قُتل شخصان في بولندا، مساء الثلثاء، جرّاء سقوط صاروخ روسي الصنع، وفق ما أعلنت وارسو التي رفعت مستوى تأهّب قواتها تحسّباً لأي تصعيد كبير في الحرب الدائرة في أوكرانيا، ما استدعى اجتماعاً طارئاً للرئيس الأميركي جو بايدن مع الحلفاء في بالي.
وأعلنت وارسو أنّ الصاروخ الذي سقط في بلدة بيرفودوف أوقع قتيلين، لكنها شدّدت على أنه ليس لديها دليل قاطع على هوية الجهة التي أطلقته، وأشارت إلى أنها استدعت سفير روسا لديها لتقديم "تفسيرات مفصلة فورية".
أفاد البيت الأبيض أنّ ابايدن وحلفاء رئيسيين أجروا محادثات "طارئة" الأربعاء في أعقاب سقوط صاروخ في منطقة بولندية بالقرب من الحدود مع أوكرانيا.
وقال بايدن بعد اجتماعه مع حلفائه إنّه سيدعم بولندا لإجراء تحقيق لمعرفة "ما حدث بالضبط" بشأن الضربة الصاروخية التي تعرضت لها الأراضي البولندية، لافتاً إلى أنّ المعلومات الأولية تظهر أن الصواريخ لم يتم إطلاقها "من روسيا".
وأضاف بايدن للصحافيين في بالي حيث يحضر قمة مجموعة العشرين: "من غير المرجح أن يكون قد أطلق من روسيا"، في إشارة إلى مسار الصاروخ، مؤكداً "الحرص على معرفة ما حدث بشكل دقيق".
وشارك في الاجتماع الذي تم الإعداد له على عجل قادة دول الاتحاد الأوروبي وجميع قادة دول مجموعة السبع، أي بريطانيا وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والولايات المتحدة.
ووصف موقع البيت الأبيض الاجتماع المغلق الذي عقد في بالي بعد الطلب من الصحافيين المغادرة بأنّه "طاولة طارئة مستديرة".
وأثار سقوط الصاروخ في بولندا العضو في حلف شمال الأطلسي مخاوف من أن يتم جرّ الحلف إلى حرب روسيا المستمرة منذ قرابة تسعة أشهر في أوكرانيا المدعومة من الغرب.
وكان البيت الأبيض حذراً في ردّه الأولي ولم يُلقِ باللوم على أحد في سقوط الصاروخ الذي أصاب قرية بولندية.
كما سعى الرئيس البولندي أندريه دودا الى تهدئة التوتر، حيث قال في مؤتمر صحافي: "ليس لدينا في الوقت الراهن دليل قاطع على هوية الجهة التي أطلقت الصاروخ"، معتبراً الأمر بأنه حادث "معزول".
وأضاف: "لا يوجد شيء لدينا ما يؤشر الى أنه سيكون هناك المزيد" من الصواريخ.
واتصل بايدن بدودا من بالي ليشدد على بقاء الطرفين "على اتصال وثيق لتحديد الخطوات التالية المناسبة مع استمرار التحقيقات"، وفق البيت الأبيض.
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إنّه اتصل بنظيريه البولندي والأوكراني.
وأضاف بلينكن: "تعهدنا بمواصلة التنسيق الوثيق في الأيام المقبلة مع استمرار التحقيقات من أجل تحديد الخطوات التالية المناسبة".
من جهته، غرّد وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا عبر "تويتر" قائلاً إنه دعا إلى استجابة "صارمة" خلال مكالمته مع بلينكن.
وبايدن، الذي نشر البيت الأبيض صورة له مع بلينكن ومستشاره للأمن القومي جيك سوليفان في بالي في وقت مبكر الأربعاء، من المقرر أن يغادر إندونيسيا متوجّهاً إلى واشنطن في وقت لاحق.
من جهتها، دعت فرنسا إلى توخّي "أقصى درجة من الحذر" بشأن مصدر الصاروخ الذي سقط في بولندا مع إعلان "دول عدة" في المنطقة تمتلك النوع نفسه من السلاح، محذّرة من "خطر تصعيد كبير".
