في متحف تحيط به الأسلاك الشائكة حيث احتُجز السجناء السياسيون في الماضي، يثني الزوار على الديموقراطية الحديثة في تايوان التي تشكّلت على أساس الهوية الوطنية الخاصة بالجزيرة الواقعة قبالة الصين الشمولية.
يذكّر "مجمع جينغ مي التذكاري للإرهاب الأبيض" بتاريخ الجزيرة كدولة خاضعة لحكم الحزب الواحد في عهد الحزب القومي الصيني الذي فر إلى تايوان مع نهاية الحرب الأهلية الصينية عام 1949.
وقاضت محاكم سريّة الأشخاص المتّهمين بمساعدة الشيوعيين عبر مضيق تايوان.
وقال الموظف مارس هانغ بعدما زار المدرسة العسكرية السابقة ذات الجدران الرمادية التي تستذكر الحملة الأمنية بين العامين 1947 و1987 "سمعت بأنه تم توقيف الناس بسبب تظاهرهم ضد الحكومة... أصبحنا أكثر حرية بكثير الآن".
وأضاف "بالنسبة لي، تمثّل تايوان الديموقراطية. لا توجد لدينا قيود كثيرة مثل الصين. إنها نعمة بأن تكون تايوانيا، بأن يكون لدينا أسلوب حياتنا القائم على الحرية والديموقراطية".
تواجه الجزيرة حاليا تهديدا من حكومة الرئيس الصيني شي جينبينغ التي تعهّدت ضم البلد الصغير المجاور.
وتعتبر الصين تايوان جزءا من أراضيها وأجرت بيجينغ عددا من المناورات الحربية في محيط الجزيرة ذات الحكم الذاتي خلال العام الماضي.
ويقول شي إن شعب تايوان الذي تعود أصول الجزء الأكبر منه إلى البر الرئيسي الصيني، هو صيني ويخون إرثه عبر التمسك بالاستقلال.
لكن سكان جزيرة تايوان الرئيسية يقولون إنهم شعب مستقل في دولة ذات سيادة شكّلت هويتها الخاصة بها على أساس المثل الديموقراطية.
وتقول أنجيلا هانغ (50 عاما) الموظفة في متحف جينغ مي "وُلدت في تايوان وأعيش في تايوان، لذا فأنا تايوانية". وأضافت "إنه مكان حر ومسالم... آمال بأن يتواصل أسلوب حياتنا الحالي".
وعزز التهديد المتواصل منذ عقود من قبل بيجينغ هوية الجزيرة المميّزة والمستقلة في أوساط سكانها البالغ عددهم 23 مليونا، وفق ما أفاد طالب التاريخ ريك لاي الذي كان يلتقط صور تخرّج في ساحة الحرية في تايبيه.
وقال الطالب البالغ 22 عاما لفرانس برس "يجعل هذا الشعور بعدم الأمان التايوانيين أكثر إدراكا لهويتهم".
وتابع "دفع التهديد الدائم التايوانيين للتساؤل من نحن؟ ماذا نحن؟ عما ندافع؟".
"مختلف إن لم يكن متفوّقا"
تظهر استطلاعات من مركز دراسة الانتخابات التابع للجزيرة بأن حوالى 60 في المئة من السكان يشعرون بأنهم تايوانيون بشكل واضح، أي ثلاثة أضعاف العدد مقارنة بالتسعينات.
وتراجع الارتباط بالهوية الصينية بشكل كبير من 25 إلى أقل من ثلاثة في المئة، بينما يشعر قرابة الثلث بأنهم تايوانيون وصينيون معا.
ويرغب أكثر بقليل من 1% برؤية الجزيرة موحدة مع البر الصيني الرئيسي بينما ترفض الغالبية الساحقة فكرة العيش في ظل الحزب الشيوعي الصيني.
وبينما تعد معارضة الصين عاملا محفّزا، قالت سيدني يوه من جامعة ميزوري والتي ألّفت كتابا عن هوية وثقافة تايوان إن "الإصلاح السياسي" للجزيرة أسس لمجتمع أكثر انفتاحا وازدهارا.
وأفادت أن قوة المؤسسات التايوانية والحريات الاجتماعية هي التي تسمح للناس "برؤية أسلوب حياتهم على أنه مختلف، إن لم يكن متفوّقا، على الصينيين".
"تايوان هي تايوان"
يعتقد البعض في تايوان أنه لا يمكن تجاهل الرابط التاريخي مع الأشخاص الذين يعيشون عبر المضيق ويشيرون إلى أن ديموقراطية الجزيرة هي الفارق الوحيد الذي يمكن ملاحظته.
وقال الطيار المتقاعد في سلاح الجو بيتر تزينغ (70 عاما) "لا أعتقد أن بإمكاننا أن ننكر إطلاقا بأننا نشبه الصينيين ونفكر مثلهم"، وهو يعرّف عن نفسه بأنه تايواني وصيني على حد سواء.
تتوافق تصريحاته مع تلك الصادرة عن الرئيس السابق الموالي للصين ما يينغ-جيو الذي أجرى زيارة تاريخية إلى البر الصيني الرئيسي عندما كانت الرئيسة الحالية تساي إنغ-وين في زيارة إلى الولايات المتحدة وأميركا الوسطى الشهر الماضي.
وقال خلال الزيارة التي كانت الأولى لرئيس سابق أو حالي "جميعنا صينيون".
وأثارت تصريحات من هذا النوع من المعسكر الموالي للصين مخاوف حيال انتخابات العام المقبل الرئاسية.
وتساءل الطالب ثاوزند هانغ (20 عاما) "أشعر بالقلق أكثر حيال تغير حكومتنا. فهل يعرّف القادة السياسيون لدينا عن أنفسهم بأنهم تايوانيون؟".
وبالنسبة لبائع الشاي سام تشن (50 عاما)، فإن الهوية التايوانية راسخة.
وقال "قد يعتقدون بأننا ننتمي إليهم، لكننا منفصلون ومختلفون.. نحن مستقلون بالفعل.. تايوان هي تايوان والصين هي الصين".