منذ ما يقرب من عقد من الزمان، عندما ظهرت قيادة الحزب الشيوعي الصيني المنتخبة حديثا حينئذٍ لأول مرة في قاعة الشعب الكبرى بعد الجلسة الكاملة الأولى للجنة المركزية الـ18 للحزب الشيوعي الصيني، كان العالم يحاول أن يتكهن بالكيفية التي ستمد بها أكبر دول العالم سُكانًا وثاني أكبر اقتصاد بقيادة شي جين بينغ، يد العون إلى بقية المجتمع العالمي، وما هو نوع الدور الذي ستلعبه الصين في عصر من التغييرات والتحديات المتزايدة.
خلال أول رحلة خارجية له كرئيس للصين في مارس 2013، أوضح شي، الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، رؤية الصين المتمثلة في إنشاء نمط جديد من العلاقات الدولية يشكِّل التعاون المربح للجميع القلب منه، وبناء مجتمع مصير مشترك للبشرية.
على مدار العقد الماضي، وتحت قيادة شي، التزمت الصين بمسار التنمية السلمية، وكرست نفسها لمواجهة التحديات العالمية، وتسهيل التعاون المربح للجميع، وجعل نظام الحوكمة العالمية أكثر عدلاً وإنصافًا.
كما لاحظنا، فإن نهج الصين يتماشى مع روح العصر اليوم، ويساعد في الحفاظ على السلام والاستقرار، وتعزيز النمو الاقتصادي العالمي، وبناء عالم ينعم برخاء مشترك ويرتبط مع بعضه بعضا بمصير مشترك.
التعاون المربح للجميع
في عام 2013 أيضًا، اقترح الرئيس الصيني إنشاء الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين، على التوالي خلال زيارتيه إلى قازاقستان وإندونيسيا. وهكذا تبلورت مبادرة الحزام والطريق.
بعد تسع سنوات، نجحت المبادرة إلى حد كبير في تعزيز الشراكات وتدعيم الارتباطية ودفع التنمية المشتركة في جميع أنحاء العالم إلى الأمام.
ووفقًا لتقرير صدر عن البنك الدولي، تمكنت المبادرة من المساعدة في انتشال 7.6 مليون شخص من براثن الفقر المدقع و32 مليونًا من الفقر المعتدل على مستوى العالم، وتعزيز التجارة بنسبة 2.8 إلى 9.7 بالمئة للدول المشاركة في المبادرة، وبنسبة 1.7 إلى 6.2 بالمئة للعالم بأسره.
قال محمد فايز فرحات، مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في القاهرة، إن المبادرات المقترحة من الصين تعكس مساهمة البلاد في التنمية العالمية ودعمها للدول النامية والاقتصادات الصاعدة.
وأشار إلى أن "الصين تدافع عن قضايا الدول النامية على الساحة الدولية، وتلعب أيضًا دورًا نشطًا في المنظمات الدولية الهامة".
من أجل حوكمة عالمية أفضل
في عالم سريع التغير، تتمثل إحدى أولويات العالم في الحاجة إلى تحسين الحوكمة العالمية. تتشابك جائحة كوفيد-19 التي طال أمدها، والصراعات الإقليمية، والارتداد العنيف عن العولمة، والعوامل المعقدة الأخرى، مع بعضها البعض، وتتسع أوجه القصور في السلام والأمن والثقة والحوكمة.
في مناسبات مختلفة خلال العقد الماضي، شدد الرئيس الصيني على أن الحلول تكمن في ممارسة التعددية الحقيقية وحماية النظام الدولي المتمركز حول الأمم المتحدة، فضلا عن بذل الجهود المشتركة لإقامة نمط جديد من العلاقات الدولية يتميز بالاحترام المتبادل والعدالة والإنصاف والتعاون المربح للجميع، وبناء مجتمع مصير مشترك للبشرية.
وفي خطابه في المناقشة العامة للدورة الـ75 للجمعية العامة للأمم المتحدة، دعا شي إلى التمسك بالتعددية وحماية النظام الدولي وفي القلب منه الأمم المتحدة.
وقال شي "يجب أن تستند الحوكمة العالمية إلى مبدأ التشاور المكثف والمساهمة المشتركة والمنافع المشتركة، لضمان تمتع جميع الدول بحقوق وفرص متساوية واتباعها القواعد نفسها".
يحتاج تشكيل حوكمة عالمية أكثر عدلاً وفعالية إلى قيادة جماعية. وهذا هو السبب في أن الصين تعمل بلا هوادة مع الدول الأخرى، ولا سيما العالم النامي، لتحقيق هذه الغاية. تعد منظمة شانغهاي للتعاون، التي تمثل أكبر مؤسسة إقليمية وتضم دولها الأعضاء عددا من السكان يفوق مجموعهم ما تضمه أي منظمة إقليمية أخرى، مثالًا جيدًا على كيفية عمل بكين مع شركائها لتعزيز النمط الجديد من العلاقات الدولية.
قال شريف غالي إبراهيم، رئيس قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة أبوجا، إنه مع صعود الاقتصادات الناشئة، أصبحت الدول النامية أعلى صوتًا في الحوكمة العالمية، وبدأت في دفع عملية العولمة نحو اتجاه أكثر عدلاً وشمولاً من خلال مختلف آليات ومنصات التعاون متعدد الأطراف.
وأوضح أن الصين أثبتت أنها رائدة، حيث أن مفهومها للعولمة عزز إلى حد كبير مجتمع مصير مشترك للبشرية، دون تمييز أو فصل أو إقصاء.
مستقبل يتشاركه الجميع
من خلال نظرة عميقة للتطلعات المشتركة للعالم، اقترح الرئيس الصيني مبادرة التنمية العالمية ومبادرة الأمن العالمي، مُساهمًا بحكمة الصين في القضاء على أوجه القصور في السلام والأمن والثقة والحوكمة، ومسلطًا الضوء على ضرورة وأهمية بناء عالم يتسم بتنمية مشتركة وأمن جماعي في ظل المشهد العالمي المتغير بعمق.
بالنسبة إلى سودهيندرا كولكارني، الرئيس السابق لمؤسسة أوبزرفر للأبحاث الهندية، فإن التنمية والأمن "وجهان لعملة واحدة وغير قابلين للتجزئة".
وقال: "لا يمكن لأي دولة أن تحقق الأمن إذا كانت الدول الأخرى غير آمنة، ولا يمكن لأي دولة أن تحقق التنمية إذا كانت تنمية الدول الأخرى في خطر. يجب أن ننظر إلى الأمن والتنمية في سياق عالمي".
عند حضوره حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين، تأثر الرئيس القرغيزي صدير جاباروف بشدة بشعار "معًا من أجل مستقبل مشترك".
وقال في مقابلة مع وكالة أنباء ((شينخوا)) مؤخرا: "هذه دعوة للمجتمع الدولي لبناء مجتمع مصير مشترك للبشرية. سواء كنا دولا صغيرة أو كبيرة، ففي سياق العولمة، لدينا جميعا مستقبل واحد ومصير واحد."
من وجهة نظر رئيس الوزراء الياباني السابق يوكيو هاتوياما، فإن دعوة شي لبناء مجتمع مصير مشترك للبشرية وثيقة الصلة بهذا العصر وضرورية له للغاية.
وقال هاتوياما إن بناء الشعور بالمصير المشترك أمر مهم للعالم لتجنب التشرذم والتصدي للتحديات، ومهم لآسيا لحماية السلام وتعزيز التنمية المشتركة، متابعا "في كوكب الأرض الذي نعيش عليه، ليست البيئة وحدها هي التي تعمل في ترابط وتكامل، ولكن الناس مترابطون أيضا".