ذكرت المحررة المشاركة لمجلة "أميركا" لليسوعيين كولّين دولّه أنّ صحة البابا فرنسيس كانت مثار تكهن منذ ما قبل انتخابه عندما انتشرت إشاعة كاذبة خلال المجمع المغلق مفادها أنه فقد إحدى رئتيه وذلك لإحباط ترشيحه. استؤصلت أنسجة رئوية للبابا حين كان شاباً بسبب عدوى. وانتشرت إشاعات عن استقالته مجدداً الصيف الماضي حين تم نقله إلى المستشفى لإجراء عملية مجدولة في القولون، ومرة أخرى هذه السنة حين شوهد وهو يعاني من ألم واضح عند المشي وبدأ يستخدم الكرسي المتحرك.
لكنّ أحداثاً مقررة في نهاية آب صبت الزيت على النار. أعلن البابا أولاً أنه سيعيّن كرادلة جدداً خلال كونسيستوار في 27 آب يعقبه فوراً اجتماع غير عادي لكرادلة العالم. ويجتمع الكرادلة عادة عندما يحين موعد انتخاب بابا جديد. على الرغم من أن الاجتماع يركز على مراجعة إصلاح البابا الحديث للبيروقراطية المركزية في الفاتيكان، تم تفسيره على نطاق واسع بأنه فرصة لتعارف الكرادلة.
مع قيام البابا فرنسيس بتعيين كرادلة من دول لم تكن أساساً ممثلة في مجمع الكرادلة، لا يعرف العديد منهم بعضهم بعضاً. كانت هذه هي الحال في مجمع 2005 المغلق الذي انتخب البابا بنديكتوس لأن الكرادلة لم يجتمعوا في هكذا مجمع منذ سنة 1978. وقال مراسل مجلة "أميركا" في الفاتيكان جيرارد أوكونيل إن بعض الكرادلة طلبوا من البابا تدبير اجتماع كي يتسنى لمجمع الكرادلة أن يتعرف إلى بعضه قبل المجمع المغلق المقبل.
عزز كل هذا الحديث عن المجمع التكهنات بشأن احتمال أن يفكر البابا بالتنحي قريباً. لكنّ إعلاناً صادراً عن الفاتيكان نهاية الأسبع الماضي أدى إلى تأجيج نيران التكهنات: مع حضور جميع الكرادلة إلى روما، سيقوم البابا فرنسيس بزيارة إلى كاتدرائية لاكويلا حيث يرقد البابا سلستين الخامس. كان سلستين البابا الأول في التاريخ الذي يتنحى بملء إرادته.
كان سلستين راهباً غير راغب في أن يتولى السدة البابوية لكن تم اختياره كنوع من غصن زيتون لكنيسة مزقتها الفصائل المتناحرة. لقد تنحى بعد خمسة أشهر على تنصيبه. لطالما كانت الزيارة البابوية إلى ضريح سلستين طريقاً مؤكداً لإثارة التكهنات حول إمكانية استقالة البابا. قبل عقود من زيارة البابا بنديكتوس سنة 2009 إلى الضريح، أثار البابا بولس السادس إشاعات عن تنحيه عبر زيارة مماثلة.
هذه المناسبات الثلاث، أي انعقاد الكونسيستوار في آب وزيارة أكويلا ولقاء تعارف الكرادلة، مع صور شعور البابا فرنسيس بالألم وهو يتوجه إلى كرسيه الأحد الماضي، دفعت البعض للاعتقاد بأنّ البابا يخطط للتنحي في آب. بما أنه أنهى إصلاح الكوريا الرومانية، ربما حان الوقت لتسليم السلطة إلى شخص آخر، وفقاً لهذا المنطق.
لكن بحسب دولّه، ثمة أسباب للتشكيك بهذه السردية: التفسير البسيط للاجتماع غير العادي للكونسيستوار الذي كان متوقعاً في تشرين الثاني قد يكمن في أن السفر إلى روما خلال وقت غير سياحي هو أرخص ثمناً.
بالمثل، قد يرغب البابا من الكرادلة بادّخار بعض المال والحد من وقت وجودهم خارج أبرشياتهم عبر دمج الكونسيستوار واللقاء في رحلة واحدة. في نهاية المطاف، إن البابا رجل مقتصد ويتوقع الأمر نفسه من مستشاريه. لقد خفض رواتب الكرادلة بـ10% خلال الجائحة حتى يتمكن من الاستمرار في دفع رواتب موظفي الفاتيكان العلمانيين.
وهنالك أيضاً جدول سفره: للبابا فرنسيس رحلة إلى قازاقستان في أيلول وثمة أيضاً إشاعات قليلة عن رحلات في 2023، بالرغم من أن الباباوات قادرون على تحويل جدول الرحلات إلى خلفائهم.
السبب الأخير وربما الأكثر إقناعاً في كون البابا لن يقدم على التنحي قريباً هو الواقع البسيط بأن البابا الفخري بنديكتوس السادس عشر لا يزال على قيد الحياة. من المرجح أن يرغب البابا فرنسيس بإدخال بعض التغييرات إلى دور البابا المتنحي – مثل تبني لقب "الأسقف الفخري لروما" عوضاً عن "البابا الفخري" مع عدم ارتداء الثوب الأبيض – من أجل تبديد فكرة أن هنالك باباوين. من الصعب تخيل اتخاذ البابا فرنسيس هكذا خطوات بينما يبقى البابا بينيدكتوس فخرياً.
من المحتمل بالتأكيد أن يكون البابا في طور وضع الأساس لاستقالة مستقبلية. لكن الى الآن، تشكك دولّه جدياً بأنه سيتنحى في آب إلا إذا طرأ تطور تدهور صحي حاد خصوصاً على مستوى القدرات الذهنية. من ناحية أخرى، من المحتمل أيضاً أن يكون البابا في طور التطلع إلى المستقبل: هو يدرك أنه لن يعيش للأبد وهو يعمل بكد لضمان إرثه عبر إصلاح الكوريا والسينودس العالمي المتوقع أن ينتهي في 2023 وتعييناته لمجمع الكرادلة.
هو يدرك مشاكل المجامع المغلقة التي شارك فيها: مبالغة في تمثيل الأوروبيين كما قلة من الكرادلة كانوا يعرفون بعضهم البعض. الآن، هو يدخل تغييرات كي يصبح المجمع المغلق التالي أكثر دقة في تمثيل واقع الكنيسة الكاثوليكية.