قُتل العقيد في الحرس الثوري حسن صياد خدائي عند الساعة الرابعة بعد ظهر الأحد بتوقيت طهران في شارع "مجاهدي الإسلام" في العاصمة الإيرانية. أعادت العملية إلى الأذهان عدداً من عمليات الاستهداف المعقّدة التي شهدتها إيران في السنوات القليلة الماضية. ومع تأرجح آفاق العودة إلى مفاوضات فيينا، يطرح الاغتيال علامات استفهام عمّا إذا كان مرتبطاً بجهود إحياء الاتفاق النووي الذي خرجت منه الولايات المتحدة سنة 2018.
وصف الحرس الثوري العملية بالإرهابية وقال إنّ جهات تابعة لـ"الاستكبار العالمي" تقف خلفها، في إشارة ضمنية إلى الولايات المتحدة وإسرائيل. وفي مارس (آذار) الماضي، أطلقت إيران صواريخ على قاعدة عسكرية في إربيل تقول إنّ الموساد كان يشغلها.
ذكر الإعلام الإيراني أنّ مسلّحين كانا يستقلان دراجة نارية أطلقا خمس رصاصات على خدائي بالقرب من منزله. وذكرت "تسنيم" أنّ زوجته كانت أوّل من عثر عليه. وأشارت وسائل إعلام إسرائيلية إلى أنّ خدائي كان على علاقة بالتخطيط لقتل إسرائيليين في أفريقيا وأميركا الجنوبية وتركيا وقبرص قبل أن يفشلها "الموساد". لاحقاً، تمكّن الحرس الثوري من اعتقال عناصر من الاستخبارات الإسرائيلية وفقاً لوكالة أنباء "إسنا" الإيرانية.
وذكرت وكالة "إرنا" الرسمية أنّ خدائي هو أحد "المدافعين عن الحرم" في إشارة إلى أفراد الحرس الثوري الذين أوكلوا بمهمات في سوريا والعراق.
مقارنات
رأى مراسل شؤون الشرق الأوسط لمجلة "إيكونوميست" غريغ كارلستروم أنّ اغتيال خدائي يمثّل تحوّلاً بارزاً عن الاغتيالات السابقة في إيران. في الماضي، استهدفت غالبية تلك الاغتيالات علماء مرتبطين ببرنامج إيران النووي. ولاحظ أيضاً عمق الاختراق الذي يعاني منه الجهاز الأمني في إيران.
مع ذلك، يشبه هذا الاستهداف عمليات سابقة من حيث حصولها في وضح النهار، كما حدث مع اغتيال كبير العلماء النوويين في إيران محسن فخري زاده في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) 2020. لكنّ تلك العملية أظهرت مستوى أعلى من التخطيط حيث اغتيل فخري زاده برشاش آليّ يحرّك عن بعد عبر الأقمار الاصطناعية وفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز". واغتيل فخري زاده في أبسارد بمحافظة طهران.
ولم تكن المرة الأولى التي شهدت فيها العاصمة الإيرانية هذا الخرق الأمني الكبير، إذ تمكّنت إسرائيل، كما ذكر تقرير آخر لصحيفة "نيويورك تايمز"، من اغتيال الرجل الثاني في تنظيم "القاعدة" أبي عبدالله المصري في شارع باسدران بالعاصمة الإيرانية في السابع من أغسطس (آب) 2020. وقالت إيران حينها إنّ المصري هو أستاذ يدرّس التاريخ في إحدى الجامعات. اتّهمت الولايات المتحدة المصري بتدبير الهجمات ضدّ السفارتين الأميركيّتين في تنزانيا وكينيا سنة 1998.
هجمات متنقّلة
ذكرت وكالة "نور" للأنباء أنّ الاغتيال انتهك "خطاً أحمر" مشيرة إلى أنّه "يغيّر معادلات كثيرة" متوعّدة المسؤولين عن العملية بـ"دفع ثمن باهظ". كذلك، أشار الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي إلى أنّ بلاده ستنتقم لخدائي. وقال مصدر أمني لموقع "جاديه" الإيراني إنّ خدائي كان مسؤولاً بارزاً في الصناعة العسكرية الإيرانية خصوصاً على مستوى الطائرات بلا طيار (درونز).
