يخيّم صمت ثقيل ومقلق في بلدة لا كولونيا الكولومبية مع شوارع مقفرة وأبواب موصدة ونظرات مشككة، فقد فر السكان، فيما احتل تجار المخدرات وافراد العصابات المسلحة المنازل.
في ضواحي بوينافانتورا الريفية في غرب كولومبيا تستعر حرب للسيطرة على طرق تهريب الكوكايين وتفرغ البلدات الكولومبية المطلة على المحيط الهادئ.
أما سكان البلدة الذين أبوا المغادرة، فيلازمون منازلهم. ويقول دييغو بورتوكاريرو أحد أبناء المنطقة التي يتحدر سكانها من أصول أفريقية لوكالة فرناس برس إنهم "يعيشون محجورين ومهددين وخائفين".
هنا في وسط الأدغال والمانغروف يتواجه دونما رحمة مقاتلو جيش التحرير الوطني وهي مليشيا يسارية متطرفة غيفارية الهوى، وعناصر عصابة كلان دل غولفو الرئيسية للاتجار بالمخدرات في البلاد. الهدف من المواجهة السيطرة على البلدات الواقعة على طول نهري كاليما وسان خوان لتصدير الكوكايين عبر المحيط الهادئ.
بصوت منخفض، يروي أحد ابناء البلدة كيف فرض تجار المخدرات أنفسهم فيما يعيش بعضهم في منازل هجرها أصحابها ويقول "ما عشناه ورأيناه وسمعناه لا يوصف".
الجدران شاهدة على هذه المعاناة فقد نخرها الرصاص ورشت بالأحرف الأولى للطرفين المتحاربين.
ما أن تحقق مجموعة تقوفا على الأخرى تمحى الرسوم الجدارية التي تعود إلى الفريق الخاسر عن الجدران. في بلدة لا كولونيا يبدو أن كلان دل غولفو يهيمن راهنا.
- "ببطء" -
في هذه المنطقة هبطت الحرب من الجبال وصولا إلى البلدات الواقعة على ضفاف النهرين حيث بات المهربون والمسلحون يمتزجون بالمدنيين.
تقع هذه المنطقة البالغ عدد سكانها 31 ألف نسمة، وسط الأدغال الوارفة على ساحل المحيط الهادئ، وتقف شاهدة على الرعب الحاصل.
فقد لجأ نحو 300 ألف نازح من ضحايا النزاع المسلح إلى أحياء فقيرة في مرفأ بوينافانتورا، وهو محطة رئيسية لتصدير المخدرات إلى الولايات المتحدة، وحيث يخنق الابتزاز الاقتصاد المحلي.
ويقول خوان مانويل توريس الباحث في مؤسسة السلام والمصالحة للابحاث "حدث تحول في نزوح السكان. الحركة باتت الان بطيئة وصامتة. وهذا أسوأ" لأن اتفاقية السلام لم توقف عمليات النزوح القسرية هذه فيما ثمة "عقبات" الآن أمام اعتراف الدولة بهؤلاء الضحايا.
ومن الواضح أن كلان دل غولفو البالغ عدد عناصره نحو 3200 في كل أرجاء البلاد بحسب مؤسسة السلام والمصالحة، له الغلبة في بوينافانتورا على جيش التحرير الوطني بفضل تفوقه العسكري.
كذلك، يشهد جنوب هذه المنطقة الريفية وشرقها توسعا للمنشقين عن القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك) الذين رفضوا اتفاق السلام الموقع العام 2016. وفي ضواحي المدن ينخرط مئات الشباب في صفوف إحدى عصابتين إجراميتين أصبحتا خصمتين وهما منشقتان عن منظمة "لا لوكال" شبه العسكرية.
أما في المدن وفي القاعات الرياضيةى وملاعب كرة القدم إلى حيث لجأوا، يقيم النازحون وهم سود ومن السكان الأصليين، في مساكن متداعية تحت رحمة العصابات.
في هذه الأحياء البائسة التي تنتشر الجريمة في أزقتها ، يعيشون وهم عرضة للابتزاز وتحت رحمة الفقر (41%) والتجنيد الإجباري وجرائم القتل والاعتداءات الجنسية والاختفاء القسري.
وتقول نانسي هورتادو بحسرة "اضطررنا إلى مغادرة منطقتنا واتينا إلى هنا ولا نملك شيئا. الوضع مؤسف ومحزن وصعب للغاية" مضيفة أن المهاجمين "حلوا في البلدة مطلقين النار واخرجوا الناس ومن بينهم أطفال من المنازل".
- انتخابات بعيدة -
تنام نانسي البالغة 52 عاما في قاعة رياضية تحت مرمى لكرة القدم علقت عليه قطع قماش أملا أن توفر لها بعض الخصوصية وسط مئات النازحين غيرها.
وحاول العائلات استحداث مطابخ وغرف لغسل الملابس وللنوم وقاعات لمشاهدة التلفزيون.
وانتقلت جرائم القتل في بوينافانتورا من 73 في العام 2017 إلى 195 في 2021 نتيجة مباشرة للاتجار بالمخدرات. وترمى جثث قطعت اوصالها في البحر.
قبل أيام قليلة من الانتخابات الرئاسية المقررة في 29 أيار لا يبدي نازحو بوينافانتورا الذين لا يمكنهم الاقتراع فيها لبعدهم عن المناطق المخصصة لتصويتهم، أي اهتمام بها. ويمكن لليسار للمرة الأولى أن يتولى الحكم نتيجة هذه الانتخابات.
فأولويات هذه المجموعة مختلفة فهم يريدون تأمين الطعام والنوم بأمان والاستمرار يوما بيوم. ويقول دييغو بأسف "الناس لن يكسبوا ابدا سنخسر على الدوام".
يضم مقر إذاعة للسكان الأصليين مجموعة متراصة من 158 نازحا ينتمون إلى اتنية وونان نونام. واضطرت هذه الجماعة إلى النزوح في 2004 و2010 و2017... لكن في تشرين الثاني 2021 اضطرت البلدة بكاملها للنزوح.
ويقول زعيم الجماعة ويدعى ادغار غارسيا والبالغ 45 عاما "اضطررنا إلى ترك كل شيء، منازلنا وكلابنا ودججاتنا".
اما لويس إيسمار فقد فر في صباح أحد أيام شباط مع 80 هنديا آخرين من اتنية وونان. ويقول بحسرة "الأمر أشبه بالاختفاء والقفز في حفرة عميقة ندرك أننا لن نتمكن من الخروج منها. ويحصل انفصال عن أرضنا".