يبدأ البابا فرنسيس، غداً، زيارة تاريخية لكندا تستغرق ستة أيام في رحلة "توبة" لبلسمة جروح الماضي تنتظرها بفارغ الصبر مجموعات السكان الأصليين الذين يأملون في تقديم اعتذار جديد عن مأساة المدارس الداخلية التي تديرها الكنيسة.
ويفترض أن يصل البابا (85 عامًا) الذي لا يزال يعاني من آلام الركبة، في الساعة 11:20 إلى إدمونتون في مقاطعة ألبرتا حيث سيمضي ثلاثة أيام قبل أن يتوجه إلى كيبيك ثم إيكالويت في أرخبيل القطب الشمالي.
وخلال هذه الرحلة الدولية السابعة والثلاثين منذ انتخابه في 2013، سيتحدث الحبر الأعظم أولاً إلى السكان الأصليين، أي شعوب الأميركيين الهنود الذين يمثلون خمسة بالمئة من سكان كندا وينقسمون إلى ثلاث مجموعات: الهنود أو الأمم الأولى، والخلاسيون، والإينويت.
في قلب هذه الزيارة، هناك فصل مؤلم. فبين نهاية القرن التاسع عشر وتسعينات القرن العشرين، سجّل نحو 150 ألف طفل من السكان الأصليين قسراً في أكثر من 130 مدرسة داخلية مدعومة من الدولة وتدير معظمها الكنيسة الكاثوليكية.
وقد فصلوا عن أسرهم ولغتهم وثقافتهم وغالباً ما كانوا ضحايا لأعمال عنف، في بعض الأحيان جنسية.
ومات نحو ستة آلاف طفل هناك في ما اعتبرته لجنة تحقيق وطنية "إبادة جماعية ثقافية"، في بلد أثار فيه اكتشاف أكثر من 1300 قبر لمجهولين في 2021 صدمة ودفع السلطات إلى إعلان "يوم مصالحة".
وفي بداية نيسان، قدّم البابا فرنسيس "اعتذارات" تاريخية خلال اجتماع في الفاتيكان أمام وفود من السكان الأصليين، معرباً عن شعوره "بالحزن والعار". لكن الآلاف منهم ينتظرونه الآن لتجديد طلبه الصفح على الأراضي الكندية، حيث تحيي هذه الزيارة التي ستجري تحت شعار "السير معاً"، آمالاً كبرى.
"سنوات صدمة"
وتبدأ "رحلة التوبة" هذه كما يسميها البابا، الإثنين بتوقف في ماسكواسيس على بعد حوالى مئة كيلومتر جنوب إدمونتون، حيث سيلتقي البابا فرنسيس شعوباً أصلية للمرة الأولى. وينتظر مشاركة نحو 15 ألف شخص، بما في ذلك طلاب في مدارس داخلية سابقة من مناطق مختلفة من البلاد.
وقال جون كرييه أحد هؤلاء الناجين "أرحب به"، مؤكّداً أنه "مسرور بهذه الفرصة". وأضاف "بالنسبة لنا جميعا ولكندا، هذه فرصة لنكون قادرين فعلاً على تحديد معنى المصالحة".
أمّا راندي إرمينسكين، أحد قادة مجموعة السكان الأصليين في إرمينسكين، فقال "حسب ما أسمعه، إنها 52 دقيقة، ليست مدة طويلة جداً". واضاف "كثيرون سيصابون بخيبة أمل بسبب الوقت الممنوح لهم لأنها سنوات وسنوات من الصدمة".
وسيترأس الزعيم الروحي للكاثوليك البالغ عددهم 1,3 مليار شخص، الثلثاء قداساً في ملعب يتسع لستين ألف شخص في إدمونتون قبل أن يتوجه إلى بحيرة سانت آن التي تشكل موقعاً مهماً لحج سنوي.
وبعد ذلك، سيتوجه إلى كيبيك التي يزورها من 27 إلى 29 تموز. وسيلتقي رئيس الوزراء جاستن ترودو ويترأس قداساً في الضريح الوطني لسانت آن دي بوبريه، أحد المواقع الكبرى لرحلة حج في أميركا الشمالية.
وفي 29 تموز، سيتوجه اليسوعي الأرجنتيني إلى إيكالويت وهي مدينة تقع في أقصى شمال كندا وتضم أكبر عدد من الإنويت في البلاد. وسيلتقي فيها طلاباً سابقين في مدارس داخلية، قبل أن يعود إلى روما.
- كنيسة تتراجع -
وقد يعيد البابا عدداً من أعمال وقطع الشعوب الأصلية معروضة في متاحف الفاتيكان ويريد بعض ممثليهم أن تعود إلى تراثهم الثقافي.
وتشهد كندا التي يشكل الكاثوليك 44 في المئة من سكانها، مثل بلدان أخرى أزمة كنيسة، مع انخفاض حاد في المشاركة في ممارسة الشعائر في السنوات الأخيرة.
وفي المجموع، سيقطع البابا فرنسيس عشرين ألف كيلومتر خلال هذه الرحلة التي كانت غير مؤكدة لفترة طويلة بسبب آلام في ركبته اليمنى تجبره على التنقل متكئاً على عصا أو بكرسي متحرك.
وأرجأ الفاتيكان في حزيران إلى أجل غير مسمى زيارة له إلى أفريقيا كانت مقرّرة مطلع تموز.
ويبدو أن جلسات العلاج الطبيعي وغيرها حقّقت هدفها، لكن صحته ستكون موضع مراقبة دقيقة في هذه الرحلة التي سيرافقه فيها طبيب وممرضة.
وفرنسيس هو ثاني حبر أعظم يزور كندا بعد يوحنا بولس الثاني الذي ذهب إلى هناك ثلاث مرات في 1984 و1987 و2002.