النهار

فرصة غربية أخيرة لحماية النظام الدولي المعاصر؟
جورج عيسى
المصدر: "النهار"
نادراً ما تمنح السياسات الدولية فرصة ثانية للتعويض. الغرب أمامها الآن.
فرصة غربية أخيرة لحماية النظام الدولي المعاصر؟
القمة الأخيرة لمجموعة السبع - "أ ب"
A+   A-

إذا كان نظام ما بعد الحرب الباردة يتعرض لأعظم نكساته مع الغزو الروسي لأوكرانيا، فمن غير الضروري أن تكون تلك النكسة قاضية. ارتكب الغرب أخطاء عدّة أوصلت النظام الذي ساهم في إنجاحه إلى مرحلة الخطر. أرهقت الولايات المتحدة نفسها في حروب انتهت بفشل كبير كما هي الحال في أفغانستان أو بنجاح نسبي لكن مكلف جداً كما هي الحال في العراق. في الوقت نفسه، عمد الأوروبيون إلى الرهان على الحماية الأميركية من دون زيادة إنفاقهم الدفاعي، وخاضوا سياسات تجارية مستقلة إلى حد كبير عن الرغبات الأميركية، ومشروع "نورد ستريم 2" هو النموذج الأبرز في هذا الإطار.

نجحت حرب أوكرانيا بالتخفيف من الشرخ الكبير في العلاقات العابرة للأطلسي. رفعت حكومات غربية إنفاقها الدفاعي بشكل كبير ومنها ما نقل أسلحة نوعية إلى أوكرانيا لمواجهة روسيا. لكنّ ذلك غير كافٍ للحفاظ على نظام ما بعد الحرب الباردة، حتى مع افتراض نجاح أوكرانيا بدحر القوات الروسية. أتاح الغزو فرصة جديدة للغربيين كي يعيدوا تحصين النظام العالميّ كما كتب السفير الأميركي الأسبق إلى الناتو إيفو دالدر ومدير قسم الدراسات في "مجلس العلاقات الخارجية" جيمس ليندزي في العدد الحالي من مجلة "فورين أفيرز".

 

بديل عن مجموعة السبع

يرى الأكاديميان أنّ الغزو منح الغربيين فرصة ثانية لتصحيح أخطائهم، والفرص الثانية عادة ما تكون "نادرة" في السياسات الدولية. اقترح دالدر وليندزي تأسيس مجموعة الـ12 لتعزيز قوة الغرب في مواجهة روسيا والصين. تشمل مجموعة الـ12 مجموعة الدول السبع الحالية (كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة) إضافة إلى أوستراليا ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية والاتحاد الأوروبي. وسيحجز الناتو مقعداً إلى الطاولة في جميع القضايا المتعلقة بالأمن.

 

قوة هائلة

من مزايا هذه المجموعة أنها تضم قرابة مليار مواطن وتمثل 60% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وكذلك من الإنفاق العسكري. تضمّ الصين وروسيا معاً عدداً أكبر من السكان لكنهما بالكاد تشكلان 20% من الإنتاج الاقتصادي العالمي وفقط 17% من إنفاقه العسكري كما أوضحا. ينقص هذه الدول أن تعمل معاً كمجموعة وأن تحدد تعزيز النظام الدولي كغاية مشتركة. مجموعة السبع تقوم على روابط فضفاضة وتعالج القضايا الدولية غب الطلب. بالمقابل، ستلتزم مجموعة الـ12 بالتنسيق والتعاون عبر قمة تعقد مرتين سنوياً بين رؤسائها بينما يتعين على اجتماعات الوزراء أن تعقد بشكل متكرر.

 

جدول الأعمال

أضاف الكاتبان أنّه ينبغي على هذه المجموعة مناقشة قضايا الانتقامية الروسية والتنافس مع الصين ووقف انتشار التسلح النووي ومحاربة الإرهاب والأوبئة وتقييد التغير المناخي وحماية سلسلة الإمدادات العالمية للسلع الحيوية (أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي – للتغلب على الصين) وحرية التجارة ومواجهة الحمائية وغيرها. ولتسهيل التحرك المشترك، بإمكان هذه المجموعة الاجتماع مع الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية ومؤسسات مالية دولية.