وأكدت الرئاسة الفرنسية أنّه "نظراً للرهانات، من المنطقي أن نتعامل مع المسألة بأقصى درجة من الحذر"، مذكّرة بوجود "مخاطر تصعيد كبيرة في المنطقة".
وقال أحد مستشاري الرئيس الفرنسي إنّ "هناك الكثير من المعدات في المنطقة وتركز كبير للأسلحة. عدد كبير من الدول يمتلك النوع نفسه من الأسلحة وبالتالي فإن تحديد نوع الصاروخ لا يعني بالضرورة تحديد الجهة التي أطلقته".
وصرّح مستشار آخر للرئيس أنّه "يجب النظر إلى الوقائع بدقة كبيرة، النظر إلى المعلومات وخرائط السماء ورؤية بيانات الأقمار الاصطناعية. هذا قضية لا يمكن أن نخطئ فيها".
وأضاف: "لو كان صاروخاً أوكرانيّاً لما كان الأمر بطبيعة الحال هو نفسه سياسيّاً لأنّه لا يمكن أن نتصور أن أوكرانيا تعمدت إطلاق صاروخ على بولندا".
وارسو تتأهّب
ورفعت وارسو مستوى تأهب قواتها على أثر اجتماع طارئ لمجلس الأمن القومي.
وقال المتحدث باسم الحكومة بيوتر مولر عقب الاجتماع "اتّخذ قرار برفع مستوى تأهب بعض من الوحدات القتالية وغيرها من الأجهزة".
وأشار إلى أن الأجهزة "تعمل على الأرض لكشف ملابسات ما جرى".
إلى ذلك، أجرى بايدن محادثات هاتفية مع نظيره البولندي أندريه دودا أكد فيه تقديم "كل الدعم والمساعدة للتحقيق البولندي" وفق البيت الأبيض.
واتفق الرئيسان على البقاء على تواصل وثيق لتحديد الخطوات التالية مع تقدم التحقيقات".
وبولندا مشمولة بـ"البند الخامس" من معاهدة حلف شمال الأطلسي الذي ينص على أن أي اعتداء مسلح ضد دولة عضو الحلف، يعد عدوانا على الأعضاء كافة، ويستدعي اتّخاذ التدابير التي يعتبرها الأعضاء ضرورية لمساعدة البلد المستهدف.
كما أجرى الرئيس الأميركي والأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ محادثات هاتفية، قبل عقد ممثلو الدول الأعضاء في التحالف اجتماعاً طارئاً على هامش أعمال قمة مجموعة العشرين.
واستدعى سقوط الصاروخ في بولندا موجة إدانات دولية لاسيما من رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال الذي أعرب عن "صدمته" والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي أشار إلى إمكان طرح القضية خلال قمة مجموعة العشرين المنعقدة في إندونيسيا.
واتّهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الثلثاء، روسيا بإطلاق صاروخين على بولندا، معتبراً ذلك "تصعيداً كبيراً" في الغزو الروسي لبلاده.
ووصفت كييف المزاعم بسقوط أحد الصواريخ الأوكرانية في بولندا بأنها "نظرية مؤامرة".
وكتب وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا في تغريدة:
"روسيا تروّج الآن لنظرية مؤامرة تزعم أن صاروخاً (أطلقه) سلاح الجوّ الأوكراني سقط في أراضي بولندا. هذا الأمر غير صحيح. يجب ألا يصدق أحد الدعاية الروسية أو ينشر رسائلها".
ووصفت وزارة الدفاع الروسية التقارير بشأن بسقوط صواريخ روسية في بولندا المجاورة لأوكرانيا بأنها "استفزاز".
وجاء الانفجار في بولندا بعد ضربات روسية استهدفت أنحاء عدة في أوكرانيا لا سيما لفيف القريبة من الحدود البولندية.
