يرث رئيس الوزراء البريطاني الجديد ريشي سوناك اقتصاداً بريطانياً كان في طريقه إلى الركود حتى قبل الاضطرابات الأخيرة التي أثارتها مقترحات رئيسة الوزراء المستقيلة ليز تراس.
استقالت تراس بعدما أثارت ميزانية قدمتها حول تخفيضات ضريبية ممولة من ديون، اضطرابات في الأسواق ساهمت في تراجع قيمة الجنيه الاسترليني. تسبب ذلك في تعديل الحكومة لمعظم أجزاء ميزانيتها، بما في ذلك تقليص سقف فواتير الطاقة المرتفعة التي ساهمت بشكل كبير في أزمة تكاليف المعيشة لعشرات الملايين من البريطانيين.
وأظهرت بيانات نُشرت اليوم تفاقماً في التباطؤ الاقتصادي في تشرين الأول، مع انخفاض إنتاج القطاع الخاص إلى أدنى مستوياته منذ 21 شهراً.
في الإطار، قال كبير الاقتصاديين التجاريين في "S&P Global Market Intelligence" كريس وليامسون: "أظهرت بيانات مؤشر مديري المشتريات لشهر تشرين الأول أن وتيرة التراجع الاقتصادي تزداد بعد الاضطرابات السياسية والمالية الأخيرة في الأسواق". وأضاف: "تسبّب ازدياد عدم اليقين السياسي والاقتصادي بتراجع النشاط الاقتصادي إلى مستوى غير مسبوق منذ الأزمة المالية العالمية في العام 2009، مع استثناء أشهر جائحة كوفيد-19".
ولفت وليامسون إلى أن البيانات المقبلة قد تُظهر أن بريطانيا في حالة ركود بالفعل.
واستقر مؤشر مديري المشتريات المركب S&P Global/CIPS في المملكة المتحدة عند 47,2 في تشرين الأول، أي أقل من مستوى 49,1 الذي سُجّل في أيلول. ويشير كلّ مستوى أدنى من 50 إلى انكماش.
غير أن المملكة المتحدة لا تعاني وحدها ركوداً، فهناك أرقام منفصلة صادرة عن "ستاندرد اند بورز" تشير إلى "ركود وشيك" في ألمانيا التي تُعدّ الاقتصاد الأول في أوروبا.
استقرار
استقالت ليز تراس الخميس من منصب رئاسة الوزراء بعد 44 يوماً فقط على توليها مهامها. وكانت قد خلفت بوريس جونسون في 6 أيلول بعد حملة انتخابية لتسلم رئاسة حزب المحافظين استمر أسابيع في مواجهة سوناك.
وسبق أن حذّر سوناك، في الفترة التي تلت استقالة جونسون، من أن التخفيضات الضريبية التي وعدت بها تراس مع ارتفاع الدين الحكومي حين تدخلت الحكومة مالياً لكبح تفشي كوفيد-19، كانت سياسة خاطئة.
وثبت أنه كان على حق اذ أدت الميزانية التي طرحتها تراس إلى انهيار قيمة الجنيه الاسترليني إلى مستوى قياسي منخفض قريب من التكافؤ مع الدولار وتسببت بارتفاع عائدات السندات الحكومية.
ارتفعت قيمة الجنيه الاسترليني وانخفضت عائدات السندات الاثنين مع اعتبار سوناك عنصراً يجلب الاستقرار إلى الأسواق.
وتقول المحللة المالية لدى شركة "اي جاي بل" (AJ Bell) البريطانية داني هيوسن: "يأمل المستثمرون بشكل واضح أن يؤمن سوناك استقراراً للاقتصاد وللوضع السياسي رغم أنه من الصعب حالياً تحديد أيهما المهمة الأصعب". وتضيف: "سيسعد سوناك برؤية (تراجع) أسعار الغاز الأوروبي، بالإضافة إلى تعافي الجنيه الاسترليني وانخفاض تكلفة الاقتراض الحكومي (مع انخفاض العائدات)".
رغم ذلك، مع ارتفاع التضخم في المملكة المتحدة إلى أعلى مستوى له في 40 عاماً إلى أكثر من 10 بالمئة، يتوقع أن يكشف بنك انكلترا عن زيادة كبيرة أخرى في أسعار الفائدة في اجتماع الأسبوع المقبل. وستؤدي هذه الزيادة إلى زيادة الضغط على المقترضين، بمن فيهم أصحاب المنازل الذين شهدوا ارتفاعاً في معدلات الرهن العقاري في أعقاب إعلان حكومة تراس ميزانيتها.
في السياق، دعت المديرة العامة لغرف التجارة البريطانية شيفون هافيلاند رئيس الوزراء البريطاني الجديد إلى تقديم مساعدة للشركات التي تعاني من فواتير الطاقة الضخمة. وقالت في بيان صدر بعد تأكيد تسلّم سوناك منصب رئاسة الوزراء الاثنين: "أضرّ الغموض السياسي والاقتصادي في الأشهر القليلة الماضية بشكل كبير بثقة الأعمال البريطانية، ويجب أن ينتهي الآن".
وأضافت: "يجب أن يحكم رئيس الوزراء الجديد السيطرة على الاقتصاد في الظروف الصعبة المقبلة"، موضحة "هذا يعني وضع خطط واضحة وكاملة التكاليف للتعامل مع القضايا الكبيرة التي تواجه الشركات مثل فواتير الطاقة المرتفعة ونقص اليد العاملة والتضخم المتصاعد وارتفاع أسعار الفائدة".