جنحت ناقلة نفط قبالة الساحل الشرقي للصين وتسرب منها الوقود وتعرضت أخرى لحادث تصادم قرب كوبا بينما تحفظت إسبانيا على ثالثة لانجرافها خارج السيطرة.
كل هذه السفن جزء من أسطول ناقلات "الظل" التي نقلت النفط العام الماضي من دول تخضع لعقوبات غربية، وذلك وفقا لتحليل أجرته رويترز لبيانات تتبع السفن والحوادث ومقابلات مع أكثر من 12 متخصصا في القطاع.
يقول ممثلو القطاع، ومن بينهم متعاملون في سلع أولية وشركات شحن وتأمين وجهات تنظيمية، إن المئات من السفن الإضافية انضمت لتلك التجارة الغامضة الموازية على مدى السنوات القليلة الماضية نتيجة لتزايد صادرات النفط الإيرانية إضافة إلى قيود فرضها الغرب على مبيعات الطاقة الروسية بسبب الحرب في أوكرانيا.
وقال إريك هانل الرئيس التنفيذي لشركة "ستينا بالك" لتشغيل الناقلات إن "خطر وقوع الحوادث يتزايد بكل تأكيد... نتأثر ونحن في ميناء... لأن أحدهم يصطدم بنا أو يفقد السيطرة وهو خطر أكبر بكثير مع هذا النوع من السفن لأنها أقدم ولا تخضع لصيانة جيدة".
وتوقف العديد من شركات إصدار شهادات الاعتماد وصناعة المحركات التي تقر صلاحية وسلامة السفن للملاحة عن تقديم خدماتها لسفن تحمل النفط من دول خاضعة لعقوبات مثل إيران وروسيا وفنزويلا كما فعلت كذلك شركات تأمين مما يعني أن هناك رقابة وإشراف أقل على سفن تحمل شحنات خطرة قابلة للاشتعال.
ويخشى بعض خبراء القطاع من أن تلك التجارة الموازية التي تنقل ملايين البراميل من النفط حول العالم قد تقوض جهودا تبذل منذ عقود لتعزيز سلامة النقل البحري بعد كوارث مثل كارثة تسرب النفط من الناقلة "إكسون فالديز" في ألاسكا عام 1989 التي تسببت في أضرار بيئية جسيمة.
وشهد العام الماضي ثمانية حوادث على الأقل شملت الجنوح والتصادم أو التصادم الوشيك لناقلات تحمل نفطا أو منتجات نفطية من دول خاضعة لعقوبات منها الحوادث المذكورة قبالة الصين وكوبا وإسبانيا وفقا لتحليل أجرته رويترز لمعلومات تتبع السفن وبيانات من شركة (لويدز ليست إنتيليجينس) بشأن حوادث السفن.
وخلص التحليل إلى أن هذا العدد من الحوادث يعادل ما وقع في السنوات الثلاثة السابقة مجتمعة لكنه لا يزال يشكل نسبة صغيرة من كل الحوادث المسجلة في قطاع الشحن العالمي في 2022 وعددها 61 حادثة.
ولم تتسبّب تلك الحوادث الثمانية في إصابات أو تلوث كبير لكن بعض المديرين التنفيذيين يشعرون بالقلق.
من جهته، يقول جان ديليمان رئيس وحدة النقل البحري في مجموعة "كارجيل" للسلع الأولية "لدينا أسطول غامض لم يخضع لفحص كاف وهذا مصدر للقلق... لا نعرف معلومات تتعلق بالصيانة والسلامة لأن لا أحد يصعد على متن تلك السفن ويجري عمليات تفتيش، هذا لا يحدث".
ولم يرد مسؤولون حكوميون من إيران وفنزويلا وروسيا بعد على طلبات بالتعليق من أجل هذا المقال. ولا تعترف تلك الدول بالعقوبات الغربية.
وقال العديد من خبراء قطاع الشحن الذين أجرت معهم رويترز مقابلات إن منتجي النفط الخاضعين لعقوبات لم يكن لديهم خيار يذكر سوى اللجوء لسفن لا تخضع لفحوص صارمة للحفاظ على تدفق صادراتهم ودعم اقتصاداتهم المتعثرة.
أسطول خفي؟
تتباين التقديرات لحجم أسطول الظل إذ يقدر متخصصون في القطاع العدد بأنه يتراوح ما بين أكثر من 400 إلى أكثر من 600 أو نحو عشرين بالمئة من أسطول ناقلات النفط في العالم.
وقال آندريا أوليفي مدير قسم الشحن في شركة "ترافيجورا" للتجارة في السلع الأولية "بياناتنا تظهر أنها وصلت إلى نحو 650 وحدة" وتقدر الشركة أن ثلثي هذا العدد ناقلات نفط خام.
وحذّر البعض من أن حجم أسطول الظل أصبح أصعب في تقديره بالنظر إلى تعقيد المشهد المتعلق بالعقوبات المفروضة على النفط الروسي.
ولم يتسن لرويترز التحقق بشكل مستقل من العدد المتعلق بحجم أسطول الظل ومعدل تزايده.
ولم تستجب وزارة الخزانة الأميركية بعد لطلب بالتعليق على السفن التي تنقل نفطا من دول خاضعة لعقوبات.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمبلاكية إن الولايات المتحدة تسعى جاهدة لتحديد عمليات التهرب من العقوبات في قطاع الشحن من أجل تعزيز سلامة الملاحة وتقليل المخاطر البيئية.
"سفن تشكل مخاطر"
من بين الحوادث الثمانية التي جرى رصدها العام الماضي، احتُجزت الناقلة "ليندا 1" التي كانت تحمل نفطا روسيا في ميناء ألخثيراس "الجزيرة الخضراء" بجنوب إسبانيا في تشرين الثاني، وفقا لتحليل رويترز.
وأكدت هيئة الأسطول التجاري الإسبانية الواقعة وطبيعة الشحنة. وقالت لرويترز إن الناقلة حصلت على تصريح بتحميل قطع غيار خارج حدود الميناء لكن وجد أنها تنجرف نحو سفن راسية بسبب أعطال في نظام الملاحة.
كما قالت الهيئة التابعة لوزارة النقل "احتُجزت السفينة لأنها عرّضت السفن الراسية في محيطها للخطر وبسبب سلسلة من العيوب".
وذكر الأسطول التجاري أن الناقلة "ليندا 1" انتهكت أيضا لوائح التلوث الخاصة بالأمم المتحدة لأنه ليس لديها نظام لتنظيف غاز العادم البحري، أو جهاز تنظيف، بينما تستخدم وقودا بحريا عالي الكبريت. وفرض عليها غرامة قدرها 80 ألف يورو (85800 دولار) واحتجزها في الفترة من الثاني من نوفمبر تشرين الثاني إلى 27 ديسمبر كانون الأول بينما كان يجري إصلاح الأعطال.
وفي شرق الصين، جنحت الناقلة "أرزوي"، التي أظهر تحليل لمنظمة "متحدون ضد إيران النووية" أنها كانت تحمل نفطا إيرانيا، بينما كانت تفرغ حمولة في ميناء بإقليم تشينغداو في 23 آذار من العام الماضي مما أدى إلى تسرب نفطي محدود في مياه الميناء، وفقا لبيانات من لويدز ليست إينتليجنس.
وبعد ثلاثة أيام، اصطدمت السفينة (بتيشن) المحملة بنفط خام فنزويلي من ميناء خوسيه في البلاد بناقلة أخرى قبالة ميناء كوبي، ولم يكن السبب واضحا، وفقا لتحليل رويترز.
وتخضع معظم صادرات النفط الفنزويلية لعقوبات أمريكية.
ولم يتسن الوصول للشركة المالكة للناقلة "أرزوي" للتعليق. ولم يكن هناك أي تفاصيل عن سبل الاتصال بالسفينة "بتيشن".
ولم ترد السلطات البحرية الصينية أو الكوبية على طلبات للتعقيب.
وظهرت المخاطر المحتملة التي يشكلها أسطول الظل في عام 2021 عندما قالت إسرائيل إن حمولة ناقلة من النفط الإيراني تسربت في شرق البحر المتوسط مما تسبب في إصابة مساحة من الساحل بأضرار بيئية.
عمليات النقل من سفينة إلى أخرى
وفقا لمزود البيانات "فيسلز فاليو"، يبلغ عمر حوالي 774 ناقلة من أصل 2296 في مجمل أسطول النفط الخام العالمي 15 عاما أو أكثر.
ورغم أنه من غير المعروف كم من هذه السفن القديمة يشارك في أسطول الظل، فإن سياسات التدقيق الصارمة لشركات النفط الكبرى وتجار السلع الأولية تعني أنهم يستخدمون ناقلات تقل أعمارها عن 15 عاما.
وقال بعض الخبراء في القطاع إن عمليات نقل النفط وشحنات وقود أخرى من سفينة إلى أخرى عن طريق ناقلات الظل في مواقع مختلفة في البحر لا تخضع لإشراف سلطات الموانئ تشكل مخاطر كبيرة على السلامة والبيئة.
ففي عام 2019، اشتعلت النيران في ناقلتين بمنطقة البحر الأسود أثناء نقل الوقود في البحر، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن عشرة من أفراد الطاقم، وذلك بعد منع ناقلة منهما من الرسو في ميناء بسبب العقوبات الأميركية.