيطرة على تلك المناطق الواقعة في منطقة خاركيف شرقي البلاد.

وقال قائد القوات الأوكرانية المسلحة الجنرال فاليري زالوجنيي إنّ قواته باتت على بعد نحو 50 كليومتراً من الحدود مع روسيا وإنه منذ "بداية أيلول، تمت استعادة أكثر من 3 آلاف كيلومتر مربع". في هذا الوقت، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أنّ الجيش الروسي قام بإعادة انتشار للدفاع عن منطقة دونيتسك. لم يكن الأوكرانيون أنفسهم يتوقعون تقدماً سريعاً هذا بحسب "فورين بوليسي". ويوم الأربعاء، استخدمت الولايات المتحدة للمرة الأولى كلمة "هجوم" لتوصيف العمليات العسكرية الأوكرانية.

 

 

Ukraine's counteroffensive in Kharkiv Oblast as mapped by @criticalthreats and @TheStudyofWar pic.twitter.com/RKqCdo2Pr7

 

أسلحة مساعدة

استخدم الجيش الأوكراني منظومة "هيمارس" الصاروخية الأميركية التي تتميز بمرونتها العالية ودقة قذائفها لاستهداف عقد المواصلات كما المخازن الروسية قبل شنّ الهجوم. وحصلت أوكرانيا أيضاً على صواريخ "هارم" الأميركية المضادة للرادارات الروسية التي توجّه أنظمة الدفاع لاستهداف المقاتلات والمروحيات الأوكرانية. قيّدت تلك الصواريخ تفوّق روسيا الجوّيّ ممّا أعاقها عن استهداف القوات الأوكرانيّة المتقدّمة.

وكانت أوكرانيا أيضاً قد أطلقت هجوماً مضاداً لاستعادة منطقة خيرسون في الجنوب. على ما يبدو لم يستطع الجيش الروسي تأمين خط دفاعيّ كامل يمتدّ تقريباً من شمال شرق البلاد وصولاً إلى الجنوب. من المحتمل أن يكون الهجوم على الجنوب محاولة لتشتيت تركيز القوات الروسية من أجل التقدّم في خاركيف وربما لاحقاً باتجاه دونباس. لكن ليس هذا ما يقوله المسؤولون الأوكرانيون.

ذكر تقرير "سي أن بي سي" أنّ الخسارة التي تكبّدها الروس خلال الأيام القليلة الماضية هي أسوأ هزيمة لهم منذ أن اضطروا إلى إيقاف تقدّمهم باتجاه كييف في آذار. وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إنّه يعتقد أنّ هذا الشتاء سيمثّل "منعطفاً" يمكن أن يؤدي إلى التخلص من الاحتلال. وأضاف: "يمكننا رؤية كيف أنّهم يهربون في بعض الاتجاهات. لو كنا أقوى بقليل من حيث الأسلحة، لكنا دحرنا الاحتلال بشكل أسرع".

 

انتكاسات

خسرت روسيا مدينة إيزيوم التي مثّلت مركز ثقل للعمليات العسكرية الروسية في الشرق. وكان الجيش الروسي قد سيطر على المدينة التي يعني اسمها "الزبيب" أواخر آذار الماضي. وسخر المسؤولون الأوكرانيون من القدرات الروسية. قال زيلينسكي السبت إنّ "الجيش الروسي يبرهن هذه الأيام عن قدرته الفضلى – أن يدير ظهره". أمّا كبير موظفي مكتب الرئيس الأوكراني أندريي يرماك فكتب على "تويتر" أنّ "الجيش الروسي يطالب بلقب أسرع جيش في العالم... استمروا في الركض!".

وكان الجيش الأوكراني قد سيطر على مدينة كوبيانسك شمال شرق إيزيوم ممّا قطع الأخيرة عن الإمدادات، بالنظر إلى أنّ كوبيانسك شكّلت المركز الوحيد لخط السكك الحديدية التي توفّر الإمدادات إلى الجيش الروسيّ على كامل الجبهة الشمالية الشرقية في أوكرانيا.

مع التقدم السريع للقوات الأوكرانية باتجاه الشرق، حثّ أبرز مسؤول مدعوم من الروس في منطقة خاركيف فيتالي غانشيف المدنيين في المنطقة على مغادرتها من أجل الحفاظ على حياتهم. وقال على تيليغرام: "من الخطر الآن أن تكونوا داخل منازلكم الخاصة". كما أوضح أنّ ممثّلي الإدارة يسهّلون إجلاء المدنيين. وبينما كان الجيش الروسي ينسحب سريعاً، أو يعيد تموضعه بحسب الرواية الروسية، كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يفتتح "شمس موسكو" وهي أكبر عجلة دوّارة في أوروبا يوم السبت احتفالاً بمرور 875 عاماً على تأسيس العاصمة الروسية.

 

أجواء قاتمة

كانت أجواء الموالين لموسكو متشاائمة. قال أحد قادة الانفصاليين المدعومين من روسيا في شرق أوكرانيا إيغور غيركين إنّ القوات الروسية تواجه "أزمة عملاتيّة حادة في قطاع واسع من الجبهة، وقد تصاعدت فعلاً إلى هزيمة كبيرة". وأضاف: "الآن كل ما بقي لطرفنا (روسيا) دراسة كيفية تفادي المزيد من الانتكاسات و(تفادي) تصعيد هزيمة عملانية إلى أخرى استراتيجية" معترفاً في الوقت نفسه، وفقاً لـ"بوليتيكو"، بأنّ أوكرانيا كسبت "معركة المبادرة".

إلى متى تحتفظ أوكرانيا بالمبادرة هو سؤال كبير بالنظر إلى طبيعة الحروب المتقلّبة. يتعلّق ذلك بإمكانات الروس في شنّ هجمات مضادة بعد استجماع قواتهم. قالت وزارة الدفاع الروسية اليوم الأحد إنّ الجيش الروسي عاد إلى الهجوم وشنّ عدداً من الغارات في الشرق والجنوب. لكنّ سرعة تقدّم القوات الأوكرانية معطوفة على العدد الكبير من الأسلحة الثقيلة التي خلّفها الروس وراءهم يقلّلان من احتمال شنّ هجوم مضاد واسع في المدى المنظور وإن لا يلغيانه تماماً.

  

"كرة ثلج"... قبل الشتاء

في حديث إلى "فايننشال تايمس" شبّه وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي رزنيكوف الهجوم الأوكرانيّ بـ"كرة الثلج التي تنحدر من التلة وتصبح أكبر وأكبر". وقال أيضاً إنّ بلاده تحرز تقدّماً ثابتاً في الجنوب بالقرب من مدينة خيرسون "لكن على الأرجح بشكل أبطأ بقليل".

تمكّنت أوكرانيا من كسر الجمود العسكريّ الذي ساد الميدان في الأشهر القليلة الماضية. هل يمثّل هذا الإنجاز منعطفاً نحو مكاسب استراتيجية لأوكرانيا قبل مجيء "الجنرال شتاء"؟ هذا ما يتمنّاه الأوكرانيون. جلّ أهدافهم إظهار أنّهم قادرون على الفوز بالمعارك، إن لم يكن بالحرب، إذا مُنحوا الأسلحة التي يطالبون بها. هذا ما أثبتوه ولو جزئياً خلال الأيام القليلة الماضية. بالتالي، إنّ أيّ نيّة أوروبية محتملة لتخفيف الدعم العسكريّ عن كييف ستتلاشى في الوقت الراهن.

 

 

اقرأ في النهار Premium