وجد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في إيران داعماً لـ"عمليته العسكرية الخاصة" في أوكرانيا. تبنّى المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي السردية الروسية في توصيف أسباب الحرب. خلال استقباله بوتين، قال خامنئي إنه يجب "وقف" توسّع حلف شمال الأطلسي (ناتو). وأضاف: "الناتو كيان خطير. الغرب معارض بالكامل لروسيا مستقلة وقوية. إذا كانت الطريق مفتوحة للناتو، فهو لن يعترف بأي حدود".
تمثّل زيارة إيران أوّل زيارة يجريها بوتين إلى دولة خارج الفضاء السوفياتي السابق منذ بداية الغزو في 24 شباط 2022. خلال قمته مع نظيره الإيراني ابرهيم رئيسي، أشاد الرئيس الروسي بنمو التجارة الثنائية بين روسيا وإيران كما بتعزيز "تعاوننا حول قضايا الأمن الدولي، مقدمين مساهمة بارزة في تسوية النزاع السوري". وردّ رئيسي بالقول إنّ الدولتين تمتّعتا بـ"خبرة جيدة" في محاربة الإرهاب.
ووقّعت شركة النفط الوطنية الإيرانية مذكرة تعاون مع "غازبروم" الروسية بقيمة 40 مليار دولار لمساعدة طهران على تطوير حقلي غاز وستة حقول نفطية إضافة إلى مشاريع مشتركة أخرى في مجال الطاقة.
إردوغان في ضيافة إيران أيضاً
كان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أوّل رئيس دولة أطلسيّة يلتقي به بوتين منذ بدء الغزو. يمثّل إردوغان من موقعه نافذة لبوتين على الغرب بعدما نجحت تركيا في أن تكون وسيطاً بين روسيا وأوكرانيا. لكن يبدو أنّ بوتين غير مستعجل للتواصل حالياً مع الغرب أو حتى لمناقشة وقف لإطلاق النار. مع ذلك، شكر بوتين إردوغان على جهوده: "بوساطتكم، مضينا قدماً. لم تُحل جميع القضايا. لكن ما حُل هو جيد فعلاً".
وتفكّر تركيا في شنّ توغّل عسكريّ جديد في شمال شرق سوريا لمحاربة المقاتلين الأكراد الذين تربطهم بـ"حزب العمال الكردستاني" المصنّف على لوائح الإرهاب التركية والاوروبية والأميركية. لكنّ روسيا وإيران تعارضان هذه العملية. حين استقبل خامنئي الرئيس التركي أمس الثلاثاء، قال إنّ "هجوماً عسكرياً في شمال سوريا سيأتي على حساب تركيا ويفيد الإرهابيين". يبدو أنّ إردوغان لم يتأثر بتحذير خامنئي. بعد الاجتماع، قال الرئيس التركي إنّ "صراعنا ضد المنظمات الإرهابية سيستمر في جميع الأمكنة. نتوقّع من روسيا وإيران دعم تركيا في هذا الصراع".
أشاد إردوغان بموقف روسيا "الإيجابي جداً جداً" خلال المحادثات التي أجريت في اسطنبول الأسبوع الماضي بشأن صادرات القمح. وأعرب عن أمله بالتوصل إلى اتفاق ينتج "تأثيراً إيجابياً على العالم بأسره". وتوصّل مسؤولون من الأمم المتحدة وروسيا وأوكرانيا وتركيا إلى اتفاق مبدئي حول بعض الجوانب من شأنه ضمان تصدير 22 مليون طن من الحبوب العالقة في موانئ أوكرانيا على البحر الأسود.
الالتفاف حول العقوبات
تظهر زيارة بوتين إيران أنّه غير معزول على المسرح العالمي كما تؤكّد إشادة إردوغان بالدور الروسي في تسهيل صادرات القمح بأنّ موسكو تلعب دوراً إيجابياً على مستوى التخفيف من ارتدادات الحرب على الغذاء العالمي.
