تزداد العقبات أمام إعادة إحياء الاتّفاق النوويّ بفعل خطوات اتّخذتها إيران في الأشهر الأخيرة. برزت العقبة الأولى في آذار 2022 حين تقدّمت طهران بمطلب رفع الحرس الثوري عن قائمة المنظّمات الإرهابيّة الأجنبيّة.
صنّفت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب الحرس على لائحة الإرهاب سنة 2019. يرفض الرئيس جو بايدن الاستجابة لهذا الطلب لأنّه أوّلاً لا يرتبط بالاتفاق النووي بشكل مباشر وثانياً بسبب الضغط الكبير الذي يمارسه الجمهوريون في مجلس الشيوخ على إدارته لعدم الإقدام على هذه الخطوة.
قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الخميس الماضي في تلميح إلى الطلب الإيرانيّ: "إنّنا لن نتمكّن من إنهاء المفاوضات وتنفيذها إلّا إذا تخلّت إيران عن مطالبها الإضافيّة التي لا علاقة لها بتاتاً بخطة العمل الشاملة المشتركة" (الاسم الرسمي للاتفاق النووي).
الخطوة الثانية التي اتّخذتها إيران هي رفض التعاون بشكل كامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في ما يخصّ آثار يورانيوم بشريّة المنشأ تمّ العثور عليها في ثلاث منشآت إيرانيّة غير مصرّح عنها. وتبنّى مجلس المحافظين التابع للوكالة الأمميّة نفسها الأسبوع الماضي قراراً من مجموعة الثلاث الأوروبية (المملكة المتحدة وبريطانيا وفرنسا) مدعوماً من الولايات المتحدة بتوجيه اللوم رسميّاً إلى إيران لعدم تعاونها مع الوكالة. كان هذا القرار هو الثاني من نوعه منذ حزيران 2020.
غالبية واضحة
تفادت واشنطن الدفع باتّجاه هذا القرار في المرّات السابقة خوفاً من تأثير ذلك سلباً على المحادثات النوويّة. لكن يبدو أنّ الإدارة الحالية قرّرت نقل الكرة إلى الملعب الإيرانيّ. وكان المدير العام للوكالة رافاييل غروسّي قد أشار إلى أنّه لن يقبل بإيجاد تسويات سياسيّة لعدم تعاون طهران مع المفتّشين الأمميّين. وصعّدت الوكالة الأمميّة موقفها مع ذكر أسماء المنشآت الثلاث التي وجدت فيها آثار اليورانيوم علماً أنّها تكتّمت سابقاً عن الإشارة إلى تلك المواقع.
مرّ القرار بموافقة 30 دولة واعتراض روسيا والصين إضافة إلى امتناع الهند وباكستان وليبيا عن التصويت. مع ذلك، جاءت صياغة قرار الإدانة معتدلة ولم تحدّد جداول زمنية للتعاون.
وقال مستشار الأمن القومي جيك سوليفان إنّ قضية إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرّيّة وجهود إحياء الاتفاق النووي هما "مساران منفصلان". غير أنّ كلام بلينكن جاء أكثر حزماً إذ قال إنّ "النتيجة الوحيدة الممكنة لمثل هذا الموقف ستكون أزمة نوويّة متفاقمة وزيادة العزلة الاقتصاديّة والسياسيّة لإيران".
ردّت طهران بنزع 27 كاميرا مراقبة عن منشآتها النووية وبإعلان أنّها تخطّط لتفعيل سلسلتين جديدتين من أجهزة طرد حديثة من طراز "آي آر 6".
رهان إيران
فرضُ الإدارة الأميركيّة عزلة على طهران غير مؤكّد وسط تناقض التصريحات الصادرة عن واشنطن. قد لا تقدّم الإدارة تنازلات في ما يتعلّق بشطب الحرس عن لائحة الإرهاب، على الأقل ليس قبل الانتخابات النصفيّة. ربما تستطيع إيران الانتظار لنهاية السنة حتى تنتزع هذا التنازل. لكن بالمقابل، تتطلّب العزلة المفترضة إعادة تنفيذ العقوبات المفروضة على إيران بشكل كامل. وما من مؤشّرات إلى أنّ ذلك يحصل حالياً، علماً أنّ الإدارة خفّفت تنفيذها منذ استلامها السلطة في كانون الثاني 2021. وتمكّنت طهران من زيادة احتياطاتها من العملات الأجنبية بفعل تمكّنها من بيع النفط إلى الصين بفضل غضّ نظر أميركيّ.
