رأس السنة الصينية أو عيد الربيع، أو السنة القمرية الجديدة، من أهم الاحتفالات الصينية. يبدأ الاحتفال مع بداية أول شهر قمري في السنة الصينية، وينتهي في اليوم الخامس عشر من ذلك الشهر. يسمّى أول يوم "عيد الفانوس"، أما ليلة العيد فتُعرف باسم "تشوتشي". ترتكز الأبراج الصينية على علم الفلك التقليدي والتقويمات المتعارف عليها، فعرف الصينيون القدماء إثنتي عشرة طاقة تسري في الكون مدتها سنة قمرية كاملة.
تبدأ سنة الأرنب في 22 كانون الأول 2023، وتنتهي في 9 شباط 2024، ويميل العلماء والخبراء في علم الفلك الصيني إلى تفسير عام 2023 على أنه أكثر سلامًا على الصعيد العالمي من عام 2022. لكن مسار الحرب الأوكرانية لا يؤشر الى أن التسوية باتت قريبة. لقد نفى القائم بأعمال مندوب روسيا لدى الاتحاد الأوروبي، الخميس 19-1-2023، كيريل لوغفينوف، تصريحات المسؤولين الأوكرانيين حول مناقشة مزعومة بين موسكو وبروكسيل لتسوية النزاع في أوكرانيا "بالصيغة الكورية".
كما أن إصرار الغرب على تزويد كييف بالأسلحة المتطورة رغم التهديدات الروسية بات هو أيضًا ينذر بتدحرج الأمور نحو حرب عالمية. فهل ستبقى فيها الصين داعمة لحليفتها روسيا معنويًا أم ستنجرف نحو الحرب؟
حبس العالم أنفاسه وبدأ الاستعداد للأسوأ بعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي في آب الماضي، إذ اعتبرتها الصين بمثابة استفزاز لها من الدرجة الأولى، ووجدت فيها أن الولايات المتحدة لم تحترم مبدأ الاعتراف بـ"الصين الموحدة"، لهذا أقامت القوات الصينية الدنيا ولم تقعدها، بمناورات بحرية وجوية خرقت فيها مراراً الحدود المرسومة لجزيرة تايوان.
الأزمة الصينية - الأميركية رأى فيها البعض أنها تطبيق لما جاء في مصيدة المؤرخ اليوناني القديم ثيوسيديدس صاحب كتاب "تاريخ الحرب البيلوبونيسية"، الذي تحدّث فيه عن حتمية الصدام بين القوة الصاعدة والقوة الفارضة. ينتظر العالم أن تصيب هذه المصيدة مع القوة الصينية الصاعدة والقوة الأميركية الفارضة، لاسيما بعد التصريحات المتكررة للقيادة الصينية والتي أتت على لسان زعيمها شي جين بينغ، عن نية الصين بتغيير النظام الدولي العالمي وجعله نظاما متعدد القطب، بدل الأحادية الغربية المتحكمة فيه.
قد تكون كل التقارير العسكرية التي تؤكد سباق التسلح غير المسبوق من قِبل دول الجوار لجمهورية الصين الشعبية، وعلى رأسها الهند واليابان، تشكل تهديدًا مباشرًا لطموحات الصين بتعبيد مشروعها القديم - الجديد "الطريق والحزام". فعلى سبيل المثال قررت اليابان إلغاء سياستها الأمنية لما بعد الحرب العالمية الثانية والتي تبنّتها طوال 6 عقود، وتسليح نفسها عبر واحدة من أكبر ميزانيات الدفاع في العالم لمواجهة ما وصفته بـ"التحدي الاستراتيجي الأكبر وغير المسبوق الذي تمثله العدوانية العسكرية الصينية المتزايدة".
