النهار

وثائق البنتاغون المسرّبة: إحاطات لعمليات تجسّس... وتضليل
المصدر: "النهار"
وثائق البنتاغون المسرّبة: إحاطات لعمليات تجسّس... وتضليل
تعبيرية.
A+   A-
خليل عجمي
 
 
لا تقف أزمة تسريب وثائق البنتاغون عند اعتقال من يقف وراءها، فأبعاد القضية أكثر تعقيداً على محاور عدة، كالتوقيت، والأطراف المعنية بالتسريبات، ومدى حساسيتها.
 
وعلى الرغم من أن التاريخ الأميركي الحديث حافل بالتسريبات، إلا أن عنصر التوقيت حالياً، هو الأهم والأخطر، نظراً لأن المعلومات المُسربة تتعلق بأحداث ما زالت جارية، وقد تغيّر من مسارها، في وقت لم يُحسم الجدل حول التداعيات التي يمكن أن تُسفر عن ذلك.
 
وبعد أكثر من أسبوعين من تسريب هذه الوثائق، لا تزال الإدارة الأميركية عاجزة، على يبدو، عن تفسير ما حدث، خصوصاً وأن المسؤولين الأميركيين لم يكتشفوا الأمر إلا بعد حديث مقتضب أجرته صحيفة "نيويورك تايمز" في 6 نيسان الجاري، مع أحد أعضاء منتديات منصة "ديسكورد" (Discord) للتواصل الاجتماعي، والذي عَرّف عن نفسه بأنه "صديق مقرّب" لمسرّب الوثائق التي تطال الحلفاء والأعداء على حدٍّ سواء.
 
التسريب بدأ، بحسب "أسوشيتد برس"، على منصة (Discord) التي انطلقت عام 2015 وشاعت بين ممارسي ألعاب الفيديو عبر الإنترنت، حيث ناقش أعضاء في أحد منتديات المنصة، موضوع الحرب في أوكرانيا، وتم عرض مستندات ووثائق، ما لبثت أن انتشرت عبر الإنترنت بين شباط وآذار الماضيين، لتصل لاحقاً إلى الإعلام، وفق "سي إن إن".
 
ولاحقاً، اعتقلت الأجهزة العسكرية الأميركية أحد عناصر الحرس الوطني الأميركي هو جاك تيكسيرا (21 عاماً) الذي يُقال إنه كان يدير مجموعة دردشة عبر الإنترنت، ليواجه اتهامات تتعلق بتسريب وثائق دفاعية واستخباراتية سرية عن الحرب في أوكرانيا.
 
ويعمل تيكسيرا في جناح مخابرات الحرس الوطني الجوي لماساتشوستس، في قاعدة "أوتيس" الجوية، في أنظمة النقل السيبراني، ويحمل رتبة رائد طيار.
ووفق خبراء، فإن الوثائق عبارة عن إحاطات عادية لهيئة الأركان المشتركة في البنتاغون، تتضمن معلومات من الوكالات المشاركة في المنظومة الاستخباراتية الأميركية، بما في ذلك وكالة الأمن القومي، ومكتب الاستخبارات والبحوث التابع لوزارة الخارجية، ووكالة الاستخبارات المركزية (CIA).
 
ولا تزال صدقية هذه الوثائق محط تكهنات المختصين بالشأن العسكري، منهم أطقم البنتاغون الذين أعلنوا بعد أيام من عملية التسريب، بأنها "تبدو حقيقية"، إذ أعلن الناطق باسم البنتاغون في العاشر من الجاري، أنها "خطر كبير جداً على الأمن القومي".
 
عند هذا المنعطف، نشطت وسائل الإعلام الأميركية الرئيسية بالترويج لتقييم مضمون الوثائق لتثبيت صدقيتها، أو بعضها.
ففي السابع من الجاري، وصفت صحيفة "نيويورك تايمز" مضامين الوثائق بأنها "كنز دفين"، فيما رأت صحيفة "واشنطن بوست"، أنها مجرد "إحاطات استخبارية حول العالم".
 
وفي اليوم التالي، في الثامن من نيسان الجاري، عادت "واشنطن بوست" إلى إضفاء الصدقية على مضامين الوثائق، مشيرة إلى أن "الذعر ينتاب القيادات العليا" في البنتاغون، وأن بعضهم عبّر عن "ذهوله وغضبه الشديد" جراء الاختراق الأمني.
 
