"لا أعذار، أيّها الجمهوريّون. ظنّ الجميع أنّكم تمتّعتم ببيئة القضايا المثاليّة لانتخابات نصفيّة، واستطلاعات الخروج أكّدتها. سبعة من أصل عشرة ناخبين قالوا إنّهم كانوا ‘غير راضين‘ أو ‘غاضبين‘ من حالة البلاد. وصف نحو ثلاثة أرباع الناخبين على المستوى الوطنيّ حالة الاقتصاد بأنّها ‘سيّئة‘ أو ‘غير جيّدة‘، وقالت نسبة مساوية إنّ التضخّم تسبّب لهم بمعاناة شديدة أو متوسّطة (...). كان لديكم رئيس غير شعبيّ، ومثّل عبئاً شعبيّاً إلى درجة أنّ الديموقراطيّين لم يسمحوا له بالتوجّه إلى أيّ مكان قريب من ولاية متأرجحة".
وجّه المحلّل المحافظ جيم غيراتي في مجلّة "ناشونال ريفيو" انتقاده لأداء الحزب الجمهوريّ، ومعه لأداء الرئيس السابق دونالد ترامب، بعد ساعات على فرز نتائج انتخابات التجديد النصفيّ. كانت النتائج سريعة في الإشارة إلى تبدّد فرص أيّ "مدّ أحمر" أو "موجة حمراء" كثُر الحديث عنهما في الأشهر الأخيرة. وأضاف غيراتي بعد حديثه عن "النقطة المضيئة" التي سجّلها رون ديسانتيس عبر فوزه مجدّداً بمنصب الحاكميّة في فلوريدا بنسبة تقارب 20%: "لا أعلم ما إذا كان رون ديسانتيس قد أصبح متصدّر ترشيح الحزب الجمهوريّ لانتخابات 2024 الليلة الماضية. أعلم أنّه يجب أن يكون المتصدّر الآن".
حقبة جديدة
يبدو أنّ أمنية غيراتي لم تعد بعيدة من التحقّق. يحصل ديسانتيس على دعم كبير من المؤسّسة الجمهوريّة والإعلام التابع لها. أشار تقرير في شبكة "سي أن أن" إلى أنّ إمبراطوريّة مردوخ الإعلاميّة التي تسيطر على بعض أقوى الوسائل الإعلامية المحافظة فضّلت تنحية ترامب جانباً والإشادة بأداء ديسانتيس. في مقدّمة تلك الوسائل الإعلاميّة شبكة "فوكس نيوز" التي تحدّثت عن "حقبة جديدة" والتي استضافت رئيس مجلس النواب الأسبق نيوت غينغريتش الذي قال إنّ ديسانتيس "سيصبح بشكل شبه مؤكّد نقطة التجمّع لكلّ من يريد في الحزب الجمهوريّ أن يبتعد عن الرئيس ترامب".
وتصبّ التحليلات أيضاً في صالح حظوظ ديسانتيس المرتفعة. يشير مؤلّف كتاب "خرافة قمع الناخبين" فْرَد لوكاس إلى أنّه "في 2016، لم يكن أحد جاهزاً لترامب. المؤسّسة الجمهوريّة لم تكن معجبة به – لكن في ذلك الوقت لم يأبهوا لخصمه الأساسيّ السيناتور عن تكساس تيد كروز. على النقيض من ذلك، يحفّز ديسانتيس الكثير من التيّار المحافظ ويبدو مقبولاً بشكل كامل للمؤسّسة – على الأقلّ كوسيلة لغاية".
حسابات الجمهوريّين
ظلّ كبار الجمهوريّين متردّدين في دعم ترامب سنة 2016 حتى فرض نفسه على الجميع في الانتخابات التمهيديّة وحتى فاجأهم كروز أيضاً بإخلاء الساحة طوعاً أمامه. كانت طباع ترامب وعدم خبرته السياسيّة حاجزاً كبيراً أمام دعم المؤسّسة له إلى أن قال الناخبون الجمهوريّون كلمتهم. وتمكّن ترامب من فرض نفسه أكثر عندما فاز في الانتخابات الرئاسيّة وأوصل معه الحزب الجمهوريّ إلى مجلسي الشيوخ والنوّاب معاً.
