النهار

زيارة بايدن الشرق الأوسط لم تغيّر سياسته الإيرانية
جورج عيسى
المصدر: "النهار"
منذ وصفه سياسته بأنها "أذكى" من سياسة ترامب، وضع بايدن نفسه في موقف صعب
زيارة بايدن الشرق الأوسط لم تغيّر سياسته الإيرانية
الرئيس الأميركي جو بايدن يلوّح قبل مغادرة جدّة - "أ ب"
A+   A-

لم ينتج عن زيارة بايدن الشرق الأوسط أيّ تغيير في تصوّراته عن الملف النووي الإيراني. ولم تكن التوقّعات قبل الزيارة تشير إلى ذلك أصلاً. خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس حكومة تصريف الأعمال الإسرائيلية يائير لبيد، قال بايدن إنّه لا يزال يرى أنّ الديبلوماسيّة تمثّل أفضل حل لبرنامج إيران النووي. بعد أكثر من عام على التنازلات الأميركية التي قابلتها مماطلات إيرانية، لم يرَ بايدن أي موجب لتغيير نهجه الديبلوماسي أو على الأقل إقرانه بأدوات تجعل نجاحه أكثر احتمالاً.

وكلّ إخفاق ديبلوماسيّ لبايدن يساوي مكسباً لإيران طالما أنّ برنامجها النوويّ لا يزال يتطوّر. وهذا بدوره يعدّ رافعة إضافية لإيران على طاولة التفاوض، بما أنّ الأخيرة تقلّص فترة الاختراق النوويّ.

حاول لبيد ورئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو إقناع بايدن بعدم جدوى الديبلوماسية وحدها لمواجهة تطور البرنامج النووي لكن من دون نجاح. وقّع بايدن ولبيد في 14 تموز على "إعلان القدس للشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل" حيث أكدت أميركا دعمها لإسرائيل وقدرتها على ردع أعدائها. وفي ما يخص برنامج إيران النووي، جاء في الإعلان:

"تؤكد الولايات المتحدة على أنّ الالتزام بعدم السماح لإيران يوماً بامتلاك سلاح نووي هو جزء لا يتجزأ من هذا التعهد، كما تعرب عن استعدادها لاستخدام كافة عناصر قوتها الوطنية لضمان هذه النتيجة".

بينما أكد بايدن أنّ بلاده مستعدة "لاستخدام كافة عناصر قوتها الوطنية" لعدم حصولها على السلاح النووي، تفادى بايدن الاستخدام المباشر لعبارة "الخيار العسكري" أو "القوة العسكرية" كوسيلة لمنع إيران من تطوير قنبلة نووية. اقتصر استخدام هذه الوسيلة على التلميح فقط. المرة الوحيدة التي تحدث فيها بايدن عن هذا الخيار كانت يوم الأربعاء الماضي بعدما سألته عن ذلك إعلامية من قناة 12 الإسرائيلية. في ما عدا ذلك، لم يتجنّب بايدن التلويح بالخيار العسكريّ وحسب، بل امتنع حتى عن ذكر ما الذي سيفعله في حال واصلت إيران المماطلة في التفاوض.

 

التباس وغموض

بعد لقائه مع لبيد، قال بايدن: "عرضنا على القيادة الإيرانية ما يمكننا أن نقبله من أجل العودة للاتفاق وننتظر ردها. متى يأتي ذلك، لست متأكداً". وأضاف في معرض تحذير ضمنيّ لكن فضفاض: "لن ننتظر إلى الأبد". لا يحمل هذا الكلام أيّ تأثير على الأجندة الإيرانيّة. فالتحذير ليس جديداً في الشكل أو المضمون. دأبت إدارة بايدن على القول منذ قرابة السنة إنّ "نافذة التفاوض تُغلق". بالرغم من مرور كل هذه المدة، لم تغلق النافذة وعلى الأرجح لن تُغلق في أي وقت قريب، طالما أنّ الإدارة تعتبر سياستها "ناجحة".