على الصعيد الأمني، ولتفادي الوقوع في أخطاء الماضي حين تعاملت واشنطن مع حلفائها باستعلاء، ستبقى الولايات المتحدة "أولى بين متساوين" في مجموعة الـ12. هي الوحيدة التي تملك قوة عسكرية ذات طابع عالمي. لكن إذا نحجت ألمانيا واليابان في زيادة إنفاقهما الدفاعي خلال سنوات قليلة كما تعهّدتا، فقد تضيفان وحدهما 150 مليار دولار إلى الإنفاق الدفاعي الغربي. وبينما على أميركا التوقف عن إجراء مشاورات على قاعدة "إبلاغ" الآخرين قراراتها، سيتعين على الدول الآسيوية والأوروبية تحمل المزيد من أعباء التحرك.

 

تساؤلات

طرح دالدر وليندزي ما أمكن أن يطرحه آخرون بشكل فوري رداً على هذا الاقتراح: ألن يؤدي ذلك إلى تعزيز التوترات الحالية بما يصعّب صياغة حلول مطلوبة لتحديات دولية؟ بينما يعترف الكاتبان أنّ الصين وروسيا ستضاعفان جهودهما لتقويض النظام الدولي رداً على تأسيس محتمل لهذه المجموعة، يؤكدان في المقابل أن الديموقراطيات والأوتوقراطيات عالقة أساساً في صراع حول القيم التي يجب أن تقود النظام العالمي كما أنّ موسكو وبيجينغ لا تتطلعان إلى تحسين الترتيبات الدولية.

لكن الأهم من كل ذلك، يعتقد الكاتبان أنّ تشكيل مجموعة الـ12 لن تمنع الغرب من العمل مع روسيا والصين اللتين أبدتا نية بتقديم تنازلات لمصلحتهما الشخصية وليس كبادرة حسن نية. يرى الكاتبان أنّ ما أعلنه وزير الخارجية أنتوني بلينكن عن علاقة إدارة بايدن مع الصين ينطبق على علاقة مجموعة الـ12 معها: "تنافسية حين يجدر أن تكون، تعاونية حين يمكن أن تكون، خصومية حين يجب أن تكون".

 

أهمية الطرح

أهمية طرح دالدر وليندزي لا تكمن في توقيته وسط الغزو الروسي لأوكرانيا وحسب. برزت انتقادات سابقة لمجموعة السبع لأنها تستثني الصين كثاني أكبر اقتصاد في العالم. وإذا كانت مجموعة العشرين قادرة على حلّ هذه الإشكاليّة بالضبط فستبرز عثرات أخرى على مستوى هذا التجمّع من بينها انضمام دول غير متحمّسة للتحالف مع الغرب في أوكرانيا مثل الهند وإندونيسيا والبرازيل والأرجنتين وغيرها. على أيّ حال، فشلت مجموعة العشرين التي عقدت مؤخراً وضمت وزراء خارجية تلك الدول في إصدار بيان مشترك بسبب اختلاف وجهة النظر تجاه روسيا. ربما لهذا السبب، بدا أنّ بايدن مال مؤخراً إلى التقليل من أهمية مجموعة العشرين.

بهذا المعنى، يمكن أن تمثّل مجموعة الـ12 توسيعاً لمجوعة السبع من دون إضافة أعضاء متعارضين إلى حد كبير مع واشنطن حيال النظرة إلى موسكو. حتى "الديموقراطيات العشر" قد لا تفي بهذا الغرض بما أنّها تضمّ الهند إلى صفوفها والتي تستفيد بشكل كبير من شراء النفط الروسي بأسعار مخفّضة.

لا يعني ذلك أنّ مجموعة الـ12 ستكون متجانسة. لقد اختلفت مجموعة السبع الأصغر حجماً حول سياسات بدأت بالتجارة ومرّت بمكافحة "كورونا" ووصلت حتى إلى رؤية ملامح الحل في أوكرانيا. لكنّ هذه المجموعة متّفقة بالحدّ الأدنى على مبدأ عدم تغيير الحدود بالقوة العسكرية. أمّا عن احتمال انتقال هذا الاتفاق المبدئي إلى إطار تنسيقي فسؤال متروك للمستقبل.

 

 

اقرأ في النهار Premium