النهار

تباعد محتمل بين الصين وروسيا في المدى المنظور؟
جورج عيسى
المصدر: "النهار"
أولويات الصين وروسيا مختلفة لذلك قد توسّعان المسافة الفاصلة بينهما في أوكرانيا.
تباعد محتمل بين الصين وروسيا في المدى المنظور؟
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ضيافة نظيره الصيني شي جينبينغ، شباط 2022 ("أ ف ب" عن "سبوتنيك")
A+   A-

في تطوّر يعبّر مجدداً عن الموقف المبدئيّ للصين، دعت بيجينغ الأسبوع الماضي روسيا وأوكرانيا إلى استئناف المحادثات من أجل إنهاء الحرب. يوم الخميس، قال السفير الصيني لدى الأمم المتحدة تشانغ جون إنّ الصين تدعو "جميع الأطراف المعنيّة إلى استئناف المفاوضات في أقرب وقت ممكن، والبحث عن حلّ للأزمة الأوكرانية بطريقة هادئة وعقلانية، ومعالجة المخاوف الأمنية المشروعة لبعضها البعض، من أجل بناء هيكل أمنيّ متوازن وفعّال ومستدام". جاء كلام تشانغ بعدما تعرّضت منشأة زابوريجيا للطاقة النووية، وهي أكبر منشأة من هذا النوع في أوروبا، للقصف حيث تبادلت موسكو وكييف الاتهام بشأن هوية المسؤول. وسيطرت روسيا على المحطة منذ آذار الماضي. لكن من المرجّح ألّا يكون اهتزاز الأمن النوويّ السبب الوحيد الذي دفع الصين إلى حثّ الطرفين على استئناف المفاوضات.

 

منذ اندلاع الحرب، شخصت الأنظار إلى الصين لمعرفة حجم وطبيعة دعمها إلى روسيا. ترتكز "الحكمة التقليدية" إلى تشارك موسكو وبيجينغ العداء نفسه للسياسات الأميركية ممّا يجعلهما في موقع الحليف. وجاء الغزو الروسي لأوكرانيا بعدما استقبل الرئيس شي جينبينغ نظيره الروسيّ فلاديمير بوتين لحضور افتتاح الألعاب الشتوية وقد صدر عن الرئيسين بيان أكّدا فيه أنّ دولتيهما "تنويان مواجهة تدخّل القوى الأجنبيّة في الشؤون الداخليّة لدول سيّدة تحت أيّ ذريعة، وتعارضان الثورات الملوّنة" كما أيّ توسّع مستقبليّ لحلف شمال الأطلسيّ. لكن مع ذكر التهديدات الأميركية في منطقة "الإندو-باسيفيك"، لم يأتِ البيان على ذكر اسم أوكرانيا. كذلك، سرت تقارير في بداية الحرب عن أنّ الروس لم يطلعوا الصينيين عن مخططاتهم في أوكرانيا.

 

العلاقات التجارية

قد يكون الجزء الأكبر من الأكاديميين الصينيين مؤيّداً لسياسة أكثر تشدّداً لبيجينغ في دعم روسيا. لكنّ السياسات الصينية لا تصل إلى هذا الحدّ. المجال الأكبر الذي دعمت فيه الصين روسيا هو الاقتصاد طالما أنها تستفيد أيضاً في تحفيز ناتجها القومي. ارتفعت الصادرات الروسية إلى الصين في الأشهر الخمسة الأولى من سنة 2022 بما يقارب 47% عن الفترة نفسها من السنة الماضية. يعود ذلك إلى شراء الصين الطاقة الروسية (70% من الواردات الروسية) بتخفيض يتراوح بين 10 و 30%. يبقى هذا الأمر مناسباً لروسيا بالنظر إلى ارتفاع أسعار الطاقة عالمياً. لكنّ هذه الأرقام لا تلخّص كلّ القضيّة. إلى الآن، لا تواجه الصين مشكلة كبيرة في شراء الطاقة الروسيّة لأنّ العقوبات الغربية على النفط الروسيّ لن تدخل حيّز التنفيذ قبل نهاية السنة الحالية. سيراقب العالم ما إذا كانت الصين ستواصل شراء الكميات نفسها من الطاقة الروسية السنة المقبلة. وتحتاج روسيا إلى تصدير طاقتها (غاز، نفط، فحم...) للإبقاء على العمليات العسكرية في أوكرانيا. لكن ثمة عراقيل إضافية أمام روسيا في تنويع أسواقها. تحتاج صادرات الغاز إلى خطوط أنابيب جديدة نحو آسيا للتعويض عن فقدان الأسواق الأوروبية. في 2021، صدّرت روسيا كميات من الغاز إلى الصين مثّلت 10% فقط من إجمالي صادراتها إلى أوروبا وانخفض إنتاج الغاز الروسي بحسب "غازبروم" 35% في تموز 2022 بالمقارنة مع تموز 2021. وتصدير النفط ليس أفضل حالاً بكثير. تحتاج الناقلات الروسية إلى 35 يوماً للوصول إلى شرق آسيا في مقابل يومين إلى سبعة أيام لبلوغ أوروبا. ولهذا السبب، صدّرت روسيا 39% من نفطها إلى آسيا و53% إلى أوروبا كمعدّل سنويّ عام. بالتالي، الحاجة متبادلة في تجارة الطاقة بين البلدين. على أيّ حال، سيكون بإمكان روسيا الرهان على الصين (ودول آسيوية أخرى) في استمرار تمويل عملياتها العسكريّة في أوكرانيا طوال الأشهر القليلة المقبلة. بعدها، ثمّة رهان روسيّ على عودة أوروبا إلى شراء الطاقة من موسكو تفادياً لبرد الشتاء. هذا الرهان قد لا يكون روسيّاً فقط.

