النهار

هل تستطيع أوكرانيا استعادة خيرسون من روسيا؟
جورج عيسى
المصدر: "النهار"
البعض يتحدّث عن حاجتها لأكثر من "معجزة" كي تحقّق ذلك.
هل تستطيع أوكرانيا استعادة خيرسون من روسيا؟
جنود روس في خيرسون - "أ ب"
A+   A-

"نستطيع القول إنّ نقطة تحوّل قد حدثت على أرض الميدان. نتحوّل من عمليات دفاعية إلى هجومية مضادة". هذا ما أعلنه مساعد الرئيس الإداري لمنطقة خيرسون سيرجي خلان في 24 تموز الماضي خلال مقابلة إعلامية مع التلفزيون الأوكرانيّ. وأضاف: "تستطيعون قول إنّ منطقة خيرسون ستتحرّر بشكل حتميّ بحلول أيلول، وجميع خطط المحتلين ستفشل".

لا يزال لدى أوكرانيا قرابة شهر ونصف لتنفيذ مهمّة معقّدة كهذه إذا كان عليها أن تلتزم بجدولها الزمنيّ. بالنسبة إلى حرب اتّسمت بطول مدّة القتال على الجبهة الشرقية، ليست الفترة المتبقية أمام كييف لتحقيق هدفها مريحة. ربّما استعجل الأوكرانيون التحرّك لأنّ روسيا تنوي إجراء استفتاء بين سكان المنطقة للانضمام إلى روسيا، كما كانت الحال مع شبه جزيرة القرم. ومن المتوقّع أن يتمّ تنظيم الاستفتاء في فترة لاحقة من هذا الشهر أو في أيلول.

قد يهدف هذا التهديد إلى مجرّد دفع روسيا لصرف الانتباه عن إجراء الاستفتاء. لكنّ هذا الاحتمال يبقى غير مرجّح. فالتحرّكات العسكريّة وطبيعة القصف تبيّن أنّ أوكرانيا جادّة في استعادة المنطقة. علاوة على ذلك، وقبل يوم واحد من حديث خلان، كان الرئيس الأوكراني نفسه فولوديمير زيلينسكي يتعهّد تحرير خيرسون. لو حصل ذلك فعلاً فستستفيد أوكرانيا على أكثر من صعيد.

 

عدّلت قواعد اللعبة

لعلّ العامل الأهمّ في التصعيد النوعيّ للعمليّات العسكريّة الأوكرانيّة في المنطقة الجنوبيّة هو حصول كييف على "الأنظمة المدفعية العالية الحركة" المعروفة اختصاراً باسم "هيمارس" التي تتمتّع بمزايا عدّة. حصلت أوكرانيا لغاية اليوم على المقذوفات المتوسطة المدى التي يمكن تحميلها في تلك الراجمات والتي يصل نطاقها إلى ما بين 60 و 75 كيلومتراً. ومن غير المتوقع أن تحصل في المدى القريب على مقذوفات أبعد (أتاكمس) بسبب خشية أميركا من توجيهها نحو الأراضي الروسية. كما تتمتّع هذه الصواريخ بمرونة حركيّة عالية إذ تنقل على متن شاحنات ذات عجلات ممّا يجعل تخفّيها أو هروبها من الغارات الانتقاميّة أكثر سهولة. كما يمكن إعادة شحنها بحمولة جديدة من الصواريخ في غضون دقيقة وبطاقم محدود. ويوجّه نظام تحديد المواقع العالمي "جي بي سي" تلك الصواريخ مما يجعلها قادرة على تحقيق إصابات دقيقة.

بالفعل، قالت أوكرانيا إنّها دمّرت أكثر من خمسين مخزناً للذخيرة الروسية ممّا وفّر لأوكرانيا القدرة على التسبّب بتآكل الإمدادات اللوجستيّة الروسيّة التي تعاني أساساً من الإجهاد، وفقاً للباحث دوغ كلاين من المجلس الأطلسيّ. بحسب صحيفة "الغارديان" البريطانية، يعتقد المسؤولون الأوكرانيّون أنّ روسيا تمكّنت من السيطرة على المدينة سريعاً لأنّ القوات الأوكرانيّة فشلت في تفجير جسر أنطونيفسكي العابر لنهر دنيبرو.

 

Ukraine war in maps: Tracking the Russian invasion - BBC News

خريطة توزع القوى في خيرسون حتى 7 آب. "بي بي سي" عن "معهد دراسة الحرب"

 
  

في الأسبوع الثالث من تموز، نجحت أوكرانيا بقصف ثلاثة جسور تؤدي إلى مدينة خيرسون. وليل الأحد-الاثنين الماضي، عاودت أوكرانيا استهداف جسر أنطونيفسكي. وحتى أوائل آب، كانت أوكرانيا قد استرجعت نحو 44 بلدة وقرية في المنطقة وفقاً لكلاين.

 

زخم عسكريّ

الحدث الأبرز كان الثلاثاء حين استهدف الجيش الأوكرانيّ قاعدة عسكريّة للقوات الروسية في القرم التي ضمّتها روسيا سنة 2014. وأظهرت صور الأقمار الاصطناعية مقاتلات روسيّة مدمّرة وصل عددها إلى تسعة. لكنّ روسيا قالت إنّ الانفجار ناجم عن انتهاك لمعايير السلامة. وتعدّ القرم مصدر إمداد رئيسيّ لخيرسون. في هذه الأثناء، يرى مسؤولون بريطانيون أنّ خطة أوكرانيا فعّالة بحيث أصبحت المنطقة "شبه معزولة" عن أراض أخرى تسيطر عليها روسيا.