في السنوات الماضية، تعرّض الحرس الثوري لاستهدافات عدّة كما حصل في 22 سبتمبر (أيلول) 2018، حين هاجم مسلّحون استعراضاً عسكرياً للحرس الثوري في الأهواز وقد راح ضحيّته 25 شخصاً من بينهم عناصر من الحرس. وفي 23 أبريل (نيسان) الماضي، فتح مسلّحون النار على سيارة تقل جنرالاً في الحرس الثوري هو حسين الماسي. نجا الماسي من الكمين وقتل حارسه الشخصي.
وقعت عملية الاغتيال الأخيرة والتي طالت للمرّة الأولى داخل إيران عقيداً في الحرس الثوري مرتبطاً بالنزاع في سوريا، وسط اضطرابات شعبية بسبب سوء الأوضاع المعيشية. وارتفعت أسعار الخبز والمعكرونة نحو ثلاثة أضعاف بعدما ألغت الحكومة الدعم عن الطحين.
رأى المدير التنفيذي لكلية الشؤون الدولية والعامة في جامعة بالتيمور إيفان ساشا شيهان أنّ الاضطرابات الحالية تتبع نمطاً مشابهاً لذاك الذي برز في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 بعدما اندلعت احتجاجات واسعة مناهضة لرفع سعر الوقود. ردت الحكومة بالقمع مما أدى إلى مقتل 1500 شخص واعتقال الآلاف. جاء تعليق شيهان في مقال على موقع "إيشوز أند إنسايتس" الأميركي.
نوع الرسالة
لم تتبنَّ أيّ جهة عملية اغتيال خدائي. لكنّ قلّة من الدول تملك مثل إسرائيل الرغبة والقدرة على شنّ هكذا اغتيالات في الداخل الإيراني كما كتب الباحث البارز في "معهد كوينسي" تريتا بارسي. ورأى في سلسلة تغريدات أنّ عمليات الاغتيال حصلت في أوقات كان الأميركيون والإيرانيون على مقربة من تحقيق خرق ديبلوماسيّ.
لكنّ تحقيق هذا الخرق غير مؤكّد اليوم. صدرت بعض المؤشّرات الإيجابية بعد زيارة الديبلوماسي الأوروبي المسؤول عن المفاوضات النووية إنريكي مورا إيران في 13 مايو (أيار) الحالي، من دون أن تتبيّن أيّ صيغة ملموسة للتسوية بين الأميركيين والإيرانيين. علاوة على ذلك، لا يرتبط خدائي بالبرنامج النووي الإيراني للجزم بأنّ إسرائيل تريد عرقلة اتفاق محتمل بين واشنطن وطهران.
في المقابل، أمكن أن يكون اغتيال فخري زاده حاملاً لرسالة من هذا النوع. فهو حصل بعد أسابيع قليلة على فوز جو بايدن بالرئاسة الأميركية، وهو كان قد تعهّد في حملته بالعودة إلى الاتفاق النووي. ربّما أراد الإسرائيليون من خلال العمليّة عرقلة عودة بايدن إلى طاولة المفاوضات. لكن يصعب ربط عمليّات الاغتيال دوماً بالظروف المحيطة لحظة حدوثها. ذكرت "نيويورك تايمز" أنّ عمليّة التحضير لاغتيال فخري زاده دامت قرابة عام (بدءاً من تحديد الأهداف المحتملة). بالتالي، ثمّة احتمال كبير في أنّ العمليّة كانت ستتمّ بصرف النظر عن هوية الفائز في الانتخابات الرئاسية الأميركية. كما أنّ الاغتيال حصل في السنة الأخيرة من ولاية ترامب، لأنّ إسرائيل كانت بحاجة لغطاء أميركيّ أكثر من رغبتها بعرقلة مسار بايدن، بحسب تحليل الصحيفة.
لغاية اليوم، تبقى ظروف اغتيال خدائي غامضة. هل تمّت بدافع توجيه رسالة إلى بايدن أم لأسباب أمنية بحتة مرتبطة بصناعة المسيّرات والتخطيط لعمليات اغتيال في الخارج؟ قد لا يعرف العالم الأجوبة قبل فترة طويلة من الزمن.