تستمر الاحتجاجات المناهضة للحكومة في إيران والداعية لتغيير النظام منذ أيلول 2022 بعد مقتل مهسا الأميني، وتستمر معها عملية قمع الصحافيين الذين يعملون على تغطية هذا الواقع البارز عالمياً.
هذا الحدث الذي أثار اهتمام الصحافيين في "بي بي سي الفارسية"، أحدث تداعيات كبيرة عليهم وعلى عائلاتهم الموجودة في إيران بسبب المضايقات التي تعرضوا لها من الحكومة.
ونقلاً عن "بي بي سي البريطانية"، تبيّن أن وزارة الخارجية الإيرانية أصدرت في تشرين الأول 2022 بياناً، أدرجت فيه "بي بي سي الفارسية" ضمن قائمة عقوبات للأفراد والمنظمات الذين يدعمون الإرهاب ويستخدمون خطاب الكراهية ويحرضون على العنف.
وتلقى صحافيو "بي بي سي الفارسية" تهديدات بالقتل على مواقع التواصل الاجتماعي وتعليقات مروّعة، كما وتعرّضت عائلاتهم المتواجدة في إيران للاستدعاء والاستجواب والترهيب بسبب مواصلة أبنائهم العمل في "بي بي سي".
كيف يعمل موظفو "بي بي سي الفارسية" بعد منعهم من العمل في إيران؟
لا يسمح لصحافيي الشبكة البريطانية بالعمل في ايران، لذلك باتوا يعتمدون على مواقع التواصل الاجتماعي لمعرفة ما يحصل، ويتم التحقق من الأخبار عبر الدخول الى حسابات الأشخاص الذين قتلوا، والبحث عن عائلاتهم في قائمة متابعيهم، ويتم التواصل معهم للتأكد من الخبر بعد إظهار الدلائل، وبالتالي تقوم الإذاعة بفرز الأدلة المضللة عن الحقيقية.
وتستخدم الإذاعة أيضاً الخريطة الإلكترونية لتحديد الموقع الجغرافي للقطات التي تُرسل، ويتم التأكد من التفاصيل المحيطة بالصورة أو الفيديو، مثل المتاجر، الطقس، الوقت وغيرها من الدلائل.
ويستخدم الصحافيون الأساليب نفسها للتحقق من التقارير التي تُنشر على التلفزيون الرسمي الإيراني. ففي أحد البرامج، ظهر تقرير يقول إن المتظاهرة نيكا شكارامي Nika Shakarami البالغة من العمر 16 عاماً سقطت من سطح أحد المباني ولم تقتل على يد قوات الأمن الإيرانية كما قالت عائلتها. إلا أن تقرير "بي بي سي" أظهر أن امرأة محجوبة الوجه ترتدي ثياباً سوداء تشبه ملابس نيكا، دخلت المبنى الذي زعمت السلطات أن نيكا دخلت إليه.
وأوضح التقرير أيضًا أن المرأة ظهرت في الفيديو وهي تمشي ببطء، فيما قيل إن نيكا كانت تهرب وهي تتحدّث مع أحد أصدقائها وتخبرهم أنه مطاردة من قبل قوات الأمن الايرانية. وتبيّن في تقرير "بي بي سي" أن قطة كانت تسير بهدوء فيما كان يجب عليها أن تركض لو أن الوضع كان صاخباً وأعمال الفوضى عامّة في المنطقة، كما قيل على القناة الإيرانية.
واعتمدت الشبكة على مصدر يرسل لأحد صحافييها المعلومات، بعد أن طُلب من هذا المصدر إرسال ملاحظة صوتية للتأكد منه، فتبيّن أنه مخادع.
وثائقي للـBBC عن إيران
في وثائقي جديد للـBBC حول إيران والذي تحدث عن قسم "بي بي سي الفارسية"، صوِّر أحد المراسلين ويدعى جيار غول Jiyar Gol وهو يتعرض للخنق من قبل المتظاهرين المناهضين للحكومة الإيرانية في برلين وهم يهتفون "آية الله بي بي سي"، فيما يرد جيار عليهم بالقول: "هل تعرفون كم فرداً من عائلتي في السجن الآن؟"
هذا هو الحال بالنسبة للمقدمة رنا راهمبور Rana rahimpour التي جرى التنصت على مكالمتها الهاتفية مع عائلتها الموجودة في إيران، وتم التلاعب بالمكالمة لجعلها تبدو وكأنها تدعم الحكومة ومن ثم نُشرت، وكانت مادّة للنُقاد لاعتبارها دليلاً إضافياً للقول إن هيئة الإذاعة البريطانية تتعاون مع الحكومة.
في الفيلم الوثائقي أيضاً، تحدثت الصحافية فرناز غازيزادي Farnaz Ghazizadeh عن وفاة والدها مؤخراً بعد مرض مفاجئ في إيران، وكيف أنها شعرت بالذنب لأنها لم تستطع قضاء المزيد من الوقت معه. وأشارت أيضاً إلى موت أخيها قبل عام وهي لم تكن بجانبه بسبب مقال تم تكليفها بكتابته لصحيفة إيرانية عن الخميني قبل 22 عاماً عندما كانت في إيران.
وأضافت أنها حين انضمت إلى فريق الـBBC لم تكن على دراية أن مثل هذا القرار سينعكس ليس فقط عليها، إنما على الكثير من الأشخاص من حولها. وسألت: هل كان لي الحق في اتخاذ هذا القرار وهل يستحق كل هذا العناء؟
وأكدت أن حياة الفرد يمكن أن تتغير إلى الأبد نتيجة الارتباط بشخص يعمل في "بي بي سي الفارسية"، واختصرت حياتها وحياة زملائها على الشكل التالي:
"في حالتي وبسببي طرد أخي من وظيفته في وزارة النفط الإيرانية، وبالنسبة لزميلي جيار غول لن تتسنى له الفرصة لزيارة أقاربه في إيران مع ابنته الشابة. أما بالنسبة إلى الموظفين، فقد عبّر أربعة خبراء مستقلين تابعين للأمم المتحدة بشأن إيران العام الماضي عن قلقهم الشديد في شأن المضايقة والترهيب من قبل النظام".