يعتقد الباحث في مؤسسة "هيريتدج" جيمس فيليبس أنّ تنسيق الطرفين بشأن الالتفاف حول العقوبات كان مطروحاً على الأجندة أيضاً. ويضيف أن لا علاقات محبة بين الطرفين اللذين خاضا خمس حروب ضد بعضهما منذ سنة 1651. لكنّهما كدولتين تزدادان عزلة وجدتا مصلحة مشتركة في مواجهة الولايات المتحدة.
في نيسان، سافر الصحافي الروسي أليكسي بيفوفاروف إلى طهران ليرى كيف يعيش الإيرانيون تحت العقوبات. ونشر وثائقياً مدته أكثر من ساعة وشوهد أكثر من 8 ملايين مرة. بحسب الباحث الإيراني إسفنديار باتمانقليدج، أراد بيفوفاروف معرفة ما إذا كانت خبرة الأعمال الإيرانية يمكن أن تساعد الشركات الروسية على التكيف مع العقوبات. يرى باتمانقليدج أنّ اهتمام المدراء التنفيذيين الروس بالسفر إلى إيران يظهر مدى قدرة العقوبات على عزل الدول الخاضعة لها.
بشكل غير مباشر، تؤكّد معلومات باتمانقليدج تحليل فيليبس عن إدراج الالتفاف حول العقوبات على أجندة بوتين الإيرانية. ويقول مدير برنامج إيران في "مجموعة الأزمات الدولية" علي واعظ لصحيفة "نيويورك تايمس" إنّ "روسيا وإيران لا تزالان لا تثقان ببعضمها البعض، لكنّهما الآن تحتاجان إلى بعضهما البعض أكثر من أي وقت مضى". ولفت النظر إلى أنّ "هذه لم تعد شراكة خيار، بل تحالف ضرورة".
حدود التحالف
إلى متى تستمر هذه الضرورة مسألة أخرى. إذا توصّلت إيران إلى إعادة إحياء الاتفاق النووي فمن غير المرجّح أن تواصل الاهتمام بتعزيز العلاقات مع روسيا. بعد اتفاق 2015، كانت إيران متحمّسة أكثر لعقد شراكات مع الغرب لا مع الروس والصينيين. بالمقابل، إذا انتهت الحرب بين روسيا وأوكرانيا وبدأ الغرب برفع العقوبات عن موسكو، فلن يكون لدى الأخيرة حافز كبير للتعاون مع إيران.
حتى مع افتراض مواصلة الغرب ضغطه على روسيا وإيران معاً، ثمّة القليل من المصالح الاقتصادية المشتركة التي تجمع هذين الطرفين اللذين سيتنافسان على الأسواق في آسيا الوسطى كما على الوصول إلى الأسواق الصينية بحسب باتمانقليدج. بالفعل، أظهر تقرير لوكالة "رويترز" أنّ كون الدولتين منتجتين كبيرتين للطاقة يقلّل من فرص توطيد الشراكة.
نقلت الوكالة عن نائب رئيس قسم الأبحاث في "مجموعة أوراسيا" هنري روم قوله إنّه "في البعد الاقتصادي، دهورت الحرب علاقتهما بشكل كبير. موسكو تأكل غداء طهران في أسواق السلع ولديها موارد أقل لإنفاقها على مشاريع في إيران".
أهمية الصورة
في نهاية المطاف، قد لا يهتمّ الطرفان كثيراً بأي نتائج عملية لهذه الزيارة. قليلة هي المصالح المشتركة الوطيدة التي تجمع روسيا وإيران حتى في مجالات التعاون التي بدا قبل بضع سنوات أنها بديهية. ففي سوريا، سمحت موسكو للإسرائيليين باستهداف المواقع العسكرية الإيرانية بشكل متكرر. لكنّ صورة جامعة للرئيسين بوتين ورئيسي قد تكون كافية لتوجيه الرسالة التي يريدها الطرفان.
بإمكان إيران القول إنّ لديها حليفاً في مجلس الأمن يمنع عنها العزلة الدولية. ويقول الأستاذ في جامعة جورج ميسون مارك كاتز لموقع "غريد" إنّ "الشيء المهم (بالنسبة إلى بوتين) هو صورة أنّه غير منشغل بالكامل بما يجري في أوكرانيا، وأنّه قادر على التركيز على أمور أخرى".