فرضت السلطات الإيرانية قيودًا صارمة ومحددة الهدف على استخدام الإنترنت في محاولة لعرقلة تجمع المتظاهرين ومنع وصول صور قمع التظاهرات إلى العالم الخارجي، وفق مراقبين.
وأعرب نشطاء عن قلقهم من أن هذه القيود التي تؤثر أيضًا على موقع إنستغرام الذي ظل حتى الآن غير محجوب في إيران ويحظى بشعبية كبيرة، يمكن أن تتيح للسلطات تنفيذ القمع "تحت جنح الظلام".
اندلعت الاحتجاجات قبل أسبوع بعد إعلان السلطات في 16 أيلول وفاة مهسا أميني (22 عاما) بعد ثلاثة أيام على توقيفها لدى شرطة الأخلاق بسبب "لباسها غير المحتشم". ولم تعرف بالضبط ظروف وفاتها، وقالت السلطات إنها فتحت تحقيقا في القضية.
بدأت الاحتجاجات في محافظة كردستان مسقط رأس أميني في الشمال ثم انتشرت في مختلف أنحاء البلاد.
وصف موقع "نتبلوكس" Netblocks لمراقبة الوصول إلى الإنترنت تقييد الاتصال بالإنترنت بأنه "أشد قيود الإنترنت صرامة" في إيران منذ حملة قمع احتجاجات تشرين الثاني 2019، عندما شهدت البلاد انقطاعًا شبه كامل للإنترنت لم يسبق له مثيل حينها.
وقال إنه تم قطع شبكات الاتصال عبر الهاتف المحمول - على الرغم من وجود علامات على عودة الاتصال - وفُرضت قيود صارمة تبعًا للمحافظات على الوصول إلى إنستغرام وواتساب.
قالت مهسا علي مرداني، الباحثة الإيرانية لدى مجموعة "المادة 19" المعنية بحماية حرية التعبير إن "الأمر مختلف بشكل كبير عما رأيناه في تشرين الثاني 2019. إنه ليس شبه كامل وكامل كما كان في ذلك الوقت ولكنه متقطع على نحو أكبر".
وقالت لفرانس برس "لكن هناك بالتأكيد الكثير من الاضطرابات وعمليات انقطاع تحدث"، مشيرة إلى أن الناس ما زالوا قادرين على الاتصال بالشبكة عبر الشبكات الافتراضية الخاصة VPNs.
- بعيدًا عن الأعين -
وقالت مهسا علي مرداني إن السلطات الإيرانية قد تتصرف بحذر خشية ما قد يكون للحجب الكامل للإنترنت من تأثير على الاقتصاد بالإضافة إلى قضايا الحياة اليومية مثل المواعيد الطبية عبر الإنترنت. وأضافت أن هناك أيضًا انقطاعًا على شبكة المعلومات الوطنية، وهي بنية تحتية مستقلة تريد إيران تطويرها كشبكة إنترنت محلية.
وقالت إن القيود "أضافت عقبات" لنشر مقاطع فيديو للاحتجاجات لكنها "ما زالت تصل".
تضمنت مقاطع الفيديو المنتشرة على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي صورًا لنساء يحرقن حجابهن ومتظاهرين يمزقون صور قادة الجمهورية الإسلامية، وكذلك قوات الأمن تطلق النار على المتظاهرين.
خلال موجة الاحتجاجات في تشرين الثاني 2019 التي اندلعت بسبب ارتفاع أسعار الوقود، قال نشطاء إن حجب الإنترنت سمح للسلطات بتنفيذ قمع دام بعيدًا إلى حد كبير عن أعين العالم.
وقالت منظمة العفو الدولية إن 321 شخصًا قتلوا في ذلك الوقت وتؤكد أن هذا العدد لا يشمل سوى الوفيات المؤكدة وقد تكون الحصيلة الحقيقية أعلى من ذلك بكثير.
واضافت المنظمة الحقوقية إنها تشعر الآن "بقلق بالغ إزاء تعطيل السلطات الإيرانية للإنترنت وشبكات الهاتف المحمول"، وحثت قادة العالم على اتخاذ إجراءات عاجلة للضغط على إيران "لوقف قتل مزيد من المتظاهرين وإصابتهم بجروح تحت ستار الظلام".
وقال هادي غائمي مدير مركز حقوق الإنسان في إيران (CHRI) ومقره في نيويورك، إن "إمكان حدوث إراقة دماء هائلة حقيقي الآن".
وأضاف "منعت الحكومة الوصول إلى الإنترنت لأنها تريد منع الناس من إرسال أدلة على فظائع الدولة إلى العالم الخارجي".
- خنق حرية التعبير -
أعرب رئيس إنستغرام آدم موسيري عن قلقه بشأن قطع الانترنت في حين قال تطبيق واتساب، وهو أيضًا جزء من شركة ميتا Meta العملاقة لوسائل التواصل الاجتماعي، إنه ليس وراء أي انقطاع في الاتصال وسيبذل كل ما في وسعه "من الناحية التقنية للحفاظ على خدماتنا".
وأكدت خدمة الرسائل الآمنة سيغنال Signal أنها لا تزال محظورة في إيران وشجعت المستخدمين في الخارج على إعداد خادم بديل لمساعدة الأشخاص على الاتصال بالشبكة.
أدى حظر طهران في السنوات الأخيرة لمنصات رئيسية - بما في ذلك فيسبوك وتويتر وتلغرام ويوتيوب وتيك توك - إلى جعل إنستغرام وواتساب من أكثر تطبيقات الوسائط الاجتماعية استخدامًا في إيران.
وأكدت تقارير إعلامية رسمية أن المسؤولين أمروا بتقييد الوصول إلى الخدمتين.
وأشار مراقبون أيضا إلى انقطاع الإنترنت على نحو مستهدف في بعض المناطق، لا سيما في محافظة كردستان حيث وقعت بعض أعنف المواجهات.
وقالت لجنة خبراء حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة "يكون قطع الإنترنت عادة جزءًا من جهد أكبر لخنق حرية سكان إيران في التعبير والتجمع وللحد من الاحتجاجات الجارية"، ووصفت القيود بأنها ثالث إغلاق من نوعه في إيران في عام.
وأضافت اللجنة أن "انقطاع الإنترنت الذي تفرضه الدولة لا يمكن تبريره تحت أي ظرف من الظروف".