وقال زيلينسكي إنّ الضربات أدت إلى انقطاع التيار الكهربائي عن نحو عشرة ملايين أوكراني، لكنه أعلن لاحقا عودة التغذية بالتيار الكهربائي إلى ثمانية ملايين مستهلك، إلا أنه أشار إلى أن الضربات استدعت إغلاقا آليا لمحطتين للطاقة النووية.
كما لفت زيلينسكي إلى أنّ الجيش الروسي "أطلق 85 صاروخاً" الثلثاء "بشكل أساسي على بنى تحتية للطاقة"، واصفاً الضربات بأنها "صفعة لمجموعة العشرين".
وتسبّب الضربات الروسية بانقطاع للتيار الكهربائي في مولدافيا الواقعة إلى جنوب غرب أوكرانيا، وجاء في تغريدة لوزير خارجية مولدافيا نيكو بوبيسكو "كل قنبلة تسقط في أوكرانيا تؤثر على مولدافيا وشعبنا".
حان الوقت
في مداخلة عبر الفيديو خلال قمة مجموعة العشرين، قال زيلينسكي إنّ الوقت حان لإنهاء "الحرب المدمرة"التي تشنها روسيا، فيما اعتبر مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جيك ساليفان، في بيان، إنّ "الضربات الروسية تعمّق المخاوف في مجموعة العشرين بشأن التأثير المزعزع للاستقرار لحرب بوتين".
منذ أيلول، تُحقّق القوات الأوكرانية تقدما على صعيد استعادة اراض في جنوب البلاد.
وجاءت الضربات بعد أربعة أيام على انسحاب جزئي مذل للقوات الروسية من منطقة خيرسون لا سيما المدينة التي تحمل اسم المحافظة الواقعة في الجنوب، بعدما احتلتها مدى ثمانية أشهر.
وكان على الكرملين أن يتّخذ ذلك القرار بسبب الهجوم المضاد الأوكراني المعزّز بالأسلحة التي يرسلها الغرب. وكان قد اضطر للانسحاب من شمال البلاد في الربيع، ثم من شمال شرق أوكرانيا في أيلول.
وفي دليل على الصعوبات الميدانية، اضطرت سلطات الاحتلال في منطقة خيرسون التي أعلنت موسكو ضمّها، للتخلي عن مدينة جديدة هي نوفا كاخوفكا متهمة قوات كييف بقصفها.
وتقع هذه المدينة قرب سد كاخوفكا الكهرومائي الذي سيطرت عليه القوات الروسية في بداية غزو أوكرانيا في أواخر شباط والذي يعتبر ذات أهمية كبيرة لتزويد شبه جزيرة القرم بالمياه.
ويسمح هذا السد الكهرومائي الذي شيّد في العام 1956، خلال الحقبة السوفياتية، بنقل المياه إلى قناة شمال القرم.
وكان الرئيس زيلينسكي اتّهم في السابق القوات الروسية "بتلغيم" السد ووحدات محطة توليد الكهرباء، مضيفاً أنّه إذا انفجر السد ستُغمر مياهه "أكثر من 80 بلدة".
وبحسب كييف، سيكون لتدمير هذه البنية التحتية تأثير أيضا على إمدادات المياه في جنوب أوكرانيا وقد يؤثر على تبريد مفاعلات محطة الطاقة النووية في زابوريجيا، وهي الأكبر في أوروبا، والتي تسحب مياهها من بحيرة السد الاصطناعية التي تحوي 18 مليون متر مكعب من المياه.
وبحسب رئيس سلطات الاحتلال الروسي في خيرسون فلاديمير سالدو، فإنّ السدّ الكهرومائي "لم يعد ينتج الكهرباء اليوم لعدم الحاجة إلى ذلك".
وقال في تصريح لقناة "روسيا 24" الحكومية إنّ "الوضع أكثر خطورة ليس على صعيد توليد الكهرباء بل بالنسبة للسد بحد ذاته الذي يمكن في حال حصول انفجار أن يفيض وأن تغمر مياهه منطقة شاسعة".