مع ذلك، لفت متخصصون بالبيانات السرّية إلى أنه "عادة ما تبالغ الإدارة الأميركية بمدى الضرر الناجم عن وضع وثائق سرّية في متناول العامة".
 
وأظهرت التسريبات مدى تجسس واشنطن على حلفائها وأصدقائها، منهم "أوكرانيا وكوريا الجنوبية وإسرائيل، ومصر"، وكيفية تفاعل هذه الدول مع روسيا والصين.
وسارعت الإدارة الأميركية لطمأنة الحلفاء، حيث أعلن مساعد وزير الدفاع الأميركي للشؤون العامة كريس ميجر أن "اتصالات على مستوى عالٍ جرت لطمأنة الحلفاء".
 
ومن أبرز ما كشفت عنه الوثائق وجود نقاط ضعف في قدرات الدفاعات الجوية الأوكرانية، وتقييمات حلفاء للولايات المتحدة لمسائل استخباراتية، ما أثار تساؤلات بشأن ما إذا كانت التسريبات ستقوض ثقة الحلفاء بتبادل المعلومات مع واشنطن والتأثير على خطط كييف لتكثيف القتال ضد روسيا هذا الربيع.
 
وتواصل وزيرا الدفاع والخارجية الأميركيان لويد أوستن وأنتوني بلينكن مع نظيريهما الأوكرانيين، حيث قال أوستن إن "التسريبات لن يكون لها تأثير على خطط أوكرانيا لتنفيذ هجمات ضد روسيا هذا الربيع".
 
وذكرت "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" أن الوثائق أظهرت احتمال تنصت الاستخبارات الأميركية على محادثات لمسؤولين في المكتب الرئاسي في كوريا الجنوبية في أوائل آذار الماضي، بشأن تحديد ما إذا كانت سيول يمكن أن تقدم مساعدة عسكرية لأوكرانيا، مشيرة إلى أن القادة الكوريين الجنوبيين كانوا "متردّدين"، لأن ذلك ينتهك سياسة بلادهم بعدم تقديم مساعدات عسكرية إلى دول في حالة حرب.
 
لكن وزير الدفاع الأميركي سارع للاتصال بنظيره الكوري الجنوبي لي جونغ سوب وتوافقا على أن "عدداً كبيراً من الوثائق المسربة، ملفّقة"، على حد تعبير نائب مدير الأمن القومي الكوري الجنوبي كيم تاي هيو.
 
ولعل أهم الوثائق، تلك المتعلقة بإسرائيل، والتي كشفت عنها يومية "نيويورك تايمز" في 9 نيسان الجاري، وجاءت في سياق تحليلي تتناول مراحل الضغط الأميركي الذي ستلبي فيه إسرائيل طلب واشنطن بإرسال أسلحة إلى أوكرانيا، شرط حصول تل أبيب على "تأييد أميركي صارم" لدعم أي عملية داخل إيران.
 
وتضمنت التسريبات أيضاً إشارة إلى أن جهاز "الموساد" كان يشجّع الاحتجاجات ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، رفضاً لمشروعه إدخال تعديلات على منظومة القضاء. لكن مكتب نتنياهو نفى باسم "الموساد"، الأمر، معتبراً أن "كل ما تم نشره في الصحافة الأميركية كاذب تماماً ولا أساس له من الصحة".
 
كذلك ذكرت "واشنطن بوست" نقلاً عن وثيقة أخرى أن "مصر، قررت إنتاج ما يصل إلى 40 ألف صاروخ وشحنها سراً إلى روسيا"، إلا أن المتحدث باسم الخارجية المصرية أحمد أبو زيد نفى للصحيفة، صحة ذلك. فيما قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي: "لم نرَ أي مؤشر على أن مصر تقدم أسلحة وقدرات فتاكة لروسيا".
 
وفي السياق نفسه، نقلت "أسوشيتد برس"، عن وثيقة، أن الاستخبارات الأميركية تلقت مزاعم من عملاء في روسيا، بأن موسكو تعمل على بناء "علاقة أوثق" مع دولة الإمارات التي تستضيف منشآت عسكرية أميركية، وهو ما نفته أبوظبي، مشددة على أن تلك المزاعم "كاذبة بشكل قاطع".
خلاصة الأمر.. إذا كانت هذه التسريبات ذات أهمية ظاهرة، تتضمّن بعض الحقائق المغلّفة بمعلومات إما غير دقيقة أو كاذبة، فإنها تُضاف إلى جهود التضليل الأميركي لعدد من الخصوم، أبرزهم روسيا والصين وإيران.
 

اقرأ في النهار Premium