في ذلك الوقت، ساهم عدم انتماء ترامب لـ"المؤسّسة" أكانت جمهوريّة أو أميركيّة في صناعة زخم الرئيس السابق. اليوم تبدّل الوضع. لم يعد بإمكان ترامب ادّعاء أنّه من خارج المؤسّسة بعد قضاء أربعة أعوام في البيت الأبيض الذي خرج منه بشكل مهين للولايات المتّحدة بعد أحداث الكابيتول في 6 كانون الثاني 2021. إذا كان بإمكان ديسانتيس أن يمثّل أفكار ترامب من دون طباعه فسيكون من المفهوم أن يبدأ الجمهوريّون بدعمه، خصوصاً لو ساد انطباع بأنّ ترامب بات عبئاً على الجمهوريّين.
هذا ما سيحتّمه ذكاء ديسانتيس
تبدو استفادة ديسانتيس من الزخم الانتخابيّ للبدء بخوض حملته الرئاسيّة منطقيّة إلى حدّ بعيد. لكنّ الحسابات على الصعيد الجمهوريّ تبقى أكثر تعقيداً. يقول خبير جمهوريّ في استطلاعات الرأي خلال حديث إلى موقع "1945" الأميركيّ إنّه يستحيل أن يترشّح ديسانتيس.
"لا أشكّ في أنّ ديسانتيس يستطيع مقارعة ترامب وحتى التغلّب عليه، لكن ما الذي سيحصل بعدها؟" يجيب الخبير بأنّ ترامب وجناحه لن يدعما ديسانتيس في الانتخابات العامة وبالتالي سيخسرها؛ "أنا واثق بأنّه يفهم كلّ هذا".
لن يكون مسار ديسانتيس نحو انتزاع ترشيح الحزب سهلة. لا يزال ترامب يتمتّع بقاعدة صلبة وبثروة كبيرة تمكّنه من بقاء "جُليات" الحزب الجمهوريّ كما كتب لوكاس في "ناشونال إنترست". ويضيف أيضاً أنّ ديسانتيس لا يتمتّع بكاريزما كافية ليخطف الأضواء عن ترامب.
وثمّة تحليل طرحه مسؤول جمهوريّ آخر خدم في إدارة ترامب يستحقّ التوقّف عنده. يقول المسؤول لموقع "1945" إنّ ديسانتيس "ذكيّ للغاية" ويعلم أنّه سيعاني جدّاً كي يتغلّب على ترامب. لذلك، هو لن يترشّح في 2024 بل في 2028.
بين الإيجابيّات والسلبيّات
إنّ فكرة تأجيل الترشيح تحمل الكثير من المنافع والقليل من المخاطر بالنسبة إلى ديسانتيس. لا يزال المستقبل أمام حاكم فلوريدا (44 عاماً) وهو بغنى عن معارك جانبيّة قد تكلّفه الخسارة أمام ترامب، وإلّا خسارة على المستوى الوطنيّ. وبالعكس، لو تفادى المواجهة مع الرئيس السابق، فقد ينال دعمه سنة 2028. إلى جانب ذلك، ستكون حظوظ ديسانتيس أفضل بكثير سنة 2028 إذا خسر ترامب والجمهوريّون استحقاق 2024. سيكون ترامب قد استُنزف وكذلك تأييد جناح "ماغا" لقطب العقارات السابق. عندها، سيبدو ديسانتيس كـ"منقذ" للجمهوريّين.
أمام إيجابيّات تأجيل مفترض للترشيح، لا تنعدم بعض الجوانب السلبيّة لهذه الفكرة. ستّ سنوات هي فترة زمنيّة طويلة قد تفسح المجال أمام مرشّحين أكثر قدرة على منافسة ديسانتيس. ولو نجح ترامب في الانتخابات الرئاسيّة المقبلة فسيختار على الأرجح نائبه كمرشّح لاستحقاق 2028. باختصار، ما من ضمانة في أن يكون زخم ديسانتيس الشعبيّ والإعلاميّ اليوم متوفّراً بعد ستة أعوام. وهذا ما يدركه أيضاً الجمهوريّون الراغبون بطيّ صفحة ترامب. لذلك حتى إذا كان ديسانتيس يميل إلى عدم الترشّح لانتخابات 2024 فهو بدأ يخضع لضغوط إعلاميّة كبيرة كي يخوض السباق الرئاسيّ. وربّما يشتدّ هذا الضغط مع نيّة ترامب إعلان ترشّحه يوم الثلاثاء. لا شكّ في أنّ سكرة ديسانتيس الانتخابيّة الأخيرة لن تطول كثيراً.