منذ أن كتب مقاله الشهير في شبكة "سي أن أن" شهر أيلول 2020 عن وجود "طريقة أذكى (من طريقة ترامب) للتشدد مع إيران" وضع بايدن نفسه في موقف محرج. لا هو قادر على تحقيق الخرق الديبلوماسي المرتجى مع طهران، ولا هو قادر على الاعتراف بخطأ سياسته وبالتالي صوابية سياسة سلفه. والجزء الذي كرّسه لسياسته الإيرانية في "الواشنطن بوست" لم يكن سوى استعادة لما كتبه في "سي أن أن" على الرغم من أنّ التجارب كانت كافية لإجراء ولو تعديل طفيف على سياساته الإيرانيّة.

في الصحيفة الأميركية، تعهّد بايدن مواصلة الضغط الاقتصادي والديبلوماسي حتى عودة إيران إلى طاولة التفاوض. لم يذكر بايدن كم هو مستعد للانتظار كما لم يذكر أنّ "ضغطه الاقتصادي" زاد حجم العملات الأجنبية في الخزانة الإيرانية من 4 مليار دولار حين غادر ترامب البيت الأبيض إلى نحو 30 مليار دولار اليوم.

وبحسب موقع "ألمونيتور"، رفض بايدن تحديد موعد نهائيّ للمفاوضات مع إيران ولم يرسم أي "خط أحمر" كي تتحوّل أميركا من التهديد إلى التنفيذ في حال انتهكته. أتى ذلك على الرغم من "مناشدات" لبيد والرئيس الإسرائيلي إسحق هيرتسوغ. حتى إعادة تأكيد بايدن على أنّه لن يرفع الحرس الثوري عن قائمة الإرهاب "نبأ قديم" وفقاً للموقع حيث تخلت إيران نفسها عن هذا المطلب.

 

"دفاع عما لا يمكن الدفاع عنه"

في هذا الوقت، أعلن مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جيك سوليفان يوم الاثنين أنّ إيران كانت تستعد لإعطاء روسيا مئات عدة من المسيّرات كي تستخدمها على الأرجح في أوكرانيا. لم يدفع ذلك واشنطن إلى تغيير سياستها على الرغم من أنّ السلوك الإيرانيّ قد يؤثّر في الميدان الأوكرانيّ الحيويّ بالنسبة إلى الأميركيّين.

يوم الأربعاء الماضي، دعا الكاتب السياسي في شبكة "بلومبرغ" بوبي غوش الرئيس الأميركيّ إلى التوقّف عن الدفاع "عمّا لا يمكن الدفاع عنه" وانتهاز الفرصة للانفصال النهائي عن "سياسته الإيرانية الفاشلة" وإعلان أنّ الوقت انتهى لإحياء الاتفاق النووي. عوضاً عن ذلك، سيتوجب عليه إنهاء "مهزلة المفاوضات" ودفع الموقعين الآخرين إلى إطلاق "آلية الزناد" لإعادة فرض العقوبات الأممية على إيران.

طبعاً لم يحدث أي تحوّل نوعيّ في هذه السياسة. قلّة من المعنيّين راهنت على ذلك. يطرح حجم تراجع التأييد الشعبي لبايدن تساؤلات عن قدرته على الحكم بعد الانتخابات النصفية وقدرته حتى على إعلان ترشحه لولاية ثانية. 64% من الديموقراطيين لا يريدون من بايدن خوض انتخابات 2024 وفقاً لـ"نيويورك تايمس". لهذا السبب، أصبح بايدن "بطة عرجاء" بحسب دانيال هنينغر من "وول ستريت جورنال".

زيارة بايدن إلى الشرق الأوسط جاءت متأخرة جداً كي يكون لها أي تأثير، أو ربما حتى أي أمل بالتأثير: أكان على ديناميات المنطقة أو على الداخل الأميركي.

 

 

اقرأ في النهار Premium