كشف تقرير إخباري عن تفاصيل جديدة عن الهجوم على الروائي سلمان رشدي، الذي لا يزال يرقد في المستشفى إثر تعرّضه لطعنات متعدّدة.
وقالت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية إن المهاجم هادي مطر (24 عاماً) اتخذ خطوات عدة عمداً لوضع نفسه في مكان يمكّنه من إيذاء رشدي، بما في ذلك الحصول على تذكرة للمشاركة في الحدث الذي كان من المقرّر أن يتحدث فيه رشدي.
وأضافت أن مطر، وهو أميركي من أصل لبناني، وصل إلى مكان المعهد الذي استضاف المحاضر قبل أيام من انعقادها.
وفي السياق، قال طبيب شهد عملية الطعن إنها وقعت على الرغم من وجود اثنين من عناصر الشرطة في المكان، حيث كانا يعملان على تأمين الحدث، لكن الحشد الذي كان حاضراً هو من تدخل وأوقف المهاجم.
وذكر مارتن هاسكل وهو طبيب من ولاية أوهايو أن "الجمهور هو الذي تمكن من إخضاع المهاجم، وسرعان ما قام الشرطيان بتقييد يديه".
ولفت إلى أن وجود عنصري الشرطة لم يمنع المهاجم الذي ركض سريعاً نحو المنصة شاهراً سكينه، بدون أيّ عائق.
لكن ليس من الواضح أين كان العنصران يقفان بالضبط في الحدث.
وأكّد متحدث باسم شرطة نيويورك أن عنصري الشرطة كانا موجودين بالفعل في المكان، من أجل توفير الأمن للحدث، بناءً على طلب معهد تشوتاكوا.
وبحسب هاسكل، فإن عدداً من الذين كانوا في محاضرة لاحظوا أن مطر كان يتردّد على ساحة مؤسّسة تشوتاكوا.
وذكرت "ديلي ميل" أن المهاجم حصل على تذكرة لحضور الحفل، ووصل قبل يوم واحد من الهجوم إلى المكان حاملاً هوية مزيفة.
ولفتت إلى أن رشدي تعرض للطعن 12 مرة في العنق والوجه، علماً أن تقارير أخرى ذكرت أن عدد الطعنات بلغ 10 وبعضها في البطن.
وذكر المدعي في مقاطعة تشوتاكوا، حيث وقع الهجوم، خلال محاكمة هادي مطر، السبت، أنه سافر بالحافلة إلى المقاطعة قبل يوم واحد على الأقل من الحادث، واشترى تذكرة للمحاضرة، الأربعاء.
وأكّد أن الهجوم كان مخططاً بشكل مسبق وغير مبرّر.
وقال زميل رشدي، الكاتب عايش تيسير، إن حالة رشدي (75 عاماً) تحسنت وذلك بدلي رفع جهاز التنفس الصناعي عنه.
وكتب تيسير تغريدة في "تويتر" أكّد فيها أن رشدي صار يتحدث و"يمزح"، لكنه لا يزال يعاني من جروح خطيرة، وفي وقت لاحق حذف التغريدة، لكن وكيل رشدي أكّد صحة المعلومات التي قالها تيسير.
هذا وكان قد مثل منفذ الهجوم على سلمان رشدي، وهو شاب أميركي لبنانيّ الأصل، أمام قاض في ولاية نيويورك حيث دفع ببراءته من تهمة "محاولة قتل" الكاتب البريطاني الذي لا يزال في حال الخطر في المستشفى غير أنه تمكن من التفوه ببعض الكلمات مساء أمس.
وطُعن سلمان رشدي عشر مرات الجمعة في هجوم أثار موجة استنكار شديد في الغرب، قابلتها إشادات من متطرفين في إيران وباكستان.
وكان سلمان رشدي مهدّداً بالقتل منذ أن أصدر مؤسّس الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران آية الله روح الله الخميني فتوى بهدر دمه في 1989 بسبب روايته "آيات شيطانيّة".
ومثل هادي مطر (24 عاماً) مرتدياً بدلة السجناء وواضعا كمامة، في جلسة إجرائية أمام محكمة تشوتوكوا حيث هو ملاحق بتهمة "محاولة القتل والاعتداء" ولم يتفوه بكلمة، بحسب صحيفة "نيويورك تايمس" وصور نشرتها الصحافة المحلية.
- هجوم عن سابق تصور -
واعتبر الادعاء العام أن الهجوم على الكاتب الجمعة في مركز ثقافي في تشوتوكوا حيث كان سيلقي محاضرة، حصل عن سابق تصور. وقام المهاجم بطعن الكاتب البالغ 75 عاماً عشر مرات على الأقل في العنق والبطن.
ودفع المشتبه به المقيم في ولاية نيوجرسي ببراءته من خلال محاميه وسيمثل مجدّداً أمام المحكمة في 19 آب.
