النهار

فوكوياما: لا زلنا في نهاية التاريخ
المصدر: "النهار"
الصين وروسيا وإيران "تبرهن" أنّ الحكومات "القوية" ليست أفضل من الحكومات الليبيرالية
فوكوياما: لا زلنا في نهاية التاريخ
فوكوياما يرى أنّ حكم "الأقوياء" يعاني من نقطتي ضعف أساسيتين - "أ ب"
A+   A-

ناقض المفكر السياسي الشهير فرنسيس فوكوياما في مقال نشرته اليوم مجلة "ذي اتلانتيك" الفكرة التي روجت لها كل من روسيا والصين وهي أنّ الديموقراطية في حال تدهور طويل المدى وأنّ الحكومة الاستبدادية القوية قادرة على إنجاز أهدافها.

بحسب فوكوياما، بات بديهياً أنّ هذا النوع من الحكومات يواجه نقطتي ضعف أساسيتين: تركز السلطات بين أيدي زعيم واحد مما يضمن صناعة قرار سيئة الجودة ومنتجة للكوارث على المدى الطويل. ثانياً، إن غياب النقاش العام في الدول "القوية" وغياب أي آلية للمحاسبة يجعل دعم الرئيس ضحلاً.

واجهت الديموقراطيات الليبيرالية والديموقراطية انتكاسات على مدى سنوات وعقود، لكنها صمدت وحققت عودات متكررة لأن البدائل سيئة للغاية.

استعرض فوكوياما المشاكل التي تعاني منها روسيا التي يشكل رئيسها فلاديمير بوتين صانع القرار الوحيد فيها. كان الأخير معزولاً لدرجة أنّه لم يكوّن أي فكرة عن مدى قوة الهوية الوطنية الأوكرانية التي تراكمت خلال السنوات الماضية أو مدى قوة المقاومة التي سيثيرها غزوه. ولم يكن على دراية بعمق الفساد وانعدام الكفاءة في جيشه أو بمدى رداءة الأسلحة الروسية الجديدة في الميدان ولا بسوء التدريب الذي تلقاه ضباطه. بعيداً من إظهار عظمتها واستعادة إمبراطوريتها أصبحت روسيا موضع تندر عالمي وستعاني المزيد من الإذلال على أيدي الأوكرانيين في الأسابيع المقبلة وفقاً للكاتب نفسه.

وكان أمر مشابه وإن أقل درامية يحصل في الصين. أصبحت الأخيرة أكثر تمأسساً في المرحلة التي أعقبت إصلاحات دنغ شياو بينغ في 1978 ووصول شي جينبينغ إلى السلطة سنة 2013. كانت المؤسسات تعني أن على القادة أن يتبعوا القواعد لا أن يقوموا بما يحلو لهم. من بين الإصلاحات تحديد مدة ولاية أعلى منصب في الحزب الشيوعي بعشرة أعوام. مكان القيادة الجماعية، تابع فوكوياما، انتقلت الصين إلى نظام أكثر شخصانية بقيادة شي.

تركز السلطة بيد شخص واحد أدى إلى صناعة قرار سيئة. تدخل الحزب في الاقتصاد مما أعاق قطاع التكنولوجيا عبر ملاحقة علامات بارزة مثل "علي بابا" و"تنسنت". وأجبر الحزب المزارعين الصينيين على زراعة المحاصيل الغذائية الخاسرة سعياً لتحقيق الاكتفاء الذاتي الزراعي. وأدت استراتيجية "صفر كوفيد" إلى إبقاء مناطق مهمة من الصين تحت الإغلاقات المستمرة مما أدى إلى تقليص النمو بنقاط عدة. ولا تستطيع الصين قلب هذه الاستراتيجية بسهولة لأنها فشلت في شراء لقاحات فعالة وهي تجد جزءاً كبيراً من مسنيها معرضين للمرض. ما بدا منذ سنتين انتصاراً كبيراً في السيطرة على كوفيد تحول إلى مأزق طويل بحسب فوكوياما.

وواجهت إيران أيضاً أسابيع من التظاهرات عقب وفاة مهسا أميني. تعاني البلاد من أزمة مصرفية وتندر مياهها وتتقلص زراعتها بشكل كبير كما تعاني من العقوبات والعزلة الدولية. وبالرغم من وضعها المنبوذ، لدى إيران نسبة كبيرة من المتعلمين جداً وتشكل النساء غالبية من الخريجين الجامعيين. مع ذلك، تقود النظام مجموعة من الرجال المسنين ذوي مواقف اجتماعية عفا عنها الزمن منذ أجيال. لا عجب في أن هذا النظام يواجه أكبر اختبار في شرعيته على ما يكتب فوكوياما. والدولة الوحيدة التي توصف بأنها خاضعة لسوء إدارة أكبر هي دولة تحكمها ديكتاتورية أخرى: فنزويلا.

الاحتفالات ببروز الدول القوية وتراجع الديموقراطية الليبيرالية سابقة كثيراً لأوانها. الديموقراطية الليبيرالية، وتحديداً لأنها توزع السلطت وتعتمد على موافقة المحكومين، هي في وضع أفضل بكثير اليوم مما يظن كثر.

ويتأسف الكاتب لأنّ علامة الاستفهام الكبيرة تبقى الولايات المتحدة حيث يواصل نحو ثلث ناخبيها الاعتقاد بالسردية الخاطئة التي تقول إن الانتخابات الرئاسية الأخيرة سُرقت كما استولى أتباع "اجعلوا أميركا عظيمة مجدداً" على الحزب الجمهوري. لا تمثل هذه المجموعة غالبية في البلاد لكن يرجح أن تستعيد السيطرة بالحد الأدنى على مجلس النواب في تشرين الثاني كما يحتمل أن تعود إلى الرئاسة سنة 2024.

وشدد فوكوياما على أن العودة القوية لليبيرالية الديموقراطية لن تتحقق إلا إذا استعد الناس للدفاع عنها. المشكلة بحسب رأيه هي أن كثيرين من الذين عاشوا في الديموقراطيات الليبيرالية المزدهرة اعتبروا أن ديمومتها مضمونة. ولأنهم لم يختبروا أي استبداد فعلي، باتوا يتخيلون أن الحكومات المنتخبة ديموقراطياً هي ديكتاتوريات شريرة تريد الاستيلاء على حقوقهم. لكن الحقيقة تدخلت. الغزو الروسي يشكل ديكتاتورية حقيقية تحاول سحق مجتمع حر بالصواريخ والدبابات وقد يذكّر الجيل الحالي بما هو على المحك.

 

 

الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium