باريس – سمير تويني
إن الأكثرية المطلقة للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مهدّدة، والامتناع سجّل أكبر نسبة منذ إنشاء الجمهورية الخامسة، فيما يعود اليسار المتحالف كقوة معارضة داخل الجمعية الوطنية الفرنسية.
تتوقع الأوساط المتابعة للانتخابات التشريعية الفرنسية احتفاظ التحالف المؤيّد للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالأكثرية في الجمعية الوطنية من دون إمكان تحديد حجمها قبل الدورة الثانية من الانتخابات نهار الأحد المقبل.
ويتمتع تحالف ماكرون، بحسب آخر التقديرات وفق نتائج الدورة الاولى التي جرت أمس الأحد، بحظوظ وافرة ليستمر كالقوة السياسية الاولى في البرلمان الفرنسي. غير أن نطاق هذه الأغلبية لا يزال غير محدّد بعد في ظل تقارب النتائج بين التحالف الرئاسي "معاً" وتحالف اليسار بقيادة جان لوك ميلانشون.
وتتوقع التقديرات وفق مؤسسات الاستطلاع "ايفوب" حصول تحالف ماكرون على عدد من المقاعد يراوح بين ٢٧٥ و٣١٠ مقاعد فيما تتوقع "إيبسوس" فوزه بما بين ٢٥٥ و ٢٩٥ مقعداً، علماً بأن الغالبية المطلقة مؤلفة من ٢٨٩ نائباً.
وعلى صعيد الأصوات أظهرت النتائج النهائية لوزارة الداخلية تقارباً مطلقاً بين معسكر الرئيس وتحالف اليسار، إذ حصل كل منهما على ٢٥،٧ بالمئة من الناخبين فيما حصل التجمّع الوطني بقيادة لوبين على ١٨،٧٪ والجمهوريون على ١٠،٤٪ من الناخبين.
وفي ظل نظام الجولتين الذي يُطبَّق في الدوائر الانتخابية الـ٥٧٧ فإن الاقتراع في الدورة الأولى ليس مؤشراً جيداً الى من سيفوز بالغالبية المطلقة في الجولة الثانية، مع العلم أنه لم يُنتخَب في الجولة الاولى سوى ٥ نواب تابعين لليسار بخلاف الدورات السابقة.
ودعا ميلانشون مؤيّديه بعد التصويت الذي شكلت نتائجة انتصاراً لتيّاره "الى هزيمة السياسة الكارثية لماكرون يوم الأحد المقبل".
وباتت قدرة الرئيس، الذي أعيد انتخابه في نيسان الماضي، لتمرير أجندته الإصلاحية مهدّدة، ويشمل ذلك إصلاح النظام التقاعدي الذي يُعدّ ضرورياً للمالية العامة وهو يثير جدلاً واسعاً في البلاد فيما يطالب خصومه بخفض سن التقاعد وإطلاق حملة إنفاق كبيرة قد تهدّد التنمية الاقتصادية.
وتوقعت مصادر مطلعة داخل الحكومة لائتلاف ماكرون امتناع أعداد قياسية من الناخبين عن التصويت نظراً للغضب الشعبي من ارتفاع تكاليف المعيشة الذي استفادت منه كتلة ميلانشون وقد ترسم الجولة الثانية صورة الخريطة السياسية الجديدة والمنافسة داخل الجمعية الوطنية بين كتلة الرئيس من جهة والكتل المعارضة والأشد معارضة كتلة اليسار بقيادة ميلانشون.
وشارك في الانتخابات حوالي نصف الـ٤٨،٧ مليون ناخب وهذا يعكس أزمة للديموقراطية الفرنسية. وتشير مصادر متابعة إلى أن فرنسا قد تتعرّض لأزمة سياسية حادّة إذا احتلّ ميلانشون رئاسة الحكومة بحيث تكون السلطة التنفيذية في فرنسا برأسين متناقضين وستنفتح معارك سياسية حادّة قد تنتقل الى الشارع الفرنسي.
كتلة ماكرون "معاً" التي تضم حزب النهضة وحزبين رديفين، الحركة الديموقراطية "موديم" الوسطي و"هوريزون" حزب رئيس الوزراء السابق إدوار فيليب. وفي حال عدم تمكن التكتل الحاكم من الحصول على الأكثرية المطلقة هناك احتمال آخر أمام ماكرون لتأمين اكثرية برلمانية بتحالفه مع اليمين الكلاسيكي "الجمهوريين" لتأمين الـ٢٨٩ مقعداً الضرورية لتوفير الغالبية. وسيكون عليه التفاوض والمساومة بشأن أي مشروع قانون في البرلمان ولتشكيل حكومة مع الحزب اليميني.
وقد يحصل اليمين الكلاسيكي وفق النتائج الأخيرة على حوالي ٤٠ مقعداً، وفي هذه الحالة سيكون على كتلة ماكرون تقديم تنازلات لضمان الأكثرية. وهذا يشكّل مفارقة كبرى مع واقع ماكرون بعد انتخابات عام ٢٠١٧ التي وفرت له أكثرية فضفاضة. ويرى المراقبون أن المعارضة اليسارية ستكون شرسة وقد تتحوّل الجمعية الوطنية الى حلبة صراع بين رؤيتين متضاربتين سياسياً واقتصادياً.
فهل يتمكن الرئيس الفرنسي وكتلته من تعبئة الناخبين الممتنعين للدورة الثانية وتحفيزهم على المشاركة فيها نهار الأحد المقبل؟ وهذا قد يلعب لصالح ماكرون.
ولن يدعو العديد من مرشّحي اليمين الى الاقتراع لمصلحة اليسار الذي يعني أن ميلانشون لا يتمتع بخزان انتخابي واسع للجولة الثانية، وقد أظهرت الانتخابات الرئاسية الأخيرة أن فرنسا تميل بشكل فاضح نحو اليمين.
والظاهرة التي أكدتها الانتخابات التشريعية هي شبه اختفاء حزب "الجمهوريين" والاشتراكيين الذين حكموا فرنسا منذ عام ١٩٥٨ حتى ٢٠١٧ حين انتخاب ماكرون.
والمشهد السياسي الفرنسي مشكّل من ثلاث كتل: اليمين المتطرّف بزعامة لوبين التي لم تحقق انتصاراً باهراً في هذه الانتخابات، واليسار الراديكالي بزعامة ميلانشون، وبينهما كتلة ماكرون الوسطية.
خلال الانتخابات الرئاسية كان الخطر الداهم اسمه لوبين واليمين المتطرّف، ونجح ماكرون في اجتذاب المتردّدين للاقتراع لمصلحته. أما اليوم فالخطر من ميلانشون واليسار المتطرّف، وشكلت الجولة الاولى مؤشراً على نجاحه فيما الكلمة الفصل للدورة الثانية، فهل ينجح ماكرون وفريقه في قرع أجراس الخطر والتحذير من وصول التطرف الى السلطة التنفيذية؟
في كل حال، يبدو أن الجمعية الوطنية الفرنسية ستكون ذات نكهة اشتراكية نظراً لعدد الاشتراكيين داخل تكتل "معاً".