وتراهن إيران على أنّ واشنطن لن تستطيع العودة إلى حملة الضغط الأقصى التي انتهجتها في السابق لأنّ ذلك سيفاقم ارتفاع أسعار النفط العالمية بما ينعكس مزيداً من التضخّم في الأسواق الأميركيّة. لهذا هي قادرة على التمسّك بمطلبها حيال رفع الحرس الثوري عن لائحة الإرهاب. ويبدو أنّ هنالك على الأقل سببين رئيسيين يدفعان إيران إلى الإصرار على مطلبها.
في الخارج والداخل
السبب الأول هو أنّ التصنيف يوفّر لضحايا الحرس من الأميركيين حقاً بالتحرّك أمام المحاكم الفيديرالية للحصول على تعويضات مادّيّة من الإيرانيّين. كما أنّه يضمن مروحة أوسع من التحرّك خارج الحدود الأميركيّة لاستهداف مقدّمي الدعم للحرس الثوريّ. السبب الثاني والذي قد لا يقلّ أهمية عن الأول هو داخليّ بحت. يريد المحافظون إثبات أنّهم أقدر من الإصلاحيّين على انتزاع التنازلات من الغربيين.
منسّق الأبحاث في "المعهد الإيطاليّ للشؤون الدوليّة" ريكاردو ألكارو رأى في حديث إلى "آسيا تايمس" أنّ "حسابات إدارة رئيسي هي وجوب إظهار أنّها قادرة على تحقيق أكثر ممّا فعلته حكومة روحاني السابقة". مع ذلك، لا يستعبد ألكارو أن تكون الحكومة الحاليّة قد أخذت بالحسبان أنّ هذه الاستراتيجيّة تخاطر بتخفيف احتمالات استعادة الاتفاق النووي. "إذا كانوا مستعدين لهذه المخاطرة فلأنّهم احستبوا أنّهم قادرون على تحمّل الضغط الاقتصادي الذي قد يعقب انهياراً نهائياً للاتفاق".
تباين في الموقف الإيرانيّ؟
خلال فاعليات "منتدى الاقتصاد الدولي" الذي استضافته دافوس الشهر الماضي، قلّل وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان من أهمّيّة تصنيف الحرس الثوريّ كعقبة أمام إعادة إحياء الاتفاق النوويّ، قائلاً إنّ هذه المسألة "الثانويّة" ضخّمها "اللوبي الموالي لإسرائيل".
لكن خلال مقابلة إعلامية في آذار، نقل عبداللهيان عن مسؤولين في الحرس الثوري قولهم إنّه لو توقّف نجاح المفاوضات فقط على وضعيّة الحرس الثوري فيجب على المفاوضين "اختيار مصالح البلاد" وعدم السماح لهذا المطلب بأن يعرقل المحادثات. بعدما رأى مراقبون إيرانيون أنّ هذا الكلام تمهيد لتسوية حول قضية التصنيف، ردّ عبداللهيان بالقول إنّ هؤلاء المراقبين لم يفهموا مقابلته مشدّداً على أنّ رفع العقوبات عن الحرس "خط أحمر". بمعنى من المعاني، ثمّة فارق بين ما قاله وزير الخارجية الإيراني في آذار وتصريحه في أيار.
لكن يبدو أنّ إيران أقرب إلى الموقف الأخير. هي إمّا واثقة من قدرتها على تحمّل العقوبات إذا انهار الاتّفاق كما قال ألكارو، أو هي عمليّاً تحاول مواصلة رفع السقف للحصول على بديل مناسب آخر.
وهذا ما يعرضه لـ"النهار" مدير مشروع إيران في "مجموعة الأزمات الدولية" والمستشار البارز لرئيسها علي واعظ:
"تدرك القيادة الإيرانيّة الآن أنّ الحرس الثوريّ الإيرانيّ لن يُشطب من القائمة قبل إعادة العمل بالاتّفاق".
وتابع: "القضيّة الرئيسيّة الآن هي إيجاد تخفيف للعقوبات بديل عن شطب الحرس الثوريّ الإيرانيّ من القائمة".