ولم تصدر أيّ معلومات أمس عن السلطات وأقرباء سلمان رشدي حول الوضع الصحي للبريطاني الذي حصل على الجنسية الأميركية، بعدما نقل الجمعة على وجه السرعة إلى مستشفى حيث تمّ وصله بجهاز تنفس اصطناعي في إرييه بولاية بنسيلفانيا على ضفة البحيرة التي تفصل بين الولايات المتحدة وكندا.
غير أن وكيل أعماله أندرو وايلي قال لصحيفة "نيويورك تايمس" فقط أن الكاتب تكلم مساء السبت بدون أن يوضح ما إذا كان لا يزال تحت التنفس الاصطناعي، وذلك بعدما أفاد الصحيفة مساء الجمعة بأن "سلمان سيفقد إحدى عينيه على الأرجح وقُطِعت أعصاب ذراعه وتعرّض كبده للطّعن والتلف".
وأثار الاعتداء صدمة شديدة وخصوصاً في الغرب حيث ندّد الرئيس الأميركي جو بايدن بـ"الهجوم الشرس"، مشيداً بالكاتب "لرفضه الترهيب والإسكات".
- حياة طبيعية في نيويورك -
يعيش سلمان رشدي منذ عشرين عاماً في نيويورك حيث استعاد حياة شبه طبيعية بعيداً عن الأنظار، مواصلاً الدفاع في كتبه عن الحق في التهكم وعدم احترام الأديان.
وكانت مجلة "شتيرن" الألمانية أجرت مقابلة معه قبل أيام من الهجوم في نيويورك، قال فيها "منذ بدأت أعيش في الولايات المتحدة، لم يعد لديّ مشاكل، عادت حياتي إلى طبيعتها"، مبدياً "تفاؤله" رغم "تهديدات القتل اليومية"، بحسب مقتطفات نشرتها المجلة على أن تصدر المقابلة كاملة في 18 آب.
ولم تلغَ "الفتوى" بحق الكاتب، واستهدفت هجمات العديد من مترجمي الرواية، جُرح بعضهم وقتِل آخرون مثل الياباني هيتوشي إيغاراشي الذي قضى طعناً في 1991.
في الولايات المتحدة، سجل موقع أمازون زيادة في الطلبات على "آيات شيطانية" فيما أفادت مكتبة "ستراند بوكستور" النيويوركية وكالة "فرانس برس" أن "الناس يأتون لرؤية ما كتبه والاستعلام عمّا لدينا" في المخزون.
وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجمعة "نضال سلمان رشدي هو نضالنا، وهو نضال عالميّ". فيما ندّد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس بهجوم "مروع".
كما ندّد رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو السبت بـ"الهجوم الجبان" و"الإساءة لحرّية التعبير".
وكتبت صحيفة "شارلي إيبدو" الفرنسية الهزلية التي استهدفها هجوم إسلامي أقدَم منفّذه على إعدام جميع أعضاء هيئة تحريرها تقريباً عام 2015، أن "لا شيء يُبرّر فتوى، لا شيء يُبرّر حكمًا بالإعدام".
- ترحيب في إيران وباكستان -
في جنوب لبنان، قال علي قاسم تحفة رئيس بلدية قرية يارون لوكالة "فرانس برس" إنّ هادي مطر "من أصول لبنانيّة"، مضيفاً أنه "وُلد ونشأ في الولايات المتحدة، ووالده ووالدته من يارون".
وفي إيران هنّأت صحيفة "كيهان" المحافظة المتشدّدة أمس منفذ الهجوم وكتبت: "مبروك لهذا الرجل الشّجاع المدرك للواجب الذي هاجم المرتدّ والشرّير سلمان رشدي". وأضافت "لنقبّل يَد من مزّق رقبة عدوّ الله بسكّين".
في سوق الكتب في طهران كان الجميع على عِلم بالهجوم الذي تعرّض له الكاتب البريطاني في الولايات المتحدة، لكنّ مؤيّدي العملية فقط هم من يعبّرون عن آرائهم.
وفي باكستان المجاورة، اعتبر حزب "تحريك لبيك باكستان" المعروف بردود فعله العنيفة على ما يعتبره إساءة للإسلام، أنّ رشدي "يستحقّ أن يُقتل".
ولد سلمان رشدي في 19 حزيران 1947 في بومباي ونشأ في عائلة مثقّفين مسلمين غير متديّين وتقدّميّين. وأثار غضب العالم الإسلامي بروايته "آيات شيطانيّة" ما دفع آية الله روح الله الخميني إلى إصدار فتوى في 1989 تدعو إلى قتله.
واضطر الروائي مذّاك إلى التواري والعيش في السرّيّة متنقلاً من مخبئ إلى مخبئ تحت حماية الشرطة.