تقف سائحة هندية في أحد شوارع كشمير فيما يلتقط زوجها صورتها وهي تمسك بعلم هندي في كل يد ويحيط بها جنديان مسلحان. إنها في كشمير، وجهة السفر التي يُروَّج لها في الهند والمكان الذي يشهد تمردًا داميا ومواجهات متكررة بين الانفصاليين والقوات الهندية.
يتمركز نصف مليون جندي هندي في كشمير التي خصصت لها الحكومة ميزانية كبيرة لتنظيم حملة سياحية انطلقت أوائل العام الماضي لتشجيع السياحة الداخلية إلى المنطقة ذات المناظر الخلابة التي توفرها جبال الهيمالايا والمنتجعات على التلال المغطاة بالثلوج والأضرحة الهندوسية النائية المنتشرة في المنطقة ذات الأغلبية المسلمة والمتنازع عليها بين الهند وباكستان.
زار أكثر من 1,6 مليون هندي المنطقة في الأشهر الستة الأولى من عام 2021، وهو رقم قياسي جديد وفقًا لمسؤولين محليين، وأربعة أضعاف العدد الذي زارها خلال الفترة نفسها من عام 2019.
يتقرب كثيرون منهم من الجنود ويلتقطون صور سيلفي معهم، ولا يبالون بالمعارك المتكررة بين القوات الهندية والمتمردين التي تحدث في مناطق غير مدرجة ضمن الوجهات السياحية.
قال ديليب بهاي الآتي من ولاية غوجارات الهندية لفرانس برس بينما كان ينتظر في الطابور خارج مطعم تحرسه القوات شبه العسكرية "الآن كل شيء على ما يرام في كشمير... أنباء العنف التي نسمعها في وسائل الإعلام شائعة أكثر منها حقيقة"، مضيفًا أنه ليس قلقًا من الاشتباكات المسلحة التي تقع في المنطقة التي تطالب باكستان بأحقيتها بها أيضًا وتسيطر على جزء منها.
منذ عام 2019، شددت قوات الأمن الخناق على كشمير عندما ألغت الحكومة الهندية الحكم الذاتي المحدود المكفول دستوريًا للمنطقة. في ذلك العام، تم وضع آلاف الأشخاص في الاحتجاز الإداري لتفادي الاحتجاجات المتوقعة ضد القرار المفاجئ، وقُطعت الاتصالات في المنطقة التي عرفت أطول قطع للإنترنت في العالم.
منذ ذلك الحين، صارت الاحتجاجات العامة شبه مستحيلة فيما يتعرض الصحافيون المحليون لمضايقات الشرطة وتُغلق المنطقة أمام المراسلين الأجانب.
لكن الاشتباكات لا تزال تدور في المنطقة كل أسبوع تقريبًا، وأحصى المسؤولون مقتل 130 من المتمردين و19 من أفراد قوات الأمن خلال الأشهر الستة الأولى من العام.
أتاح التغيير الدستوري للهنود من خارج كشمير شراء الأراضي والعمل في وظائف محلية، فيما يرى سكان الولاية في تدفق السياح إهانة لهم. إذ قال تاجر كشميري لوكالة فرانس برس طالبا عدم نشر اسمه خوفا من انتقام الحكومة إن "الترويج للسياحة أمر جيد لكنه يتم بنوع من الانتصار القومي... انها مثل شن الحرب بوسائل اخرى. الطريقة التي تروّج بها الحكومة للسياحة تقول للهنود: اذهبوا واقضوا بعض الوقت هناك واجعلوا كشمير ملكًا لكم".
- "تغيير التصورات السابقة" -
قُتل الآلاف في التمرد الذي بدأ عام 1989 ضد الحكم الهندي في كشمير ودفع الهندوس لمغادرة الوادي ذي الأغلبية المسلمة. وتعثرت المحاولات المتكررة لإحياء سوق السياحة إذ تسببت ثلاث انتفاضات شعبية بين عامي 2008 و2016 في مقتل أكثر من 300 مدني وجعلت الزوار المحتملين يعزفون عن المجيء.
ولكن بعد أن ألغت حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي الحكم الذاتي المحدود لكشمير قبل ثلاث سنوات، بدأت السلطات مجددًا بالترويج للمنطقة للهنود كواحدة من الوجهات الرئيسية لقضاء الإجازة في البلاد.
تبع ذلك حملة ترويجية تضمنت مهرجانات وعروضًا ترويجية ومؤتمرات سياحية بمشاركة وكالات السفر الهندية برعاية الحكومة المحلية و21 مدينة رئيسية في جميع أنحاء الهند.
أعلنت الحكومة افتتاح منتجع للتزلج من بين 75 "وجهة جديدة غير مستغلة" للسياح، بعضها قريب من الحدود المفروضة بحكم الأمر الواقع وتقسم كشمير بين الهند وباكستان اللتين تنشران قوات معززة في كل جانب.
كما تشجع السلطات المستثمرين لبناء 20 ألف غرفة فندقية بالإضافة إلى 50 ألفًا متوفرة في المنطقة بعد أن خففت سياسة الإقامة لتشجيع السكان على استضافة الزوار.
وصرح سرمد حفيظ وزير السياحة المحلي لفرانس برس أن الميزانية الرسمية للترويج السياحي "تضاعفت أربع مرات" في العامين الماضيين.
وقال "لقد غيرنا التصورات السابقة عن كشمير. بعثت الفعاليات التي نُظمت برسالة واضحة مفادها أن كشمير آمنة للسفر إليها".
- "المسمار الأخير" -
يأتي الترويج للمنطقة ذات المناظر الخلابة في وقت ضعف اقتصادها بعد التغيير في وضع الإقليم. فقد أدت القيود الصارمة على الحياة المدنية وتكثيف حملة مكافحة التمرد إلى خنق الأعمال التجارية المحلية.
كما أزالت الحكومة الحواجز الضريبية التي ساعدت في السابق على حماية الإنتاج المحلي من المنافسة الخارجية.
وقال شهيد كميلي رئيس غرفة التجارة والصناعة في كشمير لوكالة فرانس برس "كان هذا المسمار الأخير الذي دُق في نعش صناعتنا".
يمثل الإنتاج الصناعي 15 في المئة من الاقتصاد المحلي، وهذا يزيد بثلاثة أضعاف عن الأرقام الأكثر تفاؤلاً لقطاع السياحة. لكن كميلي قال إن 350 ألف عامل صناعي فقدوا وظائفهم منذ إلغاء الحكم الذاتي للمنطقة.
وما زال يعوق إمكانات تنمية المنطقة كوجهة سفر تاريخها العنيف وعدم الرضا عن الحكم الهندي، وهو ما يثير القلق لدى بعض الزوار جراء الوجود الأمني المكثف.
وقال سائح من ولاية البنغال الغربية لوكالة فرانس برس "إذا كانت كشمير جزءا من الهند، فعلينا أن نسأل لماذا ينتشر هذا العدد الكبير من قوات الأمن في كل مكان".