 

حاجات الصين

تريد الصين إنهاء الحرب في أسرع وقت ممكن. بداية، تعاني بيجينغ من مشكلتين اقتصاديتين كبيرتين قد تتفاقمان في حال لم يجد الغرب وأوكرانيا وروسيا تسوية سريعة. اعتمدت الصين سياسة "صفر كوفيد" التي انعكست سلباً على النمو الاقتصاديّ حيث تباطأ الاستهلاك والإنتاج في شهر تموز الماضي بفعل الإغلاقات الكاملة أو الجزئية. وانخفض الناتج القومي الصيني بـ2.6% خلال الربع الثاني بالمقارنة مع الربع الأول من هذه السنة.  وقدّر أحد الاقتصاديين المقيمين في هونغ كونغ أنّ الإغلاقات كلّفت الصين 3.1% من الناتج المحلي الإجمالي في الشهر الواحد على افتراض أنّ أكبر المدن مساهمة في هذا الناتج خاضعة للحجر. واضطرت الصين يوم الاثنين إلى خفض أسعار الفائدة لتحفيز النموّ، وهي خطوة لم تكن متوقّعة، ممّا أدّى إلى انخفاض أسعار النفط العالمية. وهنالك أيضاً المشكلة التي يواجهها قطاع العقارات حيث توقّف مشترون عن دفع ديون شراء منازلهم بسبب عدم قدرة المطوّرين على إنهاء أعمالهم.

 

لهذا السبب، من المرجّح ألّا تتدخّل الصين في أيّ وقت لدعم روسيا بما هو أبعد من شراء الطاقة. حتى صادرات الصين التكنولوجية التي تحتاج إليها روسيا لصناعاتها لم تشهد ارتفاعاً هذه السنة بالمقارنة مع أرقام السنة الماضية. قد لا تخيّب الصين آمال روسيا في مستوى الدعم الذي تتوقّعه منها وحسب. ربّما راهنت موسكو على أنّ الصين قد تصعّد عسكريّاً ضدّ الولايات المتحدة بعد زيارة رئيسة مجلس نوابها نانسي بيلوسي إلى جزيرة تايوان. إنّ فتح جبهتين عسكريتين أمام أميركا من شأنه أن ينهكها وأن يخفّف تركيزها على شرق أوروبا. لكنّ الصين قد تحتاج الآن إلى اقتصاد مستقرّ أكثر من حاجتها إلى السيطرة على البحار، كما أنّ الاقتصاد الصينيّ يعتمد على الصادرات، والولايات المتحدة هي أكبر مستهلك لصادراتها علاوة على أنها أحد أكبر المستثمرين الدوليين في نظامها الماليّ.

 

انفراجة؟

بعد التوتر الكبير بينهما عقب زيارة بيلوسي، من المتوقع أن يلتقي الرئيسان الصيني والأميركي شي وبايدن على هامش قمة مجموعة العشرين في تشرين الثاني المقبل. مع أنّه لا يزال مبكراً توقّع أجواء اللقاء، لكن من غير المستبعد أن يشهد اللقاء انفراجة في العلاقة الثنائية بناء على هذه الحسابات. انفراجة كهذه قد يكون لديها بعض التأثير على الحرب في أوكرانيا.

 

 

اقرأ في النهار Premium