يأتي الهجوم على القرم غداة إعلان مسؤول كبير في البنتاغون خسارة روسيا نحو 80 ألف جندي بين قتيل وجريح منذ بداية الغزو في 24 شباط. وسترسل واشنطن الحزمة الثامنة عشرة من المساعدات العسكرية بما فيها أربع منظومات جديدة من "هيمارس" بما يجعل مجموعها 16 منظومة. تمنح هذه التطورات القوات الأوكرانية زخماً جديداً لاستعادة خيرسون.

وصف الكاتب في صحيفة "واشنطن بوست" ديفيد إغناشيوس استراتيجية أوكرانيا بالشجاعة والخطيرة في آن. فللجيش الروسي عدد أكبر من المحاربين كما يستفيد الآن من مزية الدفاع. ونقل عن السفير الأميركي السابق في كييف وليام تايلور قوله: "لا تريد أن تجرّب ذلك وتفشل". ربّما يستعيد الجيش الروسيّ زمام المبادرة في حال حدث ذلك، بعد انتقال الزخم من الضفة الأوكرانيّة إلى الروسيّة. وتراوح الحرب الروسيّة في الشرق مكانها بعد سلسلة من التقدّم البطيء جداً في الأشهر القليلة الماضية.

 

بحاجة إلى "ثلاث معجزات"

لا يفكّر الأوكرانيون بالفشل الآن. يقول النائب الأوكرانيّ أوليكسي غونشارينكو لمجلّة "فورين بوليسي" إنّه بعد تدمير كييف لسلاسل الإمداد والمستودعات الروسية بالقرب من خطوط القتال، ستعمل على تدمير منشآت روسية أخرى بعيدة من تلك الخطوط لمنع هجوم روسيّ.

مع ذلك، يرى آخرون أنّ تحقيق أوكرانيا هدفها شبه مستحيل. هي تحتاج إلى "ثلاث معجزات متتالية" لتنال مرادها بحسب تحليل العقيد الأميركي المتقاعد والباحث في معهد "ديفنس برايوريتيز" دانيال ديفيس. يعتقد ديفيس أنّ حظوظ تحقق معجزة واحدة منخفضة للغاية، بالتالي ثمة احتمال يقارب "الصفر منطقياً" لتحقيق ثلاث معجزات.

الأولى هي عدم قيام روسيا بأي تعديلات لوضعها العسكري عبر عدم إضافة أي أعداد عسكرية أخرى إلى مهمتها في خيرسون. إذا شعر بوتين بأنّه قد يفقد المنطقة فمن غير المنطقيّ ألّا يعلن التعبئة وينشر ما يحتاج إليه من جنود لتفادي الخسارة. المعجزة الثانية هي تمكّن القوات الأوكرانية من اجتياز عشرات الكيلومترات في السهوب وتحت القصف الروسي انطلاقاً من ميكولاييف ومن دون التعرض لخسائر جسيمة. أما المعجزة الثالثة فهي تحقيق القوات الأوكرانية انتصارها بعدد أقل من ذاك الذي تتمتع به روسيا على مستوى الدبابات والمقاتلات والمدفعية ومن المرجح ألا يكون قد حصل ذلك في أي معركة طوال القرن الماضي وفقاً لما كتبه ديفيس في موقع 1945.

 

هدف جذّاب

ثمّة مشكلة أخرى يواجهها الجيش الأوكراني تكمن في أنّه غير قادر على قصف المدن الأوكرانية بالكثافة نفسها التي يستخدمها الجيش الروسيّ. لهذا السبب سيكون التقدّم الأوكرانيّ، إن حصل، بطيئاً ومكلفاً لتجنّب سقوط مدنيّين. مع ذلك، تشكّل المنطقة هدفاً جذّاباً لكييف. السيطرة عليها تعني منع روسيا بشكل نهائيّ من التوجّه صوب مدينة أوديسا الساحليّة وفصل أوكرانيا عن الأسواق العالمية وبالتالي شلّ اقتصادها. علاوة على ذلك، إنّ استعادة القوات الأوكرانية للجزء الأكبر من المنطقة، حتى ولو تخطت الموعد النهائي في أيلول، تعني تجديد ثقة الغرب بالقدرات الأوكرانية. وسيشير ذلك ربّما إلى تسريع وتوسيع الدعم العسكريّ الغربيّ لكييف والتخلي عن فكرة دفعها إلى تقديم تنازلات عن بعض الأراضي لصالح روسيا – وهي فكرة قد تجد من يتبنّاها في أوروبا مع اقتراب الشتاء.

الميدان صعب والفترة الزمنيّة التي تسمح بتحرّك أوكرانيّ فعّال قبل الخريف ضيّقة إلى حدّ بعيد. لكنّ ذلك لا يؤثّر في معنويّات الأوكرانيّين. "أنا متفائل تماماً"، يقول العقيد المتقاعد في الجيش الأوكرانيّ سيرهيي غرابسكي لشبة "سي بي سي".

 

 

 

اقرأ في النهار Premium