التوقف عند مصطلح "العدوانية العسكرية الصينية"، لا يفسَّر إلا ضمن الاستعداد للحرب المفتوحة مع الصين، لذا، فإن هذا العام قد يكون الأسوأ في تاريخ البشرية، في حال انجرفت الأمور نحو التصعيد العسكري وسط ازدياد المخاوف من الإقدام على ضربة نووية تكتيكية في أوكرانيا مجهولة المصدر، ولكنّ الأكيد أنها ستؤسّس لمرحلة حرب كبرى تكون الصين لاعبًا رئيسيًا فيها.
تعيش منطقة جنوب آسيا على صفيح ساخن ومتحرك، لا يقف عند التهديدات بالتصعيد، بل عند التجارب الصاروخية وسباق التسلّح، لكنّ المتابع لتاريخ الصينيين وعقائدهم، قد يذهب نحو قراءة مختلفة لما يجري في أرض الواقع. فعام الأرنب هو عام السلام، وبالنسبة إلى المفهوم العام المسيطر على أذهان البشرية منذ أن عرف تاريخهم السحر، فإن الساحر عندما يُخرج من قبعته أرنبًا يعني أنه أنهى مشكلة كان قد بدأها، وأنه يسعى إلى اعتماد سياسة الإلهاء وتشتيت تركيز المشاهد عبر إبهاره بالأرنب.
قد يكون للحزب الحاكم في الصين أكثر من أرنب في قبعته لسحب فتيل الحرب المرتقبة مع الولايات المتحدة الأميركية، يظهر من خلال ما أوضحه وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن، الجمعة 20-1-2023، بأن "هناك انخفاضًا في التوتر مع الصين"، لكنه عبّر مجددًا عن "قلقه حيال تايوان". وأكّد أنه سيتوجه إلى بكين يومي 5 و6 شباط، وقد تكون زيارة لكسر الجليد مع الاقتصاد الصيني العملاق والتأسيس لمرحلة جديدة بعيدًا من الحرب الدائرة في أوكرانيا وتطوراتها.
تحتاج روسيا اليوم إلى إشراك الصين في العدائية التامة للغرب، وقد تنتظر منها اجتياح جزيرة تايوان لعلّ ذلك يخفّف عبء الدعم الغربي لكييف كي تتمكن من تسجيل انتصار حقيقي وجدي يحاكي آمالها في قلب النظام الدولي القائم. لكن القيادة الصينية، وعلى رغم أن عقيدتها شيوعية، إلا أنها تنقّحت بعد الانفتاح الصيني على الغرب بمبادئ براغماتية أكثر ليونة تدفع بها إلى تقديم تنازلات انسجامًا مع مصالحها.
الصين لا ترى اليوم أنها مستعدة لدخول الحرب مع الغرب، وهي التي حافظت شركاتها على احترام العقوبات الغربية على روسيا، وأوقفت التعامل معها تجنبًا للعقوبات عليها. لهذا، تستبعد الصين أي سيناريو لوقوع الحرب، فهي لو أرادت ذلك لفتحت الحرب بعد زيارة بيلوسي مباشرة. إلا أنّ الحزب الشيوعي الحاكم على دراية بأن لا مصلحة للصين في معاداة الغرب، كما فعل الروسي، إذ لا حليف قويًا ذا قدرة اقتصادية بين الدول الحليفة لها تستطيع الصين الاعتماد على أسواقه. فالاقتصاد الروسي يعيش على الانعاش الصيني، كذلك الأمر الإيراني وكل من يدور في فلكه.
إنّ أي حرب ستنجرف فيها الصين، ستكون بمثابة مغامرة غير مسؤولة وتخرج منها الخاسر الأول ولو حققت انتصارًا عسكريًا. بذا سيكون عام 2023 عام سلام، وستُخرج القيادة الصينية المزيد من الأرانب لإلهاء أعدائها وإبهارهم لعلّها بذلك تستطيع أن تقرأ ما ستحمله الحرب الأوكرانية من تطورات جديدة تبني عليها مستقبل العلاقة مع الغرب.