النهار

الهجوم على رشدي وما "لا تفهمه" أميركا عن إيران
جورج عيسى
المصدر: "النهار"
فيدل كاسترو قدّم تلميحاً
الهجوم على رشدي وما "لا تفهمه" أميركا عن إيران
عرض عسكري إيراني - "أ ب"
A+   A-

"يحبّ فيدل (كاسترو) أن يمزح بشأن أنّه لو رَفعت أميركا يوماً الحظر المفروض على كوبا، فسيقوم بأمر استفزازيّ في اليوم التالي لإعادة فرضه. هو يفهم أنّ أفضل طريقة للحفاظ على سلطته هي في (حبس بلاده) داخل فقّاعة" معزولة عن الرأسماليّة الدوليّة والمجتمع المدني. هذا ما ينقله الباحث البارز في "مركز كارنيغي إندومنت للسلام العالمي" كريم ساجدپور عمّا قاله له الممثّل شون پن الذي التقى مراراً بالزعيم الكوبي السابق. يرى ساجدپور أنّه "مثل كاسترو، يفهم السيّد (المرشد الإيرانيّ الأعلى علي) خامنئي أنّ الخطر العظيم على ثيوقراطيّته ليس العزلة العالميّة بل الاندماج العالميّ".

كتب ساجدپور مقاله في "نيويورك تايمس" قبل ساعات من توجيه هادي مطر طعنات عدّة إلى الروائيّ البريطانيّ سلمان رشدي. تداولت وسائل التواصل الاجتماعيّ صوراً لحساب مطر على "فايسبوك" وهو يضع صوراً لقادة الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران. حتى ولو لم تظهر التحقيقات أيّ تحريض مباشر من إيران للمعتدي كي يقوم بفعلته، يبقى محتملاً إلى حدّ كبير أن يكون مطر قد أقدم على الطعن متأثّراً بفتوى المرشد السابق روح الله الخميني بقتل رشدي بسبب كتابه "الآيات الشيطانية". وعلى الرغم من أنّ الرؤساء المحسوبين على المعسكر المعتدل في إيران مثل محمد خاتمي وحسن روحاني حاولوا تأكيد أنّ بلادهم لن تنفّذ الفتوى، أعاد خامنئي التشديد على أهميتها في تغريدة سنة 2019.

 

لحظة تأمّل؟

تفرض حادثة الطعن نفسها وسط مفاوضات متقدّمة في فيينا لإعادة إحياء الاتفاق النووي. للّيبيراليين في الغرب فكرة لا تموت: الانفتاح على إيران يدفعها إلى تليين سلوكها. على الرغم من أنّ هذه الفكرة سقطت ميدانياً حتى قبل مجيء دونالد ترامب إلى الرئاسة، لا يزال الأمل يراود على الأقل بعض المسؤولين الأميركيين بتخلّي إيران عن مسعاها للهيمنة الإقليميّة بعد الاتّفاق. أن يمتنع المسؤولون الإيرانيّون عن التعليق على الحادثة وأن تبادر غالبيّة الصحف الرسميّة الإيرانيّة إلى تهنئة المعتدي ربّما يضعان الغرب مجدّداً في لحظة تأمّل معمّقة. أتى الاعتداء على رشدي بعد اتّهام وزارة العدل الأميركيّة عنصراً من الحرس الثوريّ بمحاولة اغتيال مستشار الأمن الأسبق جون بولتون. ربّما تطرح الإدارة في الصالونات المغلقة أسباباً تخفيفيّة للدوافع الإيرانيّة بشأن محاولة الاغتيال.

فبولتون كان جزءاً من فريق سياسيّ أميركيّ فرض "حملة ضغط أقصى" على إيران كما اغتال ثاني أكبر شخصيّة إيرانيّة: قاسم سليماني. لكنّ التهنئة الضمنيّة غير المباشرة لهادي مطر ومحاولتها اغتيال الناشطة الإيرانيّة مسيح علي نجاد مرّتين على الأراضي الأميركيّة، وفي ظلّ تساهل الإدارة الديموقراطيّة مع إيران، قد تضعان الإدارة بمواجهة سؤال قديم-جديد: لماذا تصعّد طهران في وقت تمدّ واشنطن يدها للتعاون معها؟

 

التطبيع "خطير" على النظام

أهمية ما كتبه ساجدپور في "نيويورك تايمس" أنّه يسلّط الضوء على إخفاقات جميع الإدارات المتعاقبة في فهم إيران الإسلاميّة لا إخفاق إدارة بايدن وحدها. مشكلة الليبيراليّين بحسب رأيه هي أنّهم لم يفهموا أنّ طهران لم تكن قطّ مهتمّة بالانفتاح على الولايات المتحدة. ولهذا السبب، عمدت كلّ الإدارات الأميركيّة بدءاً من إدارة كارتر وصولاً إلى إدارة بايدن، باستثناء جورج بوش الابن، إلى طلب التواصل مع إيران. لكن لم يذكر التاريخ أنّ إيران بادرت هي أولاً، ولو لمرّة واحدة، إلى خطوة انفتاحيّة تجاه الأميركيّين. وفقاً لساجدبور، يحتاج النظام الإيرانيّ إلى عنوان العداء تجاه واشنطن من أجل الحفاظ على تلاحمه وهويّته الثوريّة. "قد يبرهن التطبيع الأميركيّ-الإيرانيّ أنّه مزعزع بشدّة لاستقرار الحكومة الثيوقراطيّة". بالمقابل، ما "لم يفهمه" المحافظون الأميركيّون هو أنّ النظام يزدهر وسط العزلة.

يعتقد الباحث نفسه أنّ "النظام الدينيّ الذي حكم إيران على مدى العقود الأربعة الماضية يعاني من مرض عضال، ومع ذلك لا يزال قائماً، ويرجع ذلك جزئيّاً إلى عدم وجود بدائل قابلة للتطبيق. لا يستطيع أن يُصلح نفسه بشكل جدّيّ بسبب مخاوف مبرّرة من أن يؤدّي ذلك إلى تسريع موته".

 

الإطار العام لسياسات طهران

الاعتداء على رشدي ومحاولة اغتيال مسؤولين أميركيّين لا يتعلّقان بردّ فعل على تطوّرات خارجيّة وحسب. تعتقد وزارة العدل أنّ مخطّط قتل بولتون (وبومبيو وهوك) هو انتقام لاغتيال سليماني. لكنّ ذلك قد يكون السبب المباشر وراء هذه العمليّة. العداء لأميركا كمحفّز لطبيعة النظام الثوريّة هو على الأرجح أهمّ الأسباب غير المباشرة لمخطّطات كهذه. سنة 2018، خطّطت إيران لمهاجمة تجمّع للمعارضة الإيرانيّة في فرنسا على الرغم من العلاقات الإيجابيّة تاريخياً بين باريس وطهران. فتوى الخميني بقتل رشدي يمكن أن يُنظر إليها أيضاً في إطار أوسع. لقد أطلق المرشد السابق فتواه بعد أشهر قليلة على خسارة الحرب أمام عراق صدام حسين.

في ذلك الوقت، بدأ الإيرانيون يتساءلون عن سبب استمرار الحرب كلّ تلك السنوات بينما توفّرت الهدنة لإنهائها بكلفة بشريّة ومادّيّة أقلّ سنة 1982 بعد دحر القوّات المهاجمة إلى داخل الأراضي العراقيّة. أراد الخميني مواصلة الحرب حتى إطاحة نظام صدّام وقد فشل في ذلك. بعد "تجرّع كأس السمّ" والتوقيع على وقف إطلاق النار بموجب القرار الأمميّ 598، وفّر كتاب "الآيات الشيطانية" ذريعة لطهران من أجل التعويض عن خسارتها الحرب وبالتالي إعادة تعزيز موقع النظام بصفته "مدافعاً" عن الإسلام والمسلمين حول العالم. ولا تزال إيران إلى اليوم تتفاخر بهذا الشعار.

 

ما يريده المرشد

بصرف النظر عن الاعتداء على رشدي أو على مواطنين أميركيّين داخل الولايات المتحدة، لا تزال احتمالات النجاح في إعادة إحياء الاتفاق وازنة إن لم تكن راجحة. يقول أحد المسؤولين في الإدارة لمجلة "بوليتيكو" بعد الكشف عن محاولة اغتيال بولتون: "إنّنا سعينا إلى اتفاق نووي بالتحديد لأنّ برنامجاً نووياً إيرانياً غير مقيّد سيجعل كلّ المشاكل الأخرى الخطيرة جداً التي لدينا – ولدينا العديد منها – أسوأ بكثير". مجدّداً، فكرة الليبيراليّين الأميركيّين لا تموت.

سيوفّر الاتّفاق، وبشكل أعمّ سياسة بايدن تجاه إيران، ما يسعى إليه المرشد بحسب ساجدپور: "هو يريد أن يكون قادراً على بيع نفط إيران في السوق العالميّة من دون عقوبات، لكنّه لا يريد لإيران أن تكون مندمجة بالكامل في النظام العالميّ".

و100 مليار دولار من الأموال المفرج عنها مباشرة بعد التوقيع على الاتّفاق ستفي بالغرض في المرحلة الأولى.

 

 

 

اقرأ في النهار Premium