نجت أليونا وطفلاها وزوجها من حصار الجيش الروسي لمدينة ماريوبول الأوكرانية، وبعد مرور عام لم تفارق المشاهد المروعة المرأة التي قررت الانتقال إلى روسيا.
تتحدث الأم الشابة البالغة 35 عاماً بصيغة الحاضر عندما تتذكر عشرات الجثث في مداخل المباني وعلى الأرصفة في المدينة الساحلية الواقعة في جنوب شرق أوكرانيا والتي استولت عليها موسكو في 20 أيار 2022، بعدما ألحقت بها دماراً كبيراً.
وقالت أليونا وقد اغرورقت عيناها بالدموع "الروائح وهذه المشاهد، وبطون (الموتى) المنتفخة، لا يمكن نسيانها أبداً. وخصوصاً ابنتي. ترى كلباً يأكل جثة. وتسألني: أمي ماذا يجري؟ لماذا يأكل كلب رجلاً؟ وما زلت لا أعرف بما أجيبها".
استقبلت أليونا مراسلي وكالة فرانس برس في شقة في ضواحي موسكو حيث تقطن مع زوجها وطفليهما، مؤكدةً أنهم نجوا جميعاً بمعجزة من المجزرة. وتبكي أليونا وتضحك وتتكلّم كثيرًا.
فضلت التحدث من دون الكشف عن هويتها ونشر اسمها الكامل، لأنها تخشى مواجهة متاعب في حال اكتشف علم أوكرانيون أنها قررت البقاء في روسيا.
وكانت أليونا تعيش مع عائلتها في مبنى سكني في شمال ماريوبول عندما حوصر مئات الآلاف من المدنيين مثلها جراء الغزو الروسي في 24 شباط 2022.
وتعرضت المدينة المحاصرة طوال شهرين لوابل من القذائف. واختبأ السكان في الأقبية من دون ماء ولا كهرباء ولا تدفئة في خضم برد قارس، ومن دون اتصالات فعُزلوا عن العالم.
كانت أليونا تسمع أنين الجرحى، وقالت: "لم يكن بوسعنا الاستجابة، لم نكن قادرين على الخروج من الأقبية، كنا سنُقتل". وأكدت أنها "لم تبك ولو لمرة واحدة" أمام طفليها. وأضافت "كنت ذئبًا، امرأة حديدية. لكن خلال الليل كنت أبكي، كنت أبكي كثيرًا كان الأمر مروعاً، أردنا أن نعيش".
- "نحن أحياء!" -
بين مطلع آذار ونهاية نيسان 2022، عاشت "حياة الكهوف" في قبو مع نحو ستين طفلاً. وأحياناً كان سكان يخرجون للبحث عن طعام، والبعض لم يعد.
وصمدت أليونا الأرثوذكسية، مكررةً مقاطع من المزمور 90 "أقول للرب: أنت ملجئي وحصني".
وفي أيار عندما تحصّن آخر المقاتلين الأوكرانيين في مصنع أزوفستال للصلب، تمكنت من الاتصال بوالدتها فيكتوريا التي كانت تسكن في باخموت وهي مدينة في شرق أوكرانيا باتت حالياً مدمّرة جراء القتال.
وروت فيكتوريا التي رافقت ابنتها إلى موسكو "قالوا لي: نحن أحياء! نحن أحياء! كان الأمر كما لو أن ثقلاً سقط عن كتفَي".
وصوّرت أليونا بواسطة هاتفها أولى عمليات القصف والمباني المدمرة من نافذتها. كما صوّرت طفليها يلعبان بالقرب من صلبان صغيرة تشير إلى مقابر عشوائية.
وفي 4 حزيران 2022، وبعد مئة يوم على بدء الغزو الروسي غادرت أليونا وعائلتها إلى روسيا. مروا عبر حواجز عدة حيث أُخضع زوجها للتفتيش على يد جنود روس.
وأكدت أن عائلتها لم تقف إلى جانب أي من الطرفين وتمكنت من اجتياز الحواجز من دون مشاكل. وتتهم كييف موسكو بارتكاب أعمال عنف وحتى إعدامات خلال عمليات "تصفية"، لكن روسيا تنفي.
- "جيشي تخلى عني" -
تجنّبت أليونا الإجابة على سؤال بشأن مَن يتحمل مسؤولية المجازر في ماريوبول قائلةً: "لا يمكننا الوصول إلى المعلومات الصادرة عن قادتنا".
لكنها انتقدت الحكومة الأوكرانية لعدم إجلاء عائلتها قائلة "جيشي لم ينقذني، بلدي تخلى عني".
وتريد حالياً إعادة بناء حياتها في موسكو. وعَثر زوجها على وظيفة في مجال الكهرباء.
وأكدت أليونا التي تتحدث الروسية أنها تتقاسم مع الروس العقلية والدين واللغة.
وأوضح إحصاء أجرته الأمم المتحدة في تشرين الأول 2022 أن أكثر من 2,8 مليون لاجئ أوكراني ذهبوا إلى روسيا. وانتقل كثيرون لاحقًا إلى الاتحاد الأوروبي، لكن بقي آخرون هناك.
وأشارت ناتاليا ميتوشيفا (41 عامًا) الموظفة في منظمة "ماياك.فوند" غير الحكومية التي قدمت مساعدة إنسانية وقانونية ونفسية لأليونا، إلى أن العديد من اللاجئين الأوكرانيين وخصوصاً العائلات قرروا البقاء في روسيا لأنه "يسهل عليهم التكيف"، على الرغم من "المساعدة الضئيلة" التي تقدمها الدولة.
وأكدت ميتوشيفا أنّ الناجين من ماريوبول هم أكثر المصابين بصدمات نفسية، إذ بدأ القتال "عندما كانوا ذاهبين إلى العمل، إلى المدرسة، ولم يصدقوا ما كان يحدث. إنها صدمة غير عادية بالنسبة لهم".
ما زالت أليونا خائفة. عندما سمعت دوي ألعاب نارية في حيّها في موسكو ليلة رأس السنة، تذكرت فوراً كابوس ماريوبول. وقالت" "حزمت حقيبتي وأردت المغادرة مع أطفالي". وأضافت" "لم أصدق أنها مفرقعات".