أعلنت رئيسة وزراء نيوزيلندا جاسيندا أرديرن أنها ستستقيل من منصبها الشهر المقبل، فيما اعتبره مراقبون دلالة على "الاحتراق الوظيفي"، وهو أمر غير مخجل.
وصرّحت أرديرن أمام أعضاء من حزب العمال الذي تنتمي اليه أنّه "حان الوقت بالنسبة إلي، فأنا لا أملك ما يكفي من الطاقة لأربع سنوات أخرى".
وأرديرن التي تولت رئاسة حكومة ائتلافية عام 2017 قبل أن تقود حزبها إلى فوز ساحق في الانتخابات التي أجريت بعد ذلك بثلاث سنوات، أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة تراجع شعبيتها وشعبية حزبها أيضاً.
وفي أول ظهور علني لها منذ العطلة الصيفية للبرلمان قبل شهر، كشفت خلال مؤتمر سنوي غير رسمي لحزب العمال أنها كانت تأمل خلال فترة الراحة تلك أن تجد الطاقة لمواصلة قيادتها للبلاد "لكنني لم أتمكن من ذلك".
وأكدت أرديرن أنّه لا وجود لأي سر وراء استقالتها، قائلةً: "أنا إنسانة. نحن نعطي كل ما بوسعنا لأطول فترة ممكنة، وبعد ذلك يحين الوقت، وبالنسبة إلي فقد حان الوقت، سأرحل لأنه مع وظيفة متميزة كهذه هناك مسؤولية كبيرة. مسؤولية معرفة متى تكون الشخص المناسب للقيادة - وأيضاً عندما لا تكون كذلك". ومن هنا تنتهي مسيرة الهرم السياسي الوظيفي لامرأة استهلت رحلتها في الحياة موظفة في مطعم للأسماك والبطاطا في بلدة مورينسفيل الصغيرة بنيوزيلندا.
أرديرن نالت محبة الملايين حول العالم بسبب سياساتها التقدمية، وبعد توليها السريع لمنصب رئاسة الوزراء في عام 2017، بعد ثلاثة أشهر فقط من تعيينها لقيادة حزب العمال، تصدّرت عناوين الصحف لكونها شابة وبعيدة عن أضواء الشهرة.
في ذلك الوقت، كانت تبلغ من العمر 37 عاماً فقط، وكانت لاعبة صغيرة نسبياً على المسرح السياس العالمي، وكان من الممكن أن تقع بسهولة باعتبارها امرأة تقود دولة نائية يبلغ عدد سكانها حوالي خمسة ملايين شخص.
رئيسة وزراء نيوزيلاندا جاسيندا أرديرن إلى جانب خطيبها، بعد إنجاب طفلها خلال فترة حكمها عام 2018. (أ ف ب)
وواجهت خلال فترة حكمها أزمات عدّة، بما في ذلك أسوأ هجوم إرهابي في تاريخ البلاد، انفجار بركاني مميت ووباء عالمي أنهك البشرية، كل ذلك خلال فترة ولايتها الأولى في المنصب.
وخلال فترة وجودها في السلطة، أظهرت أرديرن أن من الممكن إعالة عائلة والمحافظة على منصب مهّم - وهي الآن تعلمنا درساً جديداً: حين لا يوجد المزيد من العطاء، فلا عيب في الانسحاب.
لماذا غادرت منصبها؟
اعتبر بعض الخبراء أن الهجمات المستمرة والتهديدات التي تعرّضت لها أرديرن، كان لها دور أساس في اتخاذ قرار الاستقالة.
وكشف نيل جونز، المعلق السياسي أنّ "ثمّة تهديدات وُجّهت لها"، مضيفاً: "أعتقد أن شيئاً ما أسهم بالضغط عليها، لكنها كانت واضحة بأنّ قرارها قد اتُخذ عن قناعة وبعد نفاد طاقتها بالاستمرار في هذا المنصب".
ولفت جونز إلى أنّها "قد تعبت من القيام بعمل، في مرحلة ربما الأصعب على نيوزيلندا منذ الحرب العالمية الثانية، إذ عانت نيوزيلندا من وباء كوفيد، بعد وفاة ما لا يقل من 2500 شخص".
لكن الإغلاق التام للبلد أدى إلى تفاقم الوضع، خاصةً في العاصمة ويلينغتون في آذار من عام 2020 حيث أضرم المحتجون خارج البرلمان النيران. ثم في تشرين الأوّل، نقلت وسائل إعلام محلية أن مكتب أرديرن تعرّض للهجوم بينما كانت في رحلة إلى القارة القطبية الجنوبية، ما زاد المخاوف بشأن سلامتها.
ووفقًا لشرطة نيوزيلندا، وُجّه 50 تهديداً يستهدف أرديرن عام 2021، وقالت الشرطة إن معظم التهديدات أتت على خلفية لقاحات فيروس كورونا وتضمّنت "كلمات مسيئة أو فاحشة وتهديدية".
خطط مستقبلية
لفتت أرديرن الى أن الانتخابات المقبلة ستجرى في 14 تشرين الأول، وهي ستحتفظ بمنصبها النيابي حتى ذلك الحين.
وقالت: "أنا لا أستقيل لأنني أعتقد أننا لن نتمكن من الفوز في الانتخابات المقبلة، بل لأنني متيقنة من أننا نستطيع ذلك وسنفعل"، مشيرةً إلى أنّ "استقالتها ستدخل حيز التنفيذ في موعد أقصاه 7 شباط، وحزب العمال سينتخب زعيماً جديداً في 22 كانون الثاني".
وصرّح نائب رئيس الوزراء غرانت روبرتسون أنه لن يترشح لرئاسة الحزب.
وبالرغم من أن أرديرن كانت ثالث رئيسة وزراء لنيوزيلندا - بعد جيني شيبلي وهيلين كلارك - كان الانتقاد لكونها امرأة حاضراً ومستمراً خلال فترة توليها السلطة.
رئيسة وزراء نيوزيلندا جاسيندا أرديرن إلى جانب نظيرتها الفنلندية، سانا مارين (أ ف ب)
وواجهت أرديرن الكثير من الانتقادات وآخرها، في كانون الأوّل إلى جانب نظيرتها الفنلندية، سانا مارين، حين وجه مراسل صحافي سؤالاً إليهما تحدث خلاله عن سنهما، قائلاً: "سيتساءل الكثير من الناس عما إن كنتما التقيتما لمجرد أنكما متقاربتان في العمر، ولديكما الكثير من الأشياء المشتركة. فما ردكما على ذلك؟".
قاطعته أرديرن معتبرةً أنّ سؤاله إهانة، وقالت: "أتساءل عمّا إن كان أي شخص سأل الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما ورئيس وزراء نيوزيلندا السابق جون كي إن كانا التقيا في السابق لأنهما كانا